الصكوك على موعد مع "معيار" جديد قد يغير هيكلها

"أيوفي" تعتزم تطبيق المعيار الشرعي "62" العام الجاري بعد التشاور مع الأطراف المعنية

time reading iconدقائق القراءة - 8
لوحة إلكترونية مثبتة على واجهة بورصة ناسداك وقد أُعلن عليها إدراج صكوك المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص (ICD) في سوق ناسداك دبي في 2020. نيويورك، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
لوحة إلكترونية مثبتة على واجهة بورصة ناسداك وقد أُعلن عليها إدراج صكوك المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص (ICD) في سوق ناسداك دبي في 2020. نيويورك، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ

خلال السنوات الماضية، زاد اعتماد دول المنطقة على إصدارات الصكوك كجزء من تنويع أدوات الدين، واستهداف شريحة أوسع من المستثمرين. 

لكن تعديلاً مرتقباً يُفترض أن تقره "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية" (أيوفي)، يمكن أن يخلط الأوراق في عالم إصدار الصكوك.

ما هو هذا التعديل؟

يُطلق على هذا التعديل اسم "المعيار 62"، وهو يغطي العديد من الجوانب الأساسية للصكوك، بما في ذلك قاعدتها الأساسية والأصول والمخاطر والأوراق المالية المرتبطة بها، فضلاً عن الأنواع المختلفة وعمليات الإصدار.

كما "يؤكد على حوكمة الشريعة الإسلامية، بغض النظر عما إذا كانت المؤسسات المالية الإسلامية هي المنشئ أو المُصدر أو المستثمر أو المنظم للصكوك"، بحسب بشار الناطور مدير التمويل الإسلامي لدى وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في تصريح لـ"الشرق".

لا يُعتبر "المعيار 62" جديداً، إذ نشرت الهيئة في ديسمبر 2023 مسودة أولية منه، وطلبت من الأسواق إبداء الرأي فيه. كما عقدت الهيئة الشهر الماضي جلسة علنية لإبداء الآراء ببنود هذا المعيار الجديد، قبل نشره.

إذاً ما المشكلة؟ 

يتيح هيكل معظم الصكوك في الفترة الحالية للمُقرضين حق الوصول إلى تدفقات الإيرادات الناتجة عن أصل ضامن، من دون اشتراط الملكية المباشرة للأصل، ويجري إصدار هذه الصكوك وتداولها مثل السندات.

المعيار يقترح أن يتم نقل الأصول الأساسية المرتبطة بالصكوك بشكل فعال إلى حامليها، ما يعني "تحول السوق من الاعتماد على الأصل، إلى هيكل مدعوم بالأصول حيث يتحمل المستثمرون المزيد من المخاطر المرتبطة بالأصول"، وفق محمد دمق محلل الائتمان الأول في "إس آند بي غلوبال" في تصريح لـ"الشرق".

بعبارة أخرى، إذا أرادت جهة حكومية إصدار صكوك لتمويل مشروع طريق سريع برسوم مرور، يحصل المستثمرون حالياً على حق الاستفادة من الإيرادات الناتجة عن رسوم المرور من دون امتلاك الطريق نفسه.

لكن وفق الهيكلية الجديدة، سيتم نقل ملكية الطريق السريع إلى حملة الصكوك، مما قد يتطلب تكاليف إضافية لنقل الملكية، ويعرض المستثمرين لجميع المخاطر المرتبطة بالأصل، مثل انخفاض قيمته السوقية، أو الأضرار التي قد تؤثر على العائد المتوقع، أو تعقيدات قانونية في حال تخلف مُصدر الصك عن السداد.

ما آثار هذه الخطوة؟

يتفق كل من الناطور ودمق على أن تحديد تأثير واضح على الأسواق غير ممكن في الفترة الحالية، خصوصاً أن النسخة النهائية من المعيار لم تُقر بعد، كما ستمنح الهيئة الأسواق فترة للتأقلم والالتزام بالمعيار الجديد. 

إذا كان تنفيذ هذا المعيار يعني إصدار صكوك مضمونة بأمان إضافي للمستثمرين، فقد يتم "تصنيف هذه الصكوك أعلى من تصنيفات الديون غير المضمونة للمُصدر"، وفق الناطور.

لكنه نبّه إلى أن معظم الولايات القضائية للتمويل الإسلامي تفتقر إلى سوابق قانونية حول كيفية تعامل محاكم الإفلاس مع حاملي الصكوك في حالات التخلف عن السداد. بالتالي، قد يؤدي إصدار الصكوك كديون مضمونة إلى "زيادة الغموض حول حق الاستخدام، والتنفيذ، وترتيب الديون، ونسبة الاسترداد"، كما قد يؤدي إلى عجز وكالات التصنيف عن تصنيفها، "في حال تحولت إلى ما يشبه حق الملكية بدلاً من أدوات الدين".

ولفت إلى أن التقييم الكامل لآثار هذه التعديلات يتطلب صدور النص النهائي، لكن إدخال هياكل مدعومة بالأصول أو شبه الأسهم، "قد يعرّض مستثمري الصكوك والجهات المُصدرة لها لمخاطر ائتمانية وسوقية وقانونية وتشغيلية وسيولة إضافية، مقارنة بالسندات التقليدية".

من جهته، أشار دمق إلى أن هذا التحول قد يضعف سوق إصدار السندات عبر عدة طرق. 

أبرز أثر مباشر يتمثل في زيادة تكلفة إصدار الصكوك، إذ سينتج عن عملية نقل الأصل تكاليف إضافية يجب تحملها، ما يضعف الجدوى الاقتصادية للصكوك مقارنةً بأدوات التمويل الأخرى. 

كما أن نقل الأصل قد يعرض المستثمرين لمخاطر مرتبطة به، خصوصاً من جهة القيمة السوقية الأساسية. ويرى دمق، في هذا السياق، أن تحمل المستثمرين لهذه المخاطر قد يدفعهم لطلب تعويض أكبر، ما يزيد من التكلفة.

قد يُبطئ إصدار الصكوك

بالإضافة لما سبق، فإن اعتماد هذا المعيار قد يجعل عملية إصدار الصكوك أكثر صعوبة، وتحديداً في بعض الدول التي لا تسمح بملكية الأجانب للأصول، أو تلك التي لا ترغب في نقل ملكية أصولها، خصوصاً في ظل وجود أدوات دين أخرى يمكن اللجوء إليها.

من جهتها، اعتبرت وكالة "موديز" في تقرير حديث، أن اعتماد المعيار بصيغته الحالية، واعتماده من قبل الجهات التنظيمية، "سيزيد من التعقيد القانوني لهيكل الصكوك ويرفع تكاليف المعاملات"، ما قد "يبطئ إصدار الصكوك".

كما أشارت إلى أنه قد "يضعف المرونة المالية للمُصدرين، ففي حالة التعثر، لن يتمكن الكيان المُصدر من بيع الأصول الأساسية للصكوك لجمع النقد. وهذا يُقلل من الاحتياطي المتاح للمُصدر لامتصاص الصدمات غير المتوقعة".

وتوقعت وكالة التصنيف الائتماني أن "تتباطأ الإصدارات الجديدة مع تعرُّف السوق على الهيكل الجديد، وتقييمها للمخاطر المحتملة"، لافتةً إلى أن "إصدار الصكوك عبر الحدود قد يتأثر بشكل أكبر من الإصدارات المحلية".

موعد إقرار المعيار

خلال جلسة علنية عُقدت في فبراير الماضي لإبداء الرأي، ذكرت "أيوفي" أنها قد توافق على المعيار خلال السنة الجارية، ما يمكن أن يمنح المُصدرين ما بين سنة إلى 3 سنوات لتطبيق المتطلبات الجديدة.

وأشارت إلى أنه من غير المرجح أن تطبق المعيار بأثر رجعي. ولفت الناطور، بهذا الخصوص، إلى أنه "فيتش" لا تعتقد أن "تبني المعيار 62 سيؤثر تلقائياً على التصنيفات الائتمانية للصكوك الحالية، حيث إن أي تعديلات تتطلب عادةً موافقة حاملي الصكوك".

من الذي سيتأثر؟

تلتزم 20 جهة سيادية ومُصدرة أخرى، من بينها الإمارات وقطر وسلطنة عُمان والبحرين والعراق والأردن، بالتوجيهات الشرعية الصادرة عن "أيوفي" التي يقع مقرها في البحرين.

هذا يعني أن إقرار المعيار 62 سيؤثر على إصدارات الصكوك في هذه الدول، كما سيؤثر على المُصدرين الذين يريدون استهداف مستثمرين في الصكوك من هذه الدول.

لماذا يتم إقرار المعيار؟

لم ترد الهيئة على طلبات "الشرق" للتعليق على الموضوع. لكنها سبق وأشارت إلى أن المعيار يهدف إلى "تعزيز توافق إصدار الأصول مع الشريعة".

دمق رأى أن هذه ليست المرة الأولى التي تُثار فيها ضجة حول الصكوك، لافتاً إلى التصريح الشهير لرئيس جهاز المحاسبة والتدقيق للمؤسسات الإسلامية في البحرين محمد تقي عثماني عام 2008. 

خرج عثماني على الأسواق بتصريح يفيد بأن نحو 85% من الصكوك لا تتفق مع الشريعة الإسلامية نظراً لأن إصدار الصكوك كان يتم مع تقديم ضمانات. أدّت هذه التصريحات إلى توقف السوق لعدة أشهر، وفق دمق الذي يتابع سوق الصكوك منذ أكثر من عقدين.

ويضيف أن هناك دفعاً من جانب الهيئة للتأكد من أن المستثمرين يتحملون المزيد من المخاطر، في حين أن السوق تحاول الاعتراض للتأكد من عدم انحراف الصكوك كثيراً عن أدوات الدخل الثابت، ما يبعد المستثمرين في هذه الفئة.

إصدارات الصكوك في المنطقة

رغم ذلك، تتوقع "إس آند بي غلوبال" سنة جيدة لإصدار الصكوك في 2025. وفي العام الماضي، بلغ حجم الصكوك المُصدرة 193.4 مليار دولار، مقارنة بـ197.8 مليار دولار في العام السابق، وفق دمق. 

وتتوقع الوكالة أن حجم الإصدارات في عام 2025 قد يتراوح بين 190 و200 مليار دولار، نحو 80 ملياراً منها بمثابة صكوك مقوّمة بعملات أجنبية.

ساهمت في هذا التقرير: سارة الشاوي sara.alsahwi@asharq.com

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.