بلومبرغ
إذا أرادت الصين اختيار عبارة للعام الجاري، فيجب أن تكون عبارة "حياد الكربون" في القائمة المختصرة.
منذ أن أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن أكثر دولة مصدرة للانبعاثات في العالم ستصل إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، أصبحت عبارة "حياد الكربون" إحدى العبارات الرئيسية التي يتم ترديدها في كل اجتماع وخطاب في البلاد، بغض النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بالاقتصاد أو التمويل أو التكنولوجيا أو حتى الثقافة والسياحة.
الغسل الأخضر
يُظهر ذلك وعياً متنامياً بالمناخ في المجتمع الصيني، لكنه في الوقت نفسه يخلق مستويات غير مسبوقة من الضجيج والغسل الأخضر.
في الأشهر القليلة الماضية وحدها، أرسلت 10 شركات على الأقل دعوات لنا لزيارة مدنها الصناعية "محايدة الكربون" أو للتعرف على منتجاتها "محايدة الكربون" من البيرة إلى القمصان القطنية.
تُرافق الدعوات دائماً أوصافاً للتقنيات المبهرة المستخدمة لتقليل الانبعاثات، والرسوم البيانية التي توضح كمية الطاقة أو المياه التي يتم توفيرها، وبالطبع شعارات تردد كلمات كبار القادة في بكين.
ومع ذلك، غالباً ما تكون هناك معلومة أساسية مفقودة لديهم: وهي انبعاثاتهم. ما هي كمية ثاني أكسيد الكربون التي تم إطلاقها خلال صنع المنتج؟ ما مقدار الوقود الذي تم حرقه لإنتاج مواده الخام؟ ما نوع برامج التعويض التي تقوم الشركة بتمويلها لتحقيق التوازن في ذلك؟
كما تكتسب العديد من المصطلحات الأخرى ذات الصلة اعتماداً أكبر: "إيكولوجي" و"نظيف" و"أخضر" و"صديق للبيئة".
ولهذه المصطلحات آثار أكثر سلبية، لأن غموضها يسمح للشركات بتضليل العملاء، وإرباك الجمهور، والتستر على الصناعات والشركات التي تستمر في التلوث.
الحياد الكربوني
إن الحياد الكربوني ليس شعاراً جذاباً، بل إنه هدف يتطلب حسابات دقيقة وخطط عمل مفصلة.
يقول لي شو، محلل السياسة العالمية في قسم شرق آسيا لمنظمة "السلام الأخضر": "المناخ وحياد الكربون هما آخر الكلمات التي أصبحت الأكثر شعبية في العام الماضي... وعلى الرغم من أنه من الأفضل أن يتحدث الناس عن هذا الأمر كثيراً بدلاً من أن يتحدثوا عنه نادراً جداً، سرعان ما سيتعين على الجميع أن يصحوا ويدركوا أنه لم يتبق الكثير من الوقت لمثل هذه الضجة؛ فهناك أسئلة حقيقية تجب مواجهتها والإجابة عليها".
منذ تعهد شي بشأن المناخ في سبتمبر 2020، أعلنت العديد من الشركات الصينية مواعيد نهائية للوصول لصافي انبعاثات صفرية. لكن العديد من المقترحات تتكون من وعود غامضة بدلاً من إجراءات ملموسة، بل إن بعض الخطط تتعارض مع اتجاه الابتعاد عن الوقود الأحفوري.
العالم يحرق أكبر كمية فحم في تاريخه لإضاءة الأنوار
الفحم النظيف
خذ على سبيل المثال شركة "المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري"، أكبر منتجة للنفط والغاز البحري في الصين.
للوصول إلى "الحياد الكربوني"، وعدت الشركة بالقضاء على الانبعاثات في عملياتها، على الرغم من أنها لن تعمل على معالجة غازات الاحتباس الحراري المنبعثة عند حرق النفط الذي تبيعه.
بالإضافة إلى ذلك، تخطط الشركة لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي، الذي لا ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون فقط عند استخدامه، ولكنه يعد أيضاً مصدراً رئيسياً لغاز الميثان الأكثر قوة من ناحية احتجازه للحرارة.
وما يسمى "الفحم النظيف" هي عبارة أخرى تستخدمها الصناعات والشركات لتغطية استثماراتها المستمرة في أكثر أنواع الوقود تلويثاً.
أيدت الحكومة المركزية مؤخراً هذا المفهوم المثير للجدل من خلال تخصيص أكثر من 200 مليار يوان (31 مليار دولار) لتمويل مشاريع الفحم النظيف بمعدلات تفضيلية، ضمن إطار جهود الصين "لتعزيز تنمية صديقة للبيئة ومنخفضة الكربون".
جاء هذا الإعلان بعد أيام فقط من مساهمة الصين في قيادة جهود اللحظة الأخيرة خلال قمة المناخ "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021" لإضعاف صيغة القرار الخاص بالتخلص التدريجي العالمي من طاقة الفحم.
الرقابة على الشركات
تقول تشين يان، المحللة الرئيسية لقسم الكربون في "ريفينيتيف" (Refinitiv)، إنه لا يوجد معيار أو آلية وطنية للتحقق من جميع الادعاءات المحايدة للكربون التي تزعمها الشركات، والمؤسسات التي تحكم على مشاريع تعويض الكربون تختلف اختلافاً كبيراً.
تضيف يان: "إن توحيد نظام الائتمان والتحقق سيكون الخطوة التالية التي يجب أن تذهب الصين باتجاهها... الطريقة الصينية هي من أعلى إلى أسفل وتعتمد على اللوائح الإدارية، بينما في أوروبا هناك إشراف من مجموعات مستقلة، وغالباً ما تنتقد وسائل الإعلام سلوكيات الشركات بشأن الغسل الأخضر".
بدورها، لا تقوم وسائل الإعلام الصينية بالمساعدة على فعل ذلك. فبدلاً من رصدها للغسل الأخضر، انضم الكثيرون إلى جنون الاستخدام الأعمى لعبارة "حياد الكربون".
في الشهر الماضي، اقترحت مقاطعة شاندونغ مخططاً جديداً يسمح فقط للشركات بإطلاق مشاريع عالية الانبعاثات عندما يكون بإمكانها إثبات أنها تجنبت نفس الحجم من الانبعاثات من مشاريع أخرى لها، من خلال الترقيات التكنولوجية أو تقليل السعة أو التحول إلى الطاقة النظيفة.
في حين أن المطلب لا يفعل شيئاً لتقليل إجمالي الانبعاثات، فسرت العديد من وسائل الإعلام الصينية هذه السياسة على أن "المشاريع الجديدة يجب أن تكون محايدة الكربون".
يقول لي من منظمة "السلام الأخضر": "الشعارات الفارغة لن تدوم طويلاً بدون خطط يمكن الوصول إليها، والأكاذيب الخضراء ستنتهي قريباً... لم نعد في الوقت الذي يكون فيه الهدف طويل المدى الذي تم تحديده لعقود لاحقة كافياً لإرضاء الناس... حالياً بعد غلاسكو نحتاج إلى معرفة ما هي الخطة للسنوات الثلاث المقبلة".