
بلومبرغ
بعد مسيرة حافلة بإبرام الصفقات، ربما يكون لي كا-شينغ، الملياردير من هونغ كونغ والبالغ من العمر 96 عاماً، قد نجح للتو في إتمام واحدة من أجرأ صفقاته حتى الآن.
ففي ظل الضغوط التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن ميناءين في قناة بنما تديرهما شركة "سي كيه هوتشيسون هولدينغز" (CK Hutchison Holdings)، أعلنت الشركة التي تسيطر عليها عائلة لي عن خطة للتخارج من الجزء الأكبر لأعمالها في الموانئ العالمية، وبيعها إلى تحالف استثماري تقوده شركة "بلاك روك" (BlackRock). ونتيجة لذلك، ستحصل الشركة، التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، على عائدات نقدية تتجاوز 19 مليار دولار.
فوجئ المستثمرون وحتى بعض أقرب المستشارين في "سي كيه هوتشيسون" بأن ما بدأ بميناءين في بنما قد تطور الآن ليصبح صفقة أوسع بكثير. فبموجب الاتفاق، ستبيع الشركة 43 ميناءً في 23 دولة، مع الاحتفاظ بمنشآتها في البر الرئيسي الصيني وهونغ كونغ.
التوترات الجيوسياسية تؤثر على الموانئ
ترى المجموعة أن صفقة البيع تُعد فرصة لجني الأرباح، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية والحواجز التجارية التي أضعفت آفاق أعمال الموانئ، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لحساسية الصفقة.
لقي الإعلان عن الصفقة ترحيباً بين المستثمرين، حيث أكد المحللون أن "سي كيه هوتشيسون" حصلت على سعر جيد لأصولها. وقفزت أسهم الشركة بنسبة 25%، ما أضاف حوالي 5 مليارات دولار إلى قيمتها السوقية. وقبل الإعلان عن الصفقة، كانت أسهم الشركة قد تراجعت بنحو 7% منذ بداية العام.
قال غاري نغ، كبير الاقتصاديين في "ناتكسيس" (Natixis SA)، إن "هذه الصفقة تُجسد مثالاً ممتازاً على كيفية تحويل المخاطر الجيوسياسية إلى فرص استثمارية. فقد اغتنمت الشركة الفرصة لتجميع وبيع أعمالها في قطاع الموانئ بسعر متميز، بما في ذلك عملياتها في قناة بنما".
ورفض متحدث باسم "سي كيه هوتشيسون" التعليق بخلاف ما ورد في الإعلان الرسمي، الذي أكد أن الصفقة "ذات طبيعة تجارية بحتة ولا علاقة لها بالتقارير السياسية الأخيرة المتعلقة بموانئ بنما".
قبل الإعلان عن الصفقة، كانت القيمة السوقية لشركة "سي كيه هوتشيسون" تعادل تقريباً قيمة البيع، والتي بلغت نحو 19 مليار دولار. وهذا يبرز "مدى انخفاض التقييم الفعلي للمجموعة في السوق"، وفقاً لما قاله فينسنت لام، كبير مسؤولي الاستثمار لدى "في إل أسيت مانجمنت" (VL Asset Management) ومقرها هونغ كونغ.
وأضاف لام أن "سي كيه هوتشيسون عالقة بين الصين والولايات المتحدة، ما يجعل من الصعب عليها إرضاء أي من الطرفين. لكن بعض المستثمرين قد يعتبرون هذه الصفقة فرصة للحد من المخاطر السياسية وتعزيز قيمة المجموعة".
بالإضافة إلى بنما، تدير "سي كيه هوتشيسون" موانئ في المكسيك، بجانب انتشارها في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأستراليا.
توسع "سي كيه هوتشيسون"
منذ الثمانينيات، بدأ لي بتنويع إمبراطوريته خارج الصين، وتمكن من تحويل "سي كيه هوتشيسون" إلى مجموعة عملاقة تعمل في قطاعات تجارة التجزئة والاتصالات والبنية التحتية والموانئ. واليوم، يأتي نصف إيرادات المجموعة من أوروبا، بينما لا يمثل البر الرئيسي الصيني وهونغ كونغ سوى 12% من إجمالي العائدات.
ساعد هذا التوسع العالمي الشركة في تجاوز اضطرابات هونغ كونغ السياسية عام 2019، بالإضافة إلى التباطؤ الاقتصادي الأحدث في الصين.
كما سلطت صفقة بيع الموانئ الضوء على ضرورة إيجاد فيكتور، نجل لي والذي يقود المجموعة، سبلاً لدفع الأعمال قدماً، تماماً كما فعل والده. فعملية البيع ستمنح الشركة قدرة مالية كبيرة لدعم عمليات الاستحواذ في قطاعات أكثر أماناً.
وفي هذا السياق، سرّعت "سي كيه هوتشيسون" مؤخراً مساعيها للتوسع العالمي، خاصة في المملكة المتحدة.
ففي الشهر الماضي، قدمت شركة "سي كيه إنفراستركتشر هولدينغز" (CK Infrastructure Holdings) عرضاً مبدئياً بقيمة 7 مليارات جنيه إسترليني (9 مليارات دولار) للاستحواذ على حصة الأغلبية في شركة "ثايمز ووتر" (Thames Water)، وفقاً لما أوردته "فاينانشيال تايمز". كما تدرس "سي كيه هوتشيسون" الاستحواذ على "فيريدور" (Viridor)، وهي شركة متخصصة في إدارة النفايات بالمملكة المتحدة، في صفقة قد تصل قيمتها إلى 7 مليارات جنيه إسترليني شاملاً الديون، وفقاً لما نشرته "بلومبرغ نيوز" هذا الشهر.
توزيع الأرباح ونمو ثروة لي
ربما تعيد الشركة جزءاً من عائدات صفقة بيع الموانئ إلى المساهمين في شكل توزيعات أرباح خاصة.
وقال دان بيكر، كبير محللي الأسهم في "مورنينغ ستار" (Morningstar): "نعتقد أن الشركة قد توزع معظم هذه المكاسب غير المتوقعة على المساهمين"، مشيراً إلى أن الصفقة "تجاوزت تقديراتنا بشكل كبير". فقد كانت القيمة السابقة لأعمال الموانئ التابعة لـ"سي كيه هوتشيسون" لا تتجاوز 10.5 مليار دولار، وفقاً لتقديراته.
كما عززت هذه الصفقة ثروة لي، الذي يشغل حالياً منصب المستشار الأول للشركة التي أسسها. فقد ارتفعت ثروته بمقدار 1.3 مليار دولار لتصل إلى 30.6 مليار دولار عقب الإعلان عن الصفقة، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ للمليارديرات". وتشير البيانات إلى أن حصصه في "سي كيه هوتشيسون" و"سي كيه أسيت هولدينغز" (CK Asset Holdings) تشكل أكثر بقليل من 40% من إجمالي ثروته.
توقيت مثالي لبيع الموانئ
رغم أن قطاع الموانئ كان لفترة طويلة جزءاً أساسياً من أعمال "سي كيه هوتشيسون"، إلا أن مساهمته في أرباح المجموعة تراجعت مقارنة بالقطاعات الأخرى. ففي النصف الأول من عام 2024، شكلت الموانئ 9% فقط من إيرادات الشركة و15% من أرباحها قبل احتساب الفوائد والضرائب والاستهلاك والإهلاك.
ومع تصاعد الحرب التجارية، أصبحت الصفقة أكثر جاذبية، خاصة بالنظر إلى التقييم الذي حققته للشركة، وفقاً لما قاله ديفيد بلينرهاست، المحلل في "كويديتي أدفايزرز" (Quiddity Advisors) والذي ينشر أبحاثه عبر منصة "سمارت كارما" (Smartkarma).
ووصف بلينرهاست الصفقة قائلاً: "هذه صفقة رائعة، سواء من الناحية النقدية أو الجيوسياسية. لي كا-شينغ رجل أعمال بارع".