
بلومبرغ
بينما قد تكون محاولة دخول دولة أخرى دون موافقة حكومتها حافلة بالصعوبات والمخاطر، إلا أن من يملكون حسابات مصرفية ضخمة بما يكفي بإمكانهم الحصول على الإقامة القانونية في بلد آخر مقابل مبلغ من المال، إذ تقدم دول عديدة ما يطلق عليها "التأشيرات الذهبية"، بل ويمنح بعضها الجنسية الكاملة للأجانب عبر "جوازات السفر الذهبية". تختلف التكاليف، فبعض التأشيرات لا يمكن أن يحصل عليها إلا الأثرياء، وهناك أخرى متاحة بتكلفة ميسورة.
التأشيرات الذهبية غالباً ما يحصل عليها مواطنو دول الصين، وروسيا، والشرق الأوسط، ممن يرغبون في العيش في غرب أوروبا أو الولايات المتحدة، لكنها تحظى باهتمام دول أخرى أيضاً، حيث ارتفع عدد المواطنين الأميركيين المهتمين بهذا النوع من التأشيرات في أواخر 2024، بعد فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية التي أثارت الانقسام.
تتزايد صعوبة الحصول على التأشيرة الذهبية؛ إذ تخشى هيئات إنفاذ القانون من أن البرامج تسهل النشاط الإجرامي ويتفشى فيها الفساد. فيما يشير المنتقدون إلى أنها ترسخ عدم المساواة بمنح الفرص للأثرياء وحرمان الآخرين منها، وأن الجنسية والإقامة حقوق أساسية لا ينبغي بيعها لمن يدفع أكثر.
ما التأشيرة الذهبية؟
تسمح التأشيرة الذهبية، التي يطلق عليها غالباً اسم "الإقامة الاستثمارية"، للأفراد بالحصول على إقامة مؤقتة أو دائمة في بلد بعينها ليتمكنوا من العيش والعمل هناك. وقد يشمل الاستثمار شراء منزل، أو تأسيس شركة، أو تقديم تبرع.
في بعض الحالات، لا يحتاج المشتري إلى الإقامة الدائمة في البلد، ما يجعل هذه التأشيرات خطة بديلة مفيدة لمن يرغبون في خيار السفر إلى تلك الدول، لكن ليس لديهم أي نية في الانتقال إليها بشكل دائم.
ما جواز السفر الذهبي؟
يعد الحصول على "الجنسية الكاملة عن طريق الاستثمار" أكثر ندرة، وقد ينطوي على منافع أكبر. فشراء جنسية دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، مثل مالطا، يتيح إمكانية العمل، والسفر، والدراسة في كل دول التكتل السبع والعشرين.
ويمكن الحصول على جواز السفر الذهبي عبر إجراء استثمار ضخم في بلد ما، أو سداد مبلغ كبير للحكومة المضيفة. وقد تمنح بعض الدول الجنسية لمقدمي الطلبات الذين لديهم تأشيرة ذهبية منذ عدة سنوات، مثل 5 أعوام في حالة البرتغال.
تقدم دول جزر الكاريبي، ومن بينها أنتيغوا وباربودا،وغرينادا، وسانت كيتس ونيفيس، عدداً من أشد برامج الجنسية عبر الاستثمار منافسةً، حيث تبدأ فرص الاستثمار بأعلى قليلاً من 200 ألف دولار. وتوجد دول أخرى لديها برامج مشابهة، من بينها مصر، والأردن، والجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، والنمسا، بحسب شركة الاستشارات "هينلي آند بارتنرز" (Henley & Partners).
كما تعتزم ناورو، الدولة النائية في المحيط الهادئ، تقديم جوازات السفر الذهبية مقابل ما لا يقل عن 140500 دولار، للمساعدة في تغطية تكلفة نقل سكان المنازل في المناطق المنخفضة التي يهددها ارتفاع منسوب مياه البحار والفيضانات.
هل التأشيرات الذهبية جديدة؟ وما سبب رواجها؟
هناك بعض البرامج المستمرة منذ عقود، إذ تعدها الحكومات وسيلة مفيدة لجمع التمويل وتشجيع الاستثمار الأجنبي. فأطلقت كندا البرنامج الاتحادي للمستثمر المهاجر في الثمانينيات، وأطلقت الولايات المتحدة برنامج الإقامة الاستثمارية (EB-5)، الذي يمهد الطريق أمام المستثمرين الأجانب للحصول على الإقامة الدائمة، التي تعرف باسم "البطاقة الخضراء".
على الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، زاد رواج التأشيرات الذهبية إبان أزمة الديون الأوروبية، عندما بدأت بضع دول، من بينها البرتغال، وأيرلندا، واليونان، والمجر، في بيع الإقامة في محاولة لجذب الاستثمارات الأجنبية وسد عجز الموازنة، بعد حصولها على خطط إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
في الفترة الحالية تتبنى دول في أوروبا وأنحاء العالم أشكالاً مختلفة من برامج التأشيرة المدفوعة، وفي بعض الأحيان، يرى عدد كبير من أشد المعترضين أن المساوئ (تضخم أسعار المساكن، وغياب مالكي المنازل، ومزاعم الفساد) تفوق المنافع.
ما طرق الحصول على التأشيرة الذهبية؟
بدأت البرتغال، على سبيل المثال، في 2012 منح التأشيرات الذهبية إلى مواطني الدول من خارج الاتحاد الأوروبي ممن يرغبون في إنفاق ما لا يقل عن 500 ألف يورو (557 ألف دولار) على عقار، أو استثمار في صندوق، أو تأسيس شركة وخلق وظائف. لاحقاً، جرى خفض قيمة شرط الاستثمار العقاري إلى 350 ألف يورو.
في 2013، أطلقت اليونان، وإسبانيا، والمجر برامج التأشيرات الذهبية، وقدمت تصاريح الإقامة مقابل استثمارات عقارية.
كما وفرت هذه البرامج حق الانتقال دون قيود عبر عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وسمح معظمها للمتقدمين بطلب الحصول على جنسية الاتحاد الأوروبي خلال بضع سنوات.
بعد أن أوقفت المجر برنامج التأشيرة الذهبية في 2017 وسط مزاعم الفساد، أعادت إطلاق نسخة جديدة في 2024، تمنح من يستثمر ما لا يقل عن 250 ألف يورو في صناديق محلية، أو 500 ألف يورو في عقار، حق تقديم طلب للحصول على إقامة لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد.
من يعارض برامج التأشيرة الذهبية؟ وما الإجراءات المتخذة؟
تحذر المفوضية الأوروبية- الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- منذ سنوات من أن برامج التأشيرة الذهبية تعرض التكتل لخطر التورط في غسل الأموال ومخاطر أمنية. وقد أكدت الحرب في أوكرانيا هذه المخاوف.
في ظل مواجهة ضغوط متزايدة لمعالجة أزمة الإسكان، بدأت الحكومات الأوروبية تنهي برامج التأشيرة الذهبية تدريجياً، رغم أنها تمثل جزءاً ضئيلاً فقط من الصفقات العقارية في السوق بأكملها.
فالمملكة المتحدة، وأيرلندا، وهولندا، واليونان، ومالطا إما أنهت البرامج أو شددت قواعد التأشيرة الذهبية أو الإجراءات المشابهة.
فيما كشفت إسبانيا في أبريل 2024 أنها تعتزم إنهاء برنامجها أيضاً، في إطار سعيها لإتاحة مزيد من المساكن ميسورة التكلفة للمواطنين.
أما البرتغال جارتها، فعدلت برنامجها، الذي يعد من الأشد رواجاً في أوروبا، بإلغاء الاعتماد على الاستثمارات العقارية في طلبات الحصول على التأشيرة الذهبية.
استأثرت العقارات بنحو 90% من الأموال التي جمعها برنامج التأشيرة الذهبية في البرتغال، الذي جذب مليارات اليوروهات إلى السوق العقارية، ولاقى رواجاً كبيراً لدى المستثمرين الصينيين، لدرجة أن اللوحات الإعلانية للعقارات الفاخرة في مطار لشبونة كانت باللغة الصينية. وفي الآونة الأخيرة، يتزايد إقبال المستثمرين الأميركيين على البرنامج.
بعيداً عن أوروبا، علقت أستراليا في يناير الطلبات المقدمة ممن يستثمرون أكثر من 5 ملايين دولار أسترالي (3.5 مليون دولار أميركي) في البلاد، في إطار إصلاح واسع النطاق لسياسة الهجرة، يهدف إلى جذب عدد أكبر من المهاجرين من ذوي المهارات.
ما مدى صعوبة الحصول على تأشيرة ذهبية حالياً؟
في البرتغال، بينما لم يعد ممكناً الحصول على تأشيرة ذهبية عبر شراء عقار سكني، ما تزال هناك بعض الخيارات المتاحة؛ استثمار ما لا يقل عن 500 ألف يورو في صندوق مؤهل، أو تمويل أنشطة البحث العلمي، أو الاستثمار في رأس مال شركة تخلق 5 فرص عمل، أو تحافظ على 10 وظائف.
أما اليونان، فرفعت منذ الأول من سبتمبر الحد الأدنى لقيمة العقارات التي ينبغي على المشترين الأجانب دفعه للحصول على التأشيرة الذهبية إلى 400 ألف يورو. (تعتزم الحكومة تقديم برنامج التأشيرة الذهبية للمستثمرين المستعدين لضخ ما لا يقل عن 250 ألف يورو في الشركات الناشئة المحلية).
كما ترتفع تكلفة الحصول على الإقامة الاستثمارية في منطقة الكاريبي، حيث تشكل حصيلة هذه البرامج أكثر من نصف الدخل القومي لبعض دول الجزر الصغيرة.
تسمح بعض جوازات سفر دول الكاريبي بالسفر دون تأشيرة إلى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في إطار الاتفاقيات الثنائية، وأعربت الجهات التنظيمية الأوروبية عن قلقها من إمكانية استخدام هذه البرامج بمثابة بوابة لدخول المجرمين إلى القارة، لذلك تضغط الحكومات الأوروبية على دول الكاريبي لفرض قيود صارمة على هذه البرامج.
اتفقت دول الكاريبي الخمس التي تقدم جوازات السفر الذهبية- دومينيكا، وغرينادا، وسانت كيتس آند نيفيس، وأنتيغوا آند باربودا، وسانت لوسيا- في 2024 على بدء تطبيق حد أدنى للجوازات لا يقل عن 200 ألف دولار. كما عززت إجراءات العناية الواجبة، وفرضت ضوابط أكثر صرامة استجابةً لمخاوف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
خلافاً للتيار السائد، أعلنت نيوزيلندا في أوائل فبراير اعتزامها تخفيف شروط برامج التأشيرة الذهبية، في محاولة لجذب المهاجرين الأثرياء، والمساعدة في تحفيز تعافٍ اقتصادي بعد ركود حاد في 2024. وتشمل الخطط إلغاء اختبار اللغة الإنجليزية، وتوسيع نطاق الاستثمارات المقبولة، وتعديل مدة الإقامة التي ينبغي أن يقضيها المستثمرون في البلاد.