الشرق
عاد الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب ليحقق نمواً برقمين خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، بفضل الميثاق الجديد وفورة شركات بطاريات السيارات الكهربائية الصينية، بعدما كان انخفض بأكثر من النصف في 2023 تحت تأثير الأزمات المتتالية التي بثت شعور عدم اليقين لدى المستثمرين حول العالم.
جذبت البلاد في الفترة الممتدة من يناير إلى أبريل صافي استثمارات أجنبية مباشرة بلغ 8.2 مليار درهم (نحو 820 مليون دولار) بارتفاع 48.6% على أساس سنوي، واعتُبر هذا الرقم من قِبل وزارة الاستثمار غير مسبوق في تاريخ المملكة.
بلغ صافي استثمارات الأجانب في المغرب 10 مليارات درهم عام 2023 بانخفاض 53.3% على أساس سنوي، فيما كان أعلى رقم تحقق عام 2018 بنحو 33.4 مليار درهم، بحسب بيانات مكتب الصرف، الهيئة الحكومية المعنية بإحصاءات التجارة الخارجية.
عوامل الارتفاع
وزير الاستثمار المغربي محسن جزولي اعتبر أن طفرة الاستثمارات بداية العام تعود للميثاق الجديد الذي وفر إطاراً واضحاً للمستثمرين وجعل أنظمة وإجراءات إنجاز المشاريع مُيسرة، مضيفاً ردّاً على سؤال "الشرق" بمؤتمر صحفي الأسبوع الماضي: "سنحقق أرقاماً قياسية في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بدءاً من العام الجاري".
تُعوّل المملكة على زيادة حصة الاستثمار الخاص، بما في ذلك المحلي والأجنبي، من الثلث حالياً إلى الثلثين من إجمالي الاستثمارات بحلول 2035. واعتمدت من أجل ذلك ميثاق استثمار جديداً في مارس من العام الماضي يقضي بمنح المستثمرين تحفيزات ضريبية ومالية قد تصل إلى 30% من قيمة الاستثمار المنجز.
ونوّه يوسف كراوي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن "البلاد تشهد بالفعل انتعاشاً في الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً من شركات دولية آسيوية وأوروبية، التي تبحث عن الثروات الطبيعية والطاقات المتجددة والعقارات الشاسعة لإنجاز المشاريع، إضافةً للموقع الجغرافي الاستراتيجي".
يُفسَّر أيضاً الارتفاع في الاستثمارات بداية العام الجاري بتأجيل جزء مهم من الاستثمارات الأجنبية المبرمجة ما بين عامي 2020 و2022، حيث كان المستثمرون يواجهون تبعات جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والضغوط المتعلقة بتفاقم التضخم وارتفاع تكلفة الاقتراض، وفقاً لوزير الاستثمار خلال اجتماع مع المُشرّعين الشهر الماضي.
173 مليار درهم
بعد أكثر من عام من دخول ميثاق الاستثمار الجديد حيز التنفيذ، وقعت الحكومة المغربية على اتفاقيات تخص 115 مشروعاً ستُنجز من قِبل القطاع الخاص، بقيمة إجمالية بلغت 173 مليار درهم، ويغطي رأس المال المغربي حوالي 70% من هذا المبلغ.
معظم المشاريع التي تمّت المصادقة عليها في إطار ميثاق الاستثمار الجديد شرعت فعلياً في عمليات الإنشاء، بناءً لمعطيات قدمها رئيس الحكومة عزيز أخنوش لمجلس النواب الشهر الجاري، حيث قال إن نسبة المشاريع التي باشرت عمليات التطوير والبناء تصل إلى 90% من إجمالي المشاريع، ما يعني أن أثرها الاقتصادي سيظهر في العامين المقبلين مع دخول أغلبها مرحلة الإنتاج.
طفرة مشاريع الصينيين
كان لافتاً حضور الاستثمارات الصينية غير المسبوق بالمشاريع المعلنة في المغرب خلال الآونة الأخيرة، حيث تمّ التوقيع على 5 مشاريع مع شركات صينية بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 10 مليارات دولار، وتركزت بشكلٍ أساسي في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
أحد أبرز هذه المشاريع تقودها المجموعة الأوروبية الصينية "غوشن هاي تك" (Gotion High-Tech) حيث ستنجز أول منظومة صناعية ضخمة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، باستثمار أوّلي يناهز 12.8 مليار درهم (نحو 1.3 مليار دولار) كمرحلة أولى، ليرتفع لاحقاً إلى 65 مليار درهم.
احتلت الإمارات صدارة الاستثمار الأجنبي في المغرب وفقاً للأرقام الرسمية للعام الماضي بنحو 230 مليون دولار، تلتها المملكة المتحدة بنحو 170 مليوناً، ثم إسبانيا بالمرتبة الثالثة بـ150 مليون دولار. بينما احتلت الصين المرتبة التاسعة بأقل من 65 مليون دولار.
يَعتبر كراوي في حديثه لـ"الشرق" أن "التحدي الأكبر يتمثل في توفير هذه الاستثمارات الأجنبية لفرص شغل لخفض معدل البطالة، وإعطاء دفعة قوية للاقتصاد من خلال إحداث قيمة مضافة وزيادة الصادرات الصناعية، بما يسهم في خفض عجز الميزان التجاري وزيادة رصيد البلاد من العملة الصعبة.. هذا هو التحدي الأكبر للحكومة".