بلومبرغ
تعيش أوروبا حالياً أزمة طاقة ارتفعت فيها أسعار الكهرباء إلى مستويات قياسية وانتشرت خلالها المخاوف من أن تضطر القارة إلى إغلاق مصانعها من أجل ضمان تزويد المنازل بالغاز للتدفئة.
وأقل ما يمكن أن يقال عن هذا الوضع أنه محرج في ظل استعداد المملكة المتحدة لاستضافة قمة المناخ العالمية (مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في دورته السادسة والعشرين / COP26) الشهر المقبل، وبدء الاتحاد الأوروبي في تنفيذ الصفقة الخضراء.
في الواقع، هناك طريقتان لشرح ما يحدث: وجهة نظر دقيقة تتعامل مع العوامل المعقدة الموجودة على أرض الواقع، ووجهة نظر سردية تجد طريقة مناسبة لتبسيط الموقف.
في هذا الصدد، صاغ نيكوس تسافوس وجهة نظر دقيقة ضمن تحليل يضم 1600 كلمة من تأليفه بوصفه خبيراً في الطاقة والجغرافيا السياسية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
اقرأ أيضاً: أسعار الطاقة الباهظة تضع خطط أوروبا المناخية تحت الاختبار
الجدير بالذكر أنه يتم تحديد سعر معظم السلع من خلال تقلبات العرض والطلب؛ وفي الأشهر الأخيرة، كان على أوروبا أن تتعامل مع الحقائق التالية:
• انخفاض كميات الغاز المنقول عبر الأنابيب من روسيا.
• تصدير كميات أقل من الغاز من النرويج، وترينيداد، ونيجيريا.
• تخزين كميات أقل من الغاز لأن الشتاء السابق كان أكثر برودة من المتوسط.
• ارتفاع الطلب على الغاز عالمياً مع خروج الاقتصادات من حالات الإغلاق المرتبطة بالجائحة.
• سرعة الرياح المنخفضة للغاية.
اقرأ أيضاً: شركات الطاقة في بريطانيا تتوقف عن قبول عملاء جدد مع تصاعد أزمة الغاز
التحول الأخضر
فضلاً عن ذلك، هناك مجموعة من الأسباب الكامنة وراء كل من هذه الظواهر. ولكن في حال كنتم تريدون سرداً بسيطاً، فهناك الكثير من الحقائق التي يمكنكم اختيارها لتناسب نظرتكم للعالم.
وإذا كانت سياسات المناخ في أوروبا تُعدّ مصدر قلقكم الأساسي، فيمكنكم أن ترددوا عبارات مثل: "المحاربون الخضر في مهمة للقضاء على الازدهار كما نعرفه". حيث كان هذا هو عنوان مقال رأي نُشر في صحيفة التلغراف البريطانية.
أما إذا كنتم ملزمين بقانون المناخ، مثل حكومة المملكة المتحدة، فيمكنكم مضاعفة رهانكم على تحول الطاقة؛ حيث كتب كواسي كوارتنغ، وزير الأعمال والمسؤول أيضاً عن قضايا الطاقة، على تويتر قائلاً: "إن تعرض المملكة المتحدة لأسعار الغاز العالمية المتقلبة يؤكد على أهمية خطتنا التي ترمي إلى بناء قطاع طاقة متجددة قوي ومحلي الصنع. ومن خلال الابتعاد عن الوقود الأحفوري، فإنه يمكننا عزل أنفسنا".
في الحقيقة، كل هذا يتوقف على المشاعر الأكبر إزاء معالجة تغير المناخ. فمن جانبه، قال تسافوس من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، "إذا كان السياق السياسي مواتياً لعملية التحول، فسوف يستفيد الناس من هذه الأزمة لمضاعفة مصادر الطاقة المتجددة. أما في حال كان السياق السياسي ضد التحول، فسيستخدم الناس الأزمة كوسيلة لإبطائه".
اقرأ أيضاً: أزمة الوقود البريطانية إلى متى؟ أجوبة أهم خمس أسئلة
تباين الآراء
تجدر الإشارة إلى أن هذا السرد المنقسم ظهر خلال أزمات الطاقة التي ضربت ولايتي كاليفورنيا وتكساس؛ حيث واجهت كلتا الولايتين انقطاع التيار الكهربائي عند تعرضهما لظواهر جوية قاسية خلال العام الماضي.
ومن وجهة نظر تسافوس فإن سكان كاليفورنيا يحثّون الحكومة على بذل المزيد من الجهد لتسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة، على الرغم من أن محطات توليد الطاقة الغازية المتقاعدة في وقت مبكر جداً قد تكون هي المشكلة.
بينما في حالة التجمد الذي حصل في تكساس، فقد ألقى بعض السكان باللوم على الرياح والصفقة الخضراء الجديدة – التي لم تصبح قانوناً بعد - على الرغم من أن المشكلة الرئيسية كانت تعطل البنية التحتية للغاز.
"شتاء الويلات"!
وغالباً ما يتأثر الرأي العام بسرديات مبسطة قد لا تعكس الحقائق دائماً. حيث تمثل الأزمات فرصة ناضجة لصناع الرأي الذين يدركون أن الخوف يحرك الرأي العام، ولهذا السبب نشرت بعض الصحف البريطانية مقالات في الصفحة الأولى عن "شتاء الويلات" أو كيف تتجه فواتير الطاقة نحو "ارتفاع أسعار كارثي".
ومع ذلك، فإن مسألة ما إذا كانت هذه الجدالات الجديدة لها قيمة تعتمد على قاعدة المعرفة الحالية والسرديات السائدة. حيث قال كارول موفيت، رئيس مركز القانون البيئي الدولي غير الربحي: "كانت دعاية صناعة النفط حول قضايا المناخ منتشرة في الولايات المتحدة منذ عقود. وعلى الرغم من أننا رأينا جهود الصناعة في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لم تصل أبداً إلى مستويات الانتشار والتمويل والتنسيق التي شهدناها في الولايات المتحدة".
القلق من التغير المناخي
علاوةً على ذلك، فإن مستوى القلق بشأن ما يمكن أن يجلبه تغير المناخ هو أعلى في أوروبا. وحتى في مواجهة الخوف من ارتفاع فواتير الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي، يبدو أن الناس أكثر تسامحاً مع التغييرات الصعبة، لا سيما عندما يقدم السياسيون الوعود بأنهم سيقدمون الدعم المالي للأسر الفقيرة.
وفي الحقيقة، فإن الألمان، الذين يدفعون واحدة من أعلى فواتير الطاقة في أوروبا، قد منحوا حزب الخضر المناصر للمناخ أفضل تفويض له على الإطلاق. حيث يرى موفيت أنه سيكون من السهل كثيراً على أولئك الذين يعارضون العمل المناخي استغلال أزمة طاقة مماثلة في حال حصولها في الولايات المتحدة.
في نهاية المطاف، تملك السرديات الكثير من القوة. وفي حال لم يكن القادة الأوروبيون قادرين على إدارة ما قد يكون شتاءً قاسياً، وارتفعت أسعار الطاقة إلى مستويات تصبح عندها المساعدات المالية غير فعالة، فقد يتغير الرأي العام. حيث يرى تسافوس أنه من المهم أن نكون واقعيين، وأن نعترف بأن التحول إلى الطاقة النظيفة قد لا يكون سلساً كما نرغب.