اقتصاديون: خطة الصين لإنعاش الاقتصاد غير كافية لتحفيز الاستهلاك

"بي إن بي باريبا": سياسة دعم الاستهلاك تبدو ضعيفة

time reading iconدقائق القراءة - 10
مشاة يسيرون أمام الأعلام الصينية المعلقة من أعمدة الإنارة في شنغهاي، الصين، يوم الخميس، 1 يوليو 2021 - المصدر: بلومبرغ
مشاة يسيرون أمام الأعلام الصينية المعلقة من أعمدة الإنارة في شنغهاي، الصين، يوم الخميس، 1 يوليو 2021 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تحركت الصين لزيادة الدعم الموجه للاقتصاد، ووعدت بتقديم المزيد من المساعدات لقطاع العقارات المتدهور والحكومات المحلية المثقلة بالديون. لكن المسؤولين لم يقنعوا الاقتصاديين بعد بأنهم يبذلون ما يكفي لهزيمة انكماش الأسعار.

وفي مؤتمر صحفي طال انتظاره يوم السبت، امتنع وزير المالية لان فوان عن تحديد حجم التحفيز المالي الصيني كما توقع المستثمرون، وأشار إلى أن التفاصيل سيُكشف عنها عندما تجتمع الهيئة التشريعية الصينية في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك، فإن الإجراءات الداعمة التي أعلنها لم تعط مؤشراً يُذكر إلى أن السلطات الصينية شعرت بأي حاجة ملحة لزيادة الاستهلاك، وهو ما يرى العديد من الاقتصاديين أنه ضروري لإنعاش الاقتصاد ووضعه على مسار نمو أكثر إيجابية.

سياسة "ضعيفة"

وقالت جاكلين رونغ، كبيرة الاقتصاديين الصينيين في بنك "بي إن بي باريبا": "إن سياسة دعم الاستهلاك تبدو ضعيفة"، و"لا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بحدوث تحول كبير وشيك في ضغوط الأسعار، أو وصول سوق العقارات إلى نقطة الانعكاس، وهما القضيتان الرئيسيتان اللتان يواجههما الاقتصاد الصيني".

من المحتمل أن تظهر بيانات يوم الأحد أن أسعار المستهلكين في سبتمبر كانت عالقة دون 1% للشهر التاسع عشر على التوالي مع تعمق انكماش أسعار المنتجين، مما يسلط الضوء على تباطؤ الطلب قبل طفرة التحفيز الأخيرة. وتحدث المسؤولون قليلاً عن انكماش الأسعار في المؤتمر الصحفي الذي استمر لمدة ساعة يوم السبت.

وقبيل عطلة نهاية الأسبوع، توقع المستثمرون والمحللون أن توظف الصين ما يصل إلى تريليوني يوان (283 مليار دولار) في شكل حوافز مالية جديدة، بما في ذلك الإعانات المحتملة وقسائم الاستهلاك والدعم المالي للأسر التي لديها أطفال. وقد يحدث ذلك في غضون بضعة أسابيع: في العام الماضي، استغلت اللجنة الدائمة للمجلس بالوطني لنواب الشعب الصيني، الهيئة التشريعية في الصين، اجتماعاً عُقد في أواخر أكتوبر للإعلان عن مراجعة الميزانية وإصدار سندات إضافية.

هدف النمو

لكن تصريحات لان يوم السبت أشارت إلى أن الصين مرتاحة للاتجاه العام للاقتصاد. وتعهد بالسماح للحكومات المحلية باستخدام السندات الخاصة لشراء المنازل غير المبيعة، ووعد ببذل الجهد الأكبر في السنوات الأخيرة لتخفيف عبء الديون عن السلطات المحلية، ومن غير المرجح أن يقدم أي منهما دفعة قصيرة الأجل للنمو.

وقال لين سونج، كبير اقتصاديي الصين الكبرى في "آي إن جي بنك" (ING Bank): "أعتقد أن تحركات السياسة المالية ستستغرق وقتاً أطول قليلاً حتى نتمكن من تحقيق معدل نمو 5% هذا العام، ما لم يصبح الحجم النهائي للتحفيز المالي أكبر بكثير من المتوقع".

لان ألمح أيضاً إلى وجود مجال لإصدار المزيد من السندات السيادية وزيادة الإنفاق الحكومي، وهي خطوات يمكن الإعلان عنها عندما يجتمع المشرعون في وقت لاحق من هذا الشهر أو أوائل نوفمبر.

رأي "بلومبرغ إيكونوميكس":

"مع عدم وجود أموال جديدة بشكل فوري في الأفق، فمن المرجح أن يركز صناع السياسات المركزيون على دعم الحكومات المحلية لتحقيق إنفاقها المدرج في الميزانية، مع الاستفادة من الموارد المتاحة لتحقيق الاستقرار في سوق الإسكان".

تشانغ شو وديفيد كيو يو

 

استقرار أسعار العقارات

من شأن السماح للحكومات المحلية بمبادلة ديونها بقروض أرخص أن يوجه الأموال للخدمات العامة ويشجع السلطات على إنفاق المزيد. كما أن تمكينهم من استخدام السندات الخاصة لشراء الشقق غير المبيعة وتحويلها إلى إسكان اجتماعي قد يساعد في زيادة استقرار أسعار العقارات، مما يمنح أصحاب المساكن شعورا أكبر بالأمان.

وزارة المالية لم تكشف عن قيمة دقيقة لأي من الإجراءين. لكن هذه من بين الخطوات التي دفعت الاقتصاديين إلى الاعتقاد بأن "هذه المرة يمكن أن تكون مختلفة" بعد تعثر جهود التحفيز السابقة، وفقاً لبنك "سوسيتيه جنرال".

وقال وي ياو وميشيل لام، وكلاهما اقتصاديان في البنك، في مذكرة: "إن احتمالات التعافي والانتعاش المستدامين تتحسن، مع فرص أفضل لاستقرار الإسكان وضغط أقل من تقليص ديون الحكومات المحلية".

 

ماذا عن الإعانات المباشرة؟

وفيما يتعلق بالإعانات المباشرة، قال لان يوم السبت إن الصين ستقدم ضعف عدد المنح الدراسية وستزيد المساعدات المالية للطلاب، وهي خطوة تأتي بعد ارتفاع البطالة بين الشباب في أغسطس إلى أعلى مستوى هذا العام. كما تعهد بمواصلة تقديم الدعم للمجموعات المحتاجة، مستشهداً بمنحة لمرة واحدة للفقراء الشهر الماضي كمثال.

إن الافتقار إلى المساعدات واسعة النطاق ليس مفاجئاً، حيث كانت بكين تنظر منذ فترة طويلة بازدراء إلى ما تسميه "الرفاهية".

وقال بروس بانغ، كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في شركة "جونز لانغ لاسال": "إن عدم وجود طعام مجاني للأشخاص الكسالى هو التفكير الأساسي لصانعي السياسات حول سبب عدم احتمال تقديم دعم واسع النطاق للأمة بأكملها"، في إشارة إلى تعليق مماثل أدلت به أعلى وكالة للتخطيط الاقتصادي في البلاد.

الاستهلاك المحلي

ولطالما حث الاقتصاديون على تغيير أولويات السياسة المالية للتركيز بشكل أكبر على الاستهلاك المحلي. ومن شأن مثل هذا التحرك نحو نموذج نمو أكثر توازناً واستدامة أن يقلل من اعتماد البلاد على الصادرات لدعم الاقتصاد وسط تصاعد التوترات التجارية.

أصبح النهج القديم المتمثل في استخدام الاستثمار الممول بالديون في المشاريع العامة -من الطرق إلى الجسور- أقل فعالية بعد عقود من التحضر التي تركت البلاد مشبعة بالبنية التحتية. وبسبب الافتقار إلى المشاريع عالية الجودة، تمتلك السلطات أموالاً أكثر من المشاريع التي يمكن إنفاقها عليها.

وقالت وزارة المالية إن الحكومة ستقوم بتوسيع القطاعات المؤهلة للحصول على الدعم التمويلي من إصدار السندات المحلية الخاصة. وهذا يمكن أن يضخ للاقتصاد ما يصل إلى تريليون يوان خاملاً الآن، وفق دينغ شوانغ، كبير اقتصاديي الصين الكبرى وشمال آسيا في "ستاندرد تشارترد".

 

الحكومات المحلية وانكماش القطاع العقاري

وترتبط المشكلات المالية التي تواجهها الحكومات المحلية بشكل وثيق بانكماش قطاع العقارات. إذ تتضاءل مبيعات الأراضي، وهي المحرك الرئيسي للإيرادات، في الوقت الذي يؤدي فيه التباطؤ الأوسع إلى خفض الضرائب ومصادر الدخل الأخرى. وبعد الإفراط في الاقتراض في أعقاب الأزمة المالية عام 2008 لدعم النمو، ومن ثم التعامل مع الجائحة المكلفة، تكافح العديد من المحليات الآن لتلبية احتياجات الإنفاق اليومية، مثل دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.


ولجأت بعض المناطق لتأخير المدفوعات للمقاولين، وفرض غرامات باهظة وفواتير ضريبية على الشركات يعود تاريخها إلى عقود مضت. ووجهت هذه التحركات ضربة أخرى للثقة الهشة بالفعل في القطاع الخاص، مما دفع بكين إلى تحذير المسؤولين المحليين من العقوبات المفرطة.


ومن خلال السماح للحكومات المحلية بمبادلة المزيد من "الديون الخفية"، تحاول بكين أيضاً كبح جماح مخاطر الائتمان في الشركات التي اقترضت بقوة نيابة عن الحكومات المحلية في السنوات الماضية للمساعدة في تمويل البنية التحتية. ومع ذلك، فإن السندات التي يتم إنفاقها لمقايضة الديون لا تولد أي نمو جديد في الاقتصاد، رغم أنها تساعد في الحفاظ على الاستقرار المالي والاجتماعي.

"لحظة تحول"

قال جوليان إيفانز بريتشارد، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في شركة "كابيتال إيكونوميكس"، إن الجهود المبذولة لمعالجة مخاطر ديون الحكومات المحلية "تتضمن إلى حد كبير تحويل الديون من ذراع للدولة إلى آخر"، وسيكون لها تأثير محدود على الطلب على المدى القريب. وأبقى على توقعاته للنمو لعام 2024 عند 4.8% وعدّل توقعاته للعام المقبل إلى 4.5% من 4.3%، مشيراً إلى التعزيز المالي.

من جهته، قال لاري هو، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في "ماكواري غروب"، إن نموذج النمو الصيني ذا السرعتين، والذي تعتمد فيه على التصنيع والصادرات لتعويض قطاع العقارات، "غير مستدام على نحو متزايد". وأشار إلى أن السلطات ستحتاج إلى التحول بمجرد ضعف الصادرات أو تدهور الطلب المحلي بشكل أكبر، مما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.
وكتب هو في مذكرة يوم السبت: "إن الإحساس القوي بالإلحاح الذي نشأ عن اجتماع المكتب السياسي في سبتمبر يشير إلى أنها لحظة محورية" ،"لكن لتأكيد ذلك، نحتاج إلى المزيد من الأدلة".

تصنيفات

قصص قد تهمك