بلومبرغ
ينتج قطاع المعادن والتعدين الموارد بوفرة، كما أنه مستهلك نهم لها. يستخرج المواد الخام ويحولها عبر عمليات تستهلك الطاقة بضراوة ليضفي عليها سمات تخدم بيئتنا المعمورة الحديثة. ينتج بذلك نحو ربع الانبعاثات المفصح عنها لأكبر 12 ألف شركة عالمياً. حال هذه الصناعة كحال قطاعات أخرى يصعب كبتها مثل الأسمنت أو الشحن البحري، لذا فإن خفض مستوى انبعاثات صناعة المعادن والتعدين بالغ الأهمية في إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.
في عصر التعدين الأخضر.. مشروع خالٍ من الكربون بالنرويج يواجه اعتراضات مجتمعية
يتطلب البدء بهذا الجهد تحديد موقع هذه الشركات والقطاعات الحالي. أصدرت "بلومبرغ إن إي إف" أول حصيلة درجات تقيس تحول نماذج أعمال 53 شركة معادن وتعدين كبرى. تقيس الدرجات مخاطر كل شركة من حيث مستوى الانبعاثات الحالي واستعداد أعمالها لإزالة الكربون بعمق. تسلط النتائج الضوء على المجالات التي تتحرك فيها الشركات بسرعة وتلك التي تتهادى فيها، والأهم من ذلك أن هذه النتائج تمحّص الشركات ما يعين المستثمرين المهتمين بتصنيفها حسب جهودها الانتقالية.
تقدم "بلومبرغ إن إي إف" الدرجات على شعبتين، أولاهما مخاطر نموذج الأعمال، أي مدى تعرض الشركة للطلب على منتجاتها التي تتقلص أو تنمو ضمن سيناريو حياد الانبعاثات، وكثافة انبعاثات منتجها، وقوة ضغط الأطراف المعنية لمقاربة الانبعاثات.
أما ثانيها فهو تكيّف نموذج الأعمال، أي خطة الشركة لمواءمة محفظتها مع توجه حياد الانبعاثات ومدى سهولة إنتاجها لمنتجات منخفضة الكربون مقارنة بأقرانها وحجم تقنية إزالة الكربون التي لديها اليوم ومدى ربطها القرارت الإدارية بمخاطر المناخ.
دفع أوروبي
تأتي الدرجات مفيدة من عدة جوانب. تقع معظم الشركات الأعلى درجةً في أوروبا، ويرجع فضل ذلك إلى حد كبير لبيئة سياسات تشجع أو تفرض تحركات لكبح كبير في الانبعاثات. تشمل العشر الأوائل ثلاثاً فقط من خارج أوروبا: "كوديلكو" (Codelco) في تشيلي و "تاتا ستيل" (Tata Steel) في الهند و"بي إتش بي" (BHP) في أستراليا.
منطقة الأمازون تتحمل وطأة نمو التنقيب عن الذهب
تدل التقنيات والاستثمار فيها على اتجاه النتائج، حيث إن وجود برامج تقنية منخفضة الكربون، وهي ما تسمى غالباً الحلول منخفضة الكربون، مهم للحصول على درجات عالية في التقييم. تشمل هذه البرامج جهوداً مثل القدرة على إعادة تدوير المعادن واستخدام الطاقة المتجددة ومشاريع استخدام الهيدروجين بدل الفحم أو الغاز للاحتراق والعمليات الكيميائية ومبادرات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه. كما يمكن على نحو متصل أن تصبح كثافة الطاقة في الإنتاج ميزة تنافسية مستقبلية أيضاً. تنتج "نورسك هايدرو" (Norsk Hydro) و"آرسيلور ميتال" (ArcelorMittal) منتجات نهائية كثيفة الاستهلاك للطاقة، وكلتاهما تعمل على تطوير مصادر طاقة منخفضة أو خالية من الكربون لاستخدامها في عمليات الإنتاج.
خسارة العملاء
تعتبر مشاركة العملاء مهمة أيضاً. إذ إن أهداف صافي الصفر بين صانعي السيارات وغيرهم من كبار مشتري المعادن تقحم مورديهم وشركات المعادن والتعدين. كشف أكثر من ثلث الشركات المدروسة عن عدد كبير من العملاء الذين لديهم أهدافهم الخاصة لإزالة الكربون في سلسلة القيمة. سيجد منتجو المعادن على وجه الخصوص أنهم إما بحاجة إلى تقديم معادن منخفضة الكربون أو المخاطرة بخسارة العملاء.
خطة التعدين السعودية تجذب استثماراً أسترالياً بقيمة 3 مليارات دولار
الحجم مهم أيضاً. تحصل الشركات الأكبر على درجات أعلى من تلك الصغيرة والسبب بسيط إلى حد ما: يرجح أن تكون الشركات الأكبر أكثر قدرة على تمويل أنشطة إزالة الكربون باستخدام مواردها الخاصة أو عبر تمويل أسواق رأس المال.
هناك مع ذلك ما يشوب مسألة حجم الشركة. كبرها عامل مساعد، لكن أن تكون الشركة ذات تنوع وتبيع عدداً من المعادن، أو أن تكون مندمجةً ونشطةً على امتداد سلاسل القيمة الكلي من تعدين الخامات حتى إنتاج المعادن النهائية، لا يشكل عاملاً مساعداً. تركز الشركات ذات الدرجات الأعلى لكل معدن على حدة بشكل كبير على منتج واحد وشريحة واحدة.
صقل التقنيات
تنتج "نورسك هيدرو" الألمنيوم فقط، بينما تحصل "آرسيلور ميتال" على 95% من عائداتها من صناعة الصلب، وتحصل "كوديلكو" على أكثر من 90% من عائدات تعدين النحاس، أما مجموعة "ريو تينتو" (Rio Tinto) فتجني نحو 60% من إيراداتها من خام الحديد و20% أخرى من الألومنيوم. تتمتع الشركات ذات التركيز الضيق بالقدرة على صقل تقنيات ومنتجات معينة، وتميز نفسها عن أقرانها شريطة أن تكون أكبر حجماً.
شركة سويدية تنجح في إنتاج أول صلب صديق للبيئة على مستوى العالم
قد يكون لدى الشركات واسعة التنوع ميزانيات كبيرة بفضل بيع العديد من المنتجات في عديد الأسواق، لكن يجب عليها أيضاً التكيف على نطاق أوسع من التدابير لإزالة الكربون. إذ تتفرد شركة "أنغلو أمريكان" (Anglo American)، التي تنقسم إيراداتها بالتساوي تقريباً بين معادن مجموعة البلاتين وخام الحديد والنحاس، بكونها حالة استثنائية بين أفضل الشركات أداءً.
تمتلك شركات التعدين أوسع نطاق من درجات التحول لدى "بلومبرغ إن إي إف". يمنح هذا الاتساع المستثمرين الكثير ليتمعنوا فيه عند النظر في دور شركات التعدين في مستقبل خالٍ من الكربون بشكل كبير مثل منتجاتهم وكيف ينتجون وبأي تقنية وبأي خطط للابتكار وعلى أي درجة التزام يستعدون للمستقبل.