من يدير ماكينة صفقات قيمتها 330 مليار دولار في أبوظبي؟

خلدون المبارك يدير أحد صناديق الدولة السيادية منذ كان عمره 26 عاماً

time reading iconدقائق القراءة - 12
الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة للاستثمار، خلدون المبارك - بلومبرغ
الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة للاستثمار، خلدون المبارك - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في حفل بهيج بأحد أمسيات الخريف الأخيرة في نيويورك، تجمع عشرات المديرين التنفيذيين من وول ستريت والمليارديرات للاحتفاء بصانع صفقات من الشرق الأوسط شكل قوة دافعة في جهود أبوظبي المستمرة على مدى عقود للتحول إلى مركز مالي عالمي عملاق.

حضروا جميعاً لتكريم خلدون المبارك، الذي يتولى قيادة شركة مبادلة للاستثمار منذ 2002. ومنذ ذلك الحين، قاد المبارك جهوداً حثيثة لتوسيع أنشطة الصندوق السيادي لإمارة أبوظبي، الذي تبلغ قيمته الآن 330 مليار دولار وتحوله من شركة تركز على الاستثمارات المحلية إلى لاعب عالمي يستثمر في  الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات إلى التمويل والترفيه والرعاية الصحية.

من خلال عمله، أسس المبارك شبكة علاقات مؤثرة تشمل قادة سياسيين وأعضاء مجالس إدارة عالمية، وصولاً إلى أوساط كرة القدم في بريطانيا. من بين داعميه البارزين، لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك"، الذي قدم له جائزة التكريم خلال الاحتفالية التي عُقدت بفندق "ماندارين أورينتال" في نيويورك.

ثقة قادة أبوظبي 

يتمتع خلدون المبارك بنفوذ استثنائي يصل إلى أعلى مستويات السلطة في أبوظبي، مما يجعله واحداً من الشخصيات القليلة من خارج الأسرة الحاكمة ذات التأثير الكبير في إدارة الشؤون المالية للإمارة. تحت قيادته، أصبح صندوق "مبادلة" لاعباً بارزاً على الساحة العالمية، حيث أنفق نحو 24 مليار دولار في عام 2023 وحده، موزعاً على استثمارات متنوعة جغرافياً وقطاعياً.  

تم اختيار خلدون المبارك لرئاسة شركة "مبادلة" في سن السادسة والعشرين، مما يعكس مكانته المبكرة داخل دائرة النفوذ في أبوظبي. ومنذ ذلك الحين، تطورت مسيرته ليصبح واحداً من كبار مستشاري رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، حيث يساهم في الإشراف على العلاقات مع شركاء استراتيجيين مثل الصين والهند وبريطانيا.

يُوصف المبارك بأنه يجمع بين صفات الرئيس التنفيذي والمدير المالي، وفقاً لأري إيمانويل، الرئيس التنفيذي لشركة "تي كيو إو هولدينغز"، التي تمتلك شركات بارزة مثل "دبليو دبليو إي" (WWE) و"ألتيميت فايتينغ تشامبيونشيب" (Ultimate Fighting Championship). بالإضافة إلى ذلك، تدير شركة "إنديفور غروب هولدينغز" (Endeavor Group Holdings) التابعة للمجموعة واحدة من أكبر وكالات المواهب في هوليوود، وتمتلك "مبادلة" حصة فيها.

تملك مبادلة حصة أسهم في "إنديفور"، وأوضح إيمانويل أن لديه علاقة عمل وصداقة مع المبارك تمتد لأكثر من عقد. رفض المبارك التعليق على الموضوع.

مركز مالي عملاق

تُعتبر مبادلة واحدة من ثلاثة صناديق سيادية رئيسية في الإمارة الغنية بالنفط، والتي تُدير أصولاً إجمالية تبلغ 1.7 تريليون دولار، تحت إشراف شقيقي رئيس الدولة وهما الشيخ طحنون بن زايد رئيس مجلس إدارة جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة القابضة  (ADQ)، و الشيخ منصور بن زايد رئيس مجلس إدارة مبادلة.

ورغم أن "مبادلة" أصغر حجماً مقارنة بالثلاثي الضخم المتمثل في جهاز أبوظبي للاستثمار، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي، والهيئة العامة للاستثمار الكويتية، والذين تبلغ قيمة كل منهم تريليون دولار، فإن تأثير "مبادلة" يمتد إلى ما يتجاوز حجمها.

هذا الأسبوع، تستضيف أبوظبي أسبوعها المالي السنوي، حيث يجتمع كبار المسؤولين التنفيذيين الماليين من مختلف أنحاء العالم، مما يعكس النفوذ المتزايد للإمارة، إضافة إلى ما يعرف عنها سابقاً كمركز لإنتاج النفط.

يُعتبر خلدون المبارك من أبرز الشخصيات التي ساهمت في هذا التحول. وقد كانت شركة "مبادلة" في مقدمة الجهود المبذولة لتعزيز حضور أبوظبي في سوق الائتمان الخاص. تربط الصندوق علاقة طويلة الأمد مع شركة "أبولو"، تتضمن مشروعاً مشتركاً لإقراض نحو 2.5 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة عبر منصة ائتمان خاصة. كما أبرم الصندوق شراكة استراتيجية مع شركة "بلو إول كابيتال" (Blue Owl Capital)، إحدى أكبر الشركات في هذا المجال، والتي افتتحت مكتباً إقليمياً في أبوظبي في وقت سابق من هذا العام.

الحضور العالمي لمبادلة

وعلى الساحة الدولية، لفت الصندوق الأنظار بشكل كبير. ففي الشهر الماضي، استحوذت إحدى وحدات "مبادلة" على شركة "سي آي فاينانشال" (CI Financial)، في واحدة من أكبر عمليات الخصخصة التي نفذتها جهة إماراتية في القطاع المالي. وفي وقت سابق من هذا العام، أكمل الصندوق عملية استحواذ على حصة ملكية في شركة "فورتريس إنفستمنت غروب" (Fortress Investment Group). 

قال جيم زيلتر، الرئيس المشارك في "أبولو": "لا يركز خلدون فقط على الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة. يفكر في وجهة الأعمال خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة".

يُوصف خلدون المبارك من قبل المقربين منه بأنه مُتحدث بارع يتميز بحضور عام لافت مقارنة بالعديد من نظرائه في قطاع الاستثمار الخليجي. وقد أشاروا إلى أنه درس في الولايات المتحدة، مما أكسبه فهماً عميقاً لطريقة التفكير والتنظيم لدى المسؤولين الماليين الغربيين.

أوضح العاملون مع المبارك أنه لا يزال يشارك بفعالية في إدارة الأعمال اليومية لشركة "مبادلة"، حيث يقود اجتماعات لجان الاستثمار الأسبوعية. وقال شريف بياني، رئيس استراتيجية المحفظة في "مبادلة": "ينخرط خلدون بطريقة مباشرة في العمل. بالنظر إلى نطاق مسؤولياته وحجم محفظة الاستثمار وعدد مجالس الإدارات التي يحظى بعضويتها، يتمتع بقدرة على استيعاب حتى أدق التفاصيل".

إحدى السمات البارزة لفترة المبارك في قيادة "مبادلة" هي الاستمرارية التي يتمتع بها فريق الإدارة التنفيذي. فقد شغل العديد من أعضاء الفريق مناصبهم لأكثر من عقد، ومن بينهم نائب الرئيس التنفيذي وليد المقرب، وهاني برهوش، المصرفي السابق في بنك "ميريل لينش"، الذي يدير حالياً شركة "مبادلة كابيتال".

وبحسب جوش هاريس، مؤسس شركة "26 نورث" (26North)، "استفادت مبادلة من كوادرها بفضل فريق إدارة مستقر وعلاقات عميقة مع شركاء عالميين بارزين".

ترتبط علاقة المبارك بأسرة آل نهيان الحاكمة منذ سنوات طويلة. فقد اغتيل والده، الذي كان دبلوماسياً إماراتياً، على يد مسلحين فلسطينيين في باريس عام 1984، ونشأ تحت رعاية جده، أول رئيس للقضاء في الإمارات، مما جعله مقرباً من الأسرة الحاكمة.

قال المبارك خلال مقابلة مع "بلومبرغ نيوز" قبل 5 سنوات في مكتبه: "كنت محظوظاً بالعمل مع أشخاص وقادة رائعيين طوال مسيرتي المهنية".

توازن دقيق

إلى جانب دوره البارز في الاستثمار، يلعب خلدون المبارك دوراً شبه دبلوماسي متزايد، خاصة في إدارة علاقات أبوظبي واستثماراتها مع الصين. لكنه يواجه تحدياً دقيقاً في تحقيق التوازن بين هذه العلاقات وبين الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

تمثل أميركا الشمالية 41% من محفظة استثمارات صندوق "مبادلة"، ما يجعلها الوجهة الرئيسية لاستثماراته. ورغم ذلك، يسعى الصندوق لتعزيز وجوده في آسيا، في وقت تثير فيه أحياناً علاقات الصناديق الشرق أوسطية مع بكين قلق الولايات المتحدة. 

في ظل إدارة دونالد ترمب، الذي أطلق الحرب التجارية الأميركية الصينية خلال ولايته الرئاسية الأولى وبدأ يلمح إلى نهج عدائي بشأن التجارة مع هذه الدولة الآسيوية في ولايته المقبلة، تواجه الصناديق الإقليمية تحدياً في إيجاد وسيلة لإدارة العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين.

بحسب آنا ناكفالوفيت، الباحثة في جامعة أوكسفورد والمتخصصة في الصناديق السيادية، فإن التوترات الجيوسياسية والتباين في الظروف الاقتصادية بين المناطق تتطلب اتباع استراتيجيات استثمار دقيقة. وأوضحت أن خلدون المبارك، بفضل نطاق عمله الذي يجمع بين الأعمال والسياسة، يلعب دوراً محورياً في تعزيز مكانة "مبادلة".

من جهته، قال آري إيمانويل من شركة "إنديفر" عن مبادلة: "لا ينحازون إلى أي طرف، فهم محايدون للغاية. لديهم علاقة جيدة مع الرئيس الأميركي جو بايدن وعلاقة جيدة جداً مع ترمب. وستستمر هذه العلاقات".

استمرار نمو مبادلة

بالطبع، لم تكن الأمور دائماً تسير بسلاسة بالنسبة لصندوق "مبادلة".

خلال العام الجاري، تكبدت إحدى وحدات الصندوق خسارة ائتمانية بلغت نحو 315 مليون دولار بسبب قروض مُنحت لمجموعة العقارات "سيغنا" (Signa)، التي أعلنت إفلاسها لاحقاً. وفي تركيا، اضطر الصندوق إلى ضخ رأس مال والاستحواذ على شركة "غيتر" (Getir) الناشئة لتوصيل المواد الغذائية، التي كانت تُقدَّر قيمتها سابقاً بنحو 12 مليار دولار. 

تشير بيانات مبادلة خلال 2023 إلى أن معدل العائد على مدى خمس سنوات -وفق أحدث بيانات متاحة- بلغ 10.3%، مرتفعاً من 8.5% خلال العام السابق. يبقى الأشخاص المقربون من الصندوق والمبارك متفائلين بشأن استمرار النمو.

قال فينك من"بلاك روك"، في كلمته خلال تكريم المبارك في نيويورك في 10 أكتوبر الماضي: "الخليج، بشكل عام، وأبوظبي، بصفة خاصة، هما من أبرز البقاع المشرقة في الاقتصاد العالمي. نفهم جميعاً الرؤية حالياً. لكن خلدون كان أول من أدركها وهو من جعلها حقيقة".

تصنيفات

قصص قد تهمك