وجدت مهنة المحاماة في لندن نفسها في قفص الاتهام بسبب غزو روسيا لأوكرانيا، وتهمتها السعي بأقصى طاقتها لتقديم خدمات للفئات المتنفذة من روسيا ومن دول أخرى، خصوصاً عبر المساعدة في إخفاء الأموال عبر سوق العقارات الراقية في العاصمة البريطانية. كما كانت الحال مع البنوك بعد الأزمة المالية، آن أوان دراسة تشديد الإشراف على هذا القطاع.
قال رئيس الوزراء بوريس جونسون الأسبوع الماضي إنّ مهنة المحاماة و"كل من شارك بمساعدة الساعين لإخفاء الأموال في لندن" كانوا يدركون ما هم فاعلون. تعمّد مشرعو بريطانيا لتسمية المحامين والتشهير بهم في البرلمان. كما أصبحت صناعة الخدمات التي كانت تُعتبر في السابق من الصادرات البريطانية العظيمة مضطرة فجأة إلى الدفاع عن نفسها ضد اتهام بأنها سهّلت ما يسمى مغسل لندن.
تتيح هياكل تعاقد معينة تملُّك العقارات سراً بشكل قانوني تماماً عبر استخدام كيان مؤسسي أو صندوق، ربما من خارج الولاية القضائية المحلية، لشراء العقار. لقد ولّد هذا فرص توكيل كثيرة، إذ إن أكثر من 85000 عقار في بريطانيا تملكها أطراف خارجية، وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية غير الربحية.
يُفترض أن يتحقق المحامون من العملاء المحتملين لدى تقديمهم لخدمات شراء عقار من جهة مجهولة الهوية، وهم يفعلون ذلك. قد تظهر دلالات مقلقة في وقت مبكر من العملية حتى بالنسبة إلى المراقب العادي، وقد يأتي الطلب من وسيط على سبيل المثال، لحجب اسم العميل عن جميع المراسلات وسندات الملكية ذات الصلة.
العمق الكافي
يجب أن تقتنع شركة المحاماة بموجب لوائح غسل الأموال بأنها تعرفت بدقة على المشتري الحقيقي، وأن أمواله لم تُحصَّل من نشاط إجراميّ، وأن لديه سبباً وجيهاً لاستخدام هيكل الصفقة المطلوب. يبرز السؤال المحوري حول ما إذا كان الإطار التنظيمي يدفع شركات المحاماة إلى الخوض بعمق كافٍ في هذا الصدد. هل من السهل استساغة المبررات التي تبدو مقبولة؟ وهي قد تشمل السلامة الشخصية أو حماية هوية الورثة أو زيادة فرص البيع الموائمة في المستقبل.
دوافع التغافل بينة، وهي تقاضي رسوم الصفقة وتعزيز الصورة المهنية لتأمين أعمال مستقبلية مربحة. على الجانب الآخر هناك عقوبات شديدة على خرق قواعد مكافحة غسل الأموال، وتشمل المنع من ممارسة المهنة وغرامات غير محدودة.
قد يبدو أن الضوابط قائمة لكن من الناحية العملية هناك مجال للجدل حول ما إذا كان النظام بشكل عام يفرض مخاوف كافية على ممارسي المهنة كي يتفحصوا توكيلاتهم عالية المخاطر بدقة كافية.
قالت سوزان هولي من مؤسسة "سبوتلايت أون كوربشن" (Spotlight on Corruption) إنّ هناك مخرجاً محتملاً يسمى دفاع "كفاية التحقق"، الذي يحمي المحامين من الملاحقة القضائية بسبب تلقيهم أموالاً من أموال اتضح أنها أتت من جرائم، رهناً بشروط معينة، منها أن الأتعاب كانت متناسبة مع الخدمات المقدمة.
رقابة مشرذمة
كما أن الإطار الرقابي مجزأ، إذ تتشارك تسع هيئات تنظيمية الرقابة على المهنة.
الجهة المسؤولة عمّن يمارسون المهنة في مكاتب المحاماة في المدن هي هيئة تنظيم المحامين، ولديها نحو 700 موظف، لكنها مسؤولة عن الإشراف على أكثر من 150.000 محامٍ عامل في إنجلترا وويلز.
قد تستغرق قضايا غسل الأموال سنوات حتى تنتهي، ولم تُحاكَم سوى حفنة من شركات المحاماة. بلغ إجمالي الغرامات المفروضة خلال خمس سنوات خلت ما ينيف عن مليون جنيه إسترليني (1.3 مليون دولار). يكمن الخطر هنا في أن القطاع يرى هذا تكلفة لممارسة الأعمال التجارية أكثر من كونه رادعاً.
لماذا اختفت أموال بوتين من أوراق "باندورا"؟
لقد حان الوقت بالتأكيد لنقاش عام حول ما إذا كان يجب إنشاء مشرف موحد قوي على شركات القانون، بحيث يكون أقرب للسلطة التي تراقب السلوك في القطاع المالي. يعني تشديد اللوائح التنظيمية بالطبع مزيداً من التكاليف، فقد يتطلب مثلاً عمليات تفتيش عشوائية منتظمة لعمل مكاتب المحاماة. كما يتطلب موظفو الإنفاذ المؤهلون رواتب مناسبة لجذيهم من الأعمال التجارية، لكن ليس من الضروري أن يكون كل الإصلاحات باهظ الثمن. يمكن أن تساعد قنوات التشجيع على الإفصاح، لا سيما مع المبتدئين منهم، على إبداء تحفظاتهم حول العمل الذي ينخرطون فيه، وإن كان ذلك موجهاً إلى مسؤول امتثال داخل المؤسسة أو إلى مشرف من خارجها.
كشفت الأزمة المالية العالمية عن عيوب الرقابة على البنوك، فأنهت حقبة ما كان يسمى التنظيم الخفيف الصارم. كانت ترجمة ذلك في بريطانيا هي تفكيك هيئة الرقابة القديمة. كان الدافع هو إعادة القطاع المصرفي للتركيز على خدمة عملائه من الشركات المحلية والأفراد العاديين. ينبغي أن تؤدي تداعيات حرب أوكرانيا إلى إعادة تفكير مماثلة في كيفية مراقبة مهنة المحاماة.