بلومبرغ
تستهدف هونغ كونغ المستثمرين الأثرياء في الشرق الأوسط، كما تسعى لجذب رؤوس أموال جديدة لتعزيز مكانتها كمركز عالمي لإدارة الثروات.
استضافت جماعات المصالح في المدينة عدداً كبيراً من الأسر بالغة الثراء والكيانات المرتبطة بالعائلات في الخليج خلال العامين الماضيين بشكل يفوق ما قبل جائحة كورونا، بحسب نحو 6 مراقبين أجرت "بلومبرغ" حوارات معهم. وتأتي هذه الخطوة رداً على استمرار خروج المستثمرين الأجانب، ما أفضى إلى خفوت بريق هونغ كونغ باعتبارها مدخلاً إلى الصين.
في الأسبوع الماضي، تحدث رئيسان تنفيذيان يديران أكبر مؤسستين خيريتين في أبوظبي والسعودية، أسسهما أفراد من العائلتين الحاكمتين، في مؤتمر نظمه صندوق "هونغ كونغ جوكي كلب تشاريتيز ترست" (Hong Kong Jockey Club Charities Trust).
استمرت جهود هونغ كونغ، رغم الموقف المحرج الذي وقع في مارس، عندما أُثيرت شكوك حول هوية ضيف متحدث في قمة أُقيمت برعاية الحكومة، يزعم موقعه الإلكتروني أنه على صلة قرابة بحاكم دبي.
تعزيز العلاقات يدعم جذب استثمارات الخليج
تمثل العلاقات المتنامية جزءاً من الجهود الجاذبة التي تبذلها هونغ كونغ لتأكيد ترحيبها بالأنشطة التجارية العالمية. حيث تدفقت الاستثمارات إلى خارج المدينة عندما غادرها عدد كبير من الأشخاص فائقي الثراء واتجهوا إلى سنغافورة ودول أخرى إبان القيود الصارمة التي فُرضت خلال الجائحة، وحملات القمع واسعة النطاق على المعارضة السياسية. بينما تعزز الصين علاقاتها المالية والاستثمارية مع المنطقة الغنية بالنفط في الوقت نفسه.
يرى الأستاذ الجامعي هاو غاو، مدير مركز بحوث "بي بي سي إس إف" للمكاتب العائلية العالمية بجامعة تسينغوا، أن "هونغ كونغ تبذل قصارى جهدها لجذب العائلات الخليجية الثرية، المؤثرة على الاقتصاد وبإمكانها إحداث تأثير كبير".
توفر هونغ كونغ للمستثمرين الخليجيين منصة لجمع التمويلات للشركات في الشرق الأوسط بهدف التوسع، كما تمثل نقطة انطلاق لدخول سوق البر الرئيسي في الصين.
لفت باتريك تسانغ، الرئيس التنفيذي لمكتب "تسانغس غروب" (Tsangs Group) العائلي إلى أن "العلاقات بين الصين وهونغ كونغ والشرق الأوسط بلغت أعلى مستوى على الإطلاق على المستوى الجيوسياسي". يُذكر أن تسانغ وجيفري كين فونغ لام، مستشار حكومة هونغ كونغ، أسسا نادي سفراء العام الماضي بهدف تعزيز مكانة المدينة مركزاً عالمياً للأعمال.
استضافة شخصيات خليجية بارزة
ارتفع عدد كبار الشخصيات الخليجية التي زارت المدينة الأسبوع الماضي بشكل ملحوظ.
كان من بين هذه الشخصيات رفيعة المستوى الأميرة نوف بنت محمد بن عبدالله آل سعود، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الملك خالد السعودية، وكانت هذه أول زيارة لها إلى هونغ كونغ منذ 15 عاماً. كما زار المدينة محمد حاجي الخوري، المدير العام لمؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، التي تأسست في 2007، وتُعد واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية في إمارة أبوظبي.
تحدث الاثنان في مؤتمر استضافه صندوق "هونغ كونغ جوكي كلَب تشاريتيز ترست"، وكان الجمهور متألفاً من كبرى المكاتب العائلية والمؤسسات الخيرية على مستوى العالم، مثل مؤسستي "روكفلر فاونديشن" (Rockfeller Foundation)، و"بيل آند مليندا غيتس فاونديشن" (Bill and Melinda Gates Foundation).
أشار الخوري، في حوار مع "بلومبرغ" على هامش المؤتمر، إلى زيادة التفاعل بين دول الخليج وهونغ كونغ خلال العامين الماضيين، وأجاب عن سؤال حول اعتزامه السفر إلى المدينة في المستقبل القريب بقوله "قريباً إن شاء الله".
كما ضم مؤتمر أقامه نادي السفراء في هونغ كونغ الأسبوع الماضي 5 متحدثين خليجيين، من بينهم ياسر اليوسف، مدير علاقات المستثمرين في مكتب أبوظبي للاستثمار، ومروان المري، المدير الإقليمي لآسيا في غرف دبي.
هونغ كونغ تهيئ الأجواء لزوارها من الخليج
يترك حضور الزوار الجدد بصمته في هونغ كونغ، أشار تسانغ ولام إلى تعاونهما مع شركات في المدينة بهدف زيادة عدد المطاعم، وموردي الأغذية، والفنادق التي تقدم الأطعمة الحلال. كما يعملان على توزيع أدوات إعداد الطعام الحلال على الفنادق، لتتمكن من تقديم الوجبات لنزلائها، حتى لو لم تكن مطابخها مجهزة بشكل كامل.
كذلك أقامت هونغ كونغ أول دورة لدوري رابطة "ليف غولف" (LIV Golf)، المنافسة الناشئة المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يدير أصولاً بقيمة 925 مليار دولار، في وقت سابق من هذا العام، ومن المتوقع إقامة دورة أخرى في 2025. وقد تناول لام عشاءً مع أسطورة الغولف والمدير التنفيذي لرابطة "ليف غولف"، غريغ نورمان، الأسبوع الماضي.
تتزايد سهولة السفر بين المدينة والسعودية، حيث ستستأنف شركة الطيران الوطنية في هونغ كونغ "كاثاي باسيفيك إيروايز" (Cathay Pacific Airways) رحلاتها المباشرة إلى الرياض بدءاً من 28 أكتوبر، فيما افتتحت "طيران الإمارات"، المدعومة من حكومة دبي، متجر مبيعات كبيراً في قلب الحي المالي في هونغ كونغ يوليو الماضي، وسط الآمال بأن تمهد المحادثات بين الإمارات والصين الطريق لزيادة عدد الرحلات.
ارتفع عدد زائري هونغ كونغ من دول الخليج، البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات، بنسبة 136% خلال العام المنتهي في يوليو، مقارنة بالفترة نفسها من 2023، وتجاوز عددهم 16 ألف شخص، وفق إحصاءات دائرة الهجرة في هونغ كونغ.
مساعٍ لدعم التحول لمركز عالمي للاستثمار
تولي هونغ كونغ أهمية لتحولها إلى مركز عالمي للمكاتب العائلية، ويشكل الشرق الأوسط جزءاً من هذه الخطة.
بلغ عدد المكاتب العائلية في المدينة بنهاية 2023 أكثر من 2,700 مكتب، وفق التقديرات الواردة في دراسة أجرتها شركة "ديلويت" (Deloitte)، كان معظمها ملكاً لعائلات صينية، وقدمت الحكومة حوافز على الضرائب والإقامة لجذب المزيد.
تأتي الزيادة في أعداد الزوار الخليجيين على خلفية تحركات سياسية، حيث قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة إلى السعودية في أواخر 2022، وتعهد بشراء كميات أكبر من النفط وتعزيز العلاقات على جميع المستويات.
قال الرئيس التنفيذي لمنطقة هونغ كونغ، جون لي، خلال مؤتمر نادي السفراء الأسبوع الماضي: "بالطبع يُعد الشرق الأوسط شريكاً مهماً لبلدنا، وحلقة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق".
وأضاف أن هونغ كونغ تجري مفاوضات مع السعودية حول اتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمار، فضلاً عن اتفاقيات مشابهة مع الكويت، والإمارات، والبحرين. وبعد افتتاح مكتب هونغ كونغ الاقتصادي والتجاري في دبي، تعتزم المدينة افتتاح مكتب مشابه في الرياض.
تعزيز إجراءات العناية الواجبة
أشار جيسون فونغ، المدير العالمي للمكاتب العائلية في "إنفست هونغ كونغ" (InvestHK)، الدائرة الحكومية المسؤولة عن الاستثمار الأجنبي المباشر في المدينة، إلى تسهيل اللقاءات التعريفية والشراكات بين المستثمرين من الشرق الأوسط والشركات المحلية، بهدف "جذب الاستثمارات من الشرق الأوسط، وتأسيس شركات محلية، وتعزيز مكانة هونغ كونغ مركزاً عالمياً للاستثمار".
رغم ذلك، توجد بعض العقبات، ففي وقت سابق من هذا العام، نشرت "بلومبرغ" ووسائل إعلام أخرى عن تعهد أحد الشيوخ باستثمار ما يصل إلى 500 مليون دولار في مكتب عائلي في هونغ كونغ.
وتحدث الشيخ علي بن راشد بن علي بن سعيد آل مكتوم عن العمل الخيري وإرث الثروة في جلسة نقاش عُقدت خلال مؤتمر مخصص للمدعوين فقط، حضره أكثر من 400 ضيف واستضافته حكومة المدينة. وعندما بدأت وسائل الإعلام في إثارة الشكوك حول حقيقته، غادر الشيخ علي المدينة فجأةً، ولم يتم الاستثمار حتى الآن.
قال الأستاذ الجامعي غاو: "بلا شك ستقوم هونغ كونغ بإجراء مزيد من العناية الواجبة لمنع تكرار الحوادث من هذا النوع".