بلومبرغ
أطلقت شركات الطيران عدداً كبيراً من مبادرات الوقود المستدام في الفترة التي سبقت قمة المناخ "كوب 26" لتُثبت جديتها في مكافحة الاحتباس الحراري.
يُشتق وقود الطيران المستدام، وهو بديل الكيروسين الأحفوري الذي يقوم بتشغيل توربينات الطائرات النفاثة، من مجموعة متنوعة من المكونات بدءاً من زيوت النفايات والدهون إلى محاصيل السكر وبعض الأشجار والأعشاب.
قامت الخطوط الجوية البريطانية بتشغيل رحلة "محايدة الكربون" إلى مدينة غلاسكو، بينما تعتزم شركة "إيزي جيت" (EasyJet Plc) استخدام وقود الطيران المستدام في 42 رحلة من مطار غاتويك بلندن. وتلتزم شركة "يونايتد إيرلاينز" (United Airlines Holdings Inc). بشراء 1.5 مليار غالون من وقود الطيران المستدام المصنوع من نفايات الغابات والمحاصيل.
يُعد التبّني المفاجئ لبدائل الكيروسين أمراً منطقياً بالنسبة لصناعة الطيران التي تحتاج بشدة إلى تجنّب صدمة أخرى بعد تضررها الشديد الناجم عن جائحة كورونا. ويُمكن أن يساعد وقود الطيران المستدام شركات الطيران، في حال تبنيها له سريعاً، على درء الدعوات إلى فرض قيود على الطيران نتيجة للانبعاثات، وتمهيد طريق العودة إلى النمو، لكن بعض أعضاء الصناعة يشعرون بالقلق حيال تفوّق الدعاية على التقدمّ الملموس.
وقال جين غيبوليز، الرئيس التنفيذي لشركة "وورلد إنيرجي" (World Energy)، وهي واحدة من الشركتين المزوّدتين لوقود الطيران المستدام بكميات تجارية في الولايات المتحدة: "إن الأمر غامض قليلاً في الوقت الحالي، ولا يمكن أن يكون بمثابة معركة بيانات صحفية فقط. يجب أن يكون الأمر حقيقياً هنا ".
تتمثّل إحدى نقاط التحفيز الحاسمة لوقود الطيران المستدام في أنه يوّفر طريقة لإحراز تقدم فوري نحو خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، نظراً لأن التغييرات الأكثر تأثيراً مثل الطائرات العاملة بالهيدروجين والكهرباء لم يتم تصنيعها بعد، كما يتم تصنيع وقود الطيران المستدام دون استخراج المزيد من الوقود الأحفوري، ويمكن مزجه بغرض الاستخدام في الطائرات الحالية.
مع ذلك، تعد التكلفة واحدة من التحديات الرئيسية، حيث يرتفع سعر وقود الطيران المستدام عادة بثلاث إلى أربع مرات عن سعر الكيروسين، ولذلك لا تشتريه شركات الطيران بكميات كبيرة. ونتيجة لذلك، يتم إنتاج كمية قليلة للغاية منه.
وقال إد باستيان، الرئيس التنفيذي لـ"دلتا إيرلاينز" (Delta Air Lines Inc)، إنه إذا قامت الشركة بملأ جميع طائراتها ليوم واحد بذلك النوع، فإنها ستمتص ما يكفي لمدة عام من إمدادات البلاد من وقود الطيران المستدام.
قال "باستيان" في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" إن منتجي الطاقة "لا يعرفون ما إذا كان لديهم عملاء أم لا، ولا تستطيع شركات الطيران دفع هذه التكلفة المرتفعة. هذا هو السبب الذي يجعلنا نعمل مع رجالنا في واشنطن لأننا نريد الحصول على اعفاءات ضريبية لمزيج وقود الطيران المستدام".
تعتبر إمدادات وقود الطيران المستدام محدودة للغاية، إذ يُقدّر الإنتاج الحالي بأقل من 0.1% من استهلاك وقود الطائرات العالمي، وفقاً لبلومبرغ "إن إي إف"، لكن من المتوقع أن يرتفع هذا إلى حوالي 3% نتيجة للطلب المتوقع في العام 2030، وهو ما يقل كثيراً عن الأهداف التي حددها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
وستؤدي الكميات الكبيرة لخفض الأسعار، وفقاً لقول كريس ريموند، كبير مسؤولي الاستدامة في شركة "بيونغ"، الذي أفاد أن مجموعة حوافز ورسوم على وقود الطائرات التقليدي يُمكن أن تُشجّع على زيادة استخدام وقود الطيران المستدام.
وتتمثل إحدى العقبات التي تواجه شركات الطيران، في إطلاق وقود الطيران المستدام لثاني أكسيد الكربون والملوثات الأخرى في الغلاف الجوي مثلما يفعل الكيروسين التقليدي، حيث تعتمد عملية خفض الانبعاثات التي يٌقال إن الوقود الحيوي يقوم بها على الكثير من الرياضيات المُعقّدة وتُبني على أن المواد المحترقة لا تأتي من استخراج الوقود الأحفوري الذي تم عزله منذ آلاف السنين.
مخاطر بيئية
تعتمد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في دورة حياة وقود الطيران المستدام على المواد الأولية وعملية تحويلها إلى وقود للطائرات، لكن بعض الأنواع تخاطر بتوليد ثاني أكسيد الكربون أكثر من الوقود التقليدي الذي تحل محله، وفقاً لورقة عمل المجلس الدولي للنقل النظيف المنشورة في شهر مارس.
على سبيل المثال، يُمكن أن ينتج الوقود المشتق من النفايات الصلبة الحضرية التي تحتوي على نسبة بلاستيك عالية ما يقرب من ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يُماثل حرق وقود الطائرات العادي.
وقال جوزيف فارادي، الرئيس التنفيذي لشركة الطيران الاقتصادي "ويز إير" (Wizz Air Holdings Plc)، إنه من الأفضل توجيه الأموال التي يتم إنفاقها على وقود الطيران المستدام نحو تقنيات مثل الهيدروجين والدفع الكهربائي التي من شأنها تقليل الانبعاثات في الأساس بشكل كبير.
وأضاف "فارادي": "أنا لا أقول إننا ضد وقود الطيران المستدام أو أي شيء من هذا القبيل، ولكنني أعتقد أنه إذا كنت تبحث عن حل طويل الأجل، عليك إزالة الكربون من تكنولوجيا المحركات".
مع ذلك، هناك عدد قليل من البدائل الحالية بخلاف التخفيضات الكبيرة في الطيران. وحتى عند تحققها، ستعمل الطائرات الكهربائية والهيدروجينية على رحلات قصيرة فقط في البداية. ويتوقع المدير العام لاتحاد النقل الجوي الدولي، ويلي والش، والرئيس السابق لـ"أي إيه جي" (IAG SA)، الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية، مواصلة شركات الطيران شراء الطائرات التقليدية لمدة 15 عاماً أخرى، واستمرار هذا الأمر عادة لمدة عقدين أو أكثر.
قال "والش" في مقابلة: "علينا أن ننظر في الخيارات الأخرى التي ستوصلنا إلى صافي الصفر بحلول العام 2050. في تلك الفترة الزمنية، يعد الوقود المستدام أهم شيء يمكننا القيام به".
بدورها، قالت ديانا بيركيت راكو، نائب رئيس الشؤون العامة والاستدامة في شركة "ألاسكا إيرلاينز" (Alaska Airlines)، إنه ستطرأ الحاجة إلى نهج مشترك في نهاية المطاف. وتشير الشركة الأمريكية إلي أن البداية ستكون من خلال زيادة استخدام وقود الطيران المستدام، وتحسين العمليات، وإدارة الحركة الجوية، وكذلك شراء طائرات جديدة ذات كفاءة في استهلاك الوقود. علاوة على ذلك، ستعتمد المسألة أيضاً على التقدّم في أنظمة الدفع والاستثمارات في الشركات الناشئة، والتعويضات للمساعدة في حل مشكلة صافي الصفر.
وأضافت "راكو": "أعتقد أن الأمريكيين يفكرون دوماً في مسألة إيجاد حل سحري إلى حد ما، ولكن الأمر سيحدث خطوة بخطوة".