بلومبرغ
بينما تتجه الأنظار إلى مخاطر تخلُّف روسيا عن السداد، لم يلحظ أحد الانهيار الأكثر إثارة في سندات جارتها بيلاروسيا، التي كانت ديونها الحكومية هي الأسوأ أداءً في العالم خلال هذا العام.
تراجعت سندات حليفة روسيا الرئيسية، التي تشارك أوكرانيا الحدود الشمالية، إلى مستويات تبيّن أن لدى المستثمرين أملاً ضئيلاً في تسديد تلك الديون. أظهرت بيانات جمعتها بلومبرغ انخفاض ديون بيلاروسيا الدولارية المستحقة في عام 2027 إلى 6.5 سنت للدولار بتاريخ 7 مارس، هبوطاً من 88 سنتاً، قبل أيام فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا الشهر الماضي. ووصل آخر سعر مُعلَن عند 11.7 سنت بانخفاض قدره 87% عمّا قبل اندلاع الحرب مباشرة.
مخاوف التخلف عن السداد
تُعَدّ بيلاروسيا، التي احتفظ زعيمها بسيطرته على انتخابات 2020 المتنازَع عليها، سوقاً صغيرة للسندات، وتصل التزاماتها الأجنبية إلى 3.3 مليار دولار، ويحين أجل سداد مدفوعاتها الدولارية المقبلة في شهر يونيو. وعلى الرغم من أن اقتصادها البالغ حجمه نحو 60 مليار دولار في عام 2020، شريحة ضئيلة من الاقتصاد الروسي، فإن حجم البلاد واعتمادها الاقتصادي على روسيا يشكّلان قلب مشكلات حاملي السندات. وبالنظر إلى تضاؤل الاحتياطيات وصادرات النفط، يزداد تفاقم تأثير العقوبات، ويُنظر إلى التخلف عن السداد على أنه أمر مؤكَّد.
قال ستيوارت كلفرهاوس، الذي أمضى 16 عاماً في تغطية إعادة هيكلة الديون السيادية في شركة "تيليمر" (Tellimer) للأبحاث: "التخلف عن السداد محتمَل للغاية ولا مفرّ منه. لقد اعتمدوا على روسيا منذ الانتخابات المتنازع عليها في أغسطس 2020، وازداد هذا الاعتماد منذ الحرب. إنها دولة عميلة لموسكو حالياً".
بدأ المستثمرون التخلي عن السندات البيلاروسية منذ منتصف شهر فبراير، مع تصاعد التوتر حول أوكرانيا، وبينما نفى الرئيس ألكسندر لوكاشينكو أن روسيا طلبت من بيلاروسيا الانضمام إلى الصراع، استخدمت القوات الروسية البلاد نقطةَ انطلاق للغزو، وقال حرس الحدود الأوكراني كذلك إن بعض عمليات القصف جاء من بيلاروسيا.
تَوسَّع نطاق بعض العقوبات المفروضة على روسيا ليشمل بيلاروسيا بتعدادها السكاني البالغ نحو 9 ملايين نسمة، والمعتمدة على روسيا وأوكرانيا في أكثر من نصف تجارتها عام 2019، وفقاً لبيانات البنك الدولي. توقع المحللون تكبُّد اقتصاد البلاد خسائر فادحة لينكمش 6% هذا العام، حسب متوسط خمسة توقعات جمعتها بلومبرغ هذا الشهر.
توقعت فينلا سيبيلا-روزين، المديرة المشاركة للاقتصاد لدى "إس آند بي غلوبال ماركت إنتيليجنس"، تقلُّص اقتصاد البلاد 10.5% هذا العام، نتيجة لتزامن الحرب مع الصدمات المالية والعقوبات.
أضافت سيبيلا-روزين: "يرتبط الاقتصاد البيلاروسي إلى حد كبير بروسيا"، موضحة أن التخلف عن السداد سيعزّز هذا الاعتماد"، كما "سيتضح بشكل أكبر أنه لن يكون لديهم أي وسيلة للاقتراض في أي من الأسواق الدولية، مما سيجعلهم أكثر حرصاً على تدعيم روابطهم المالية مع روسيا".
انهيار بـ86%
في ظلّ هذه الخلفية، تراجعت السندات الدولارية في بيلاروسيا بمتوسط 86% هذا العام، في أعنف هبوط بين جميع الديون الحكومية العالمية، وفقاً لبيانات بلومبرغ. وبالمقارنة، انخفضت السندات الروسية والأوكرانية بنحو 75% و54% على الترتيب.
تضمّ قائمة حاملي الالتزامات البيلاروسية بعضاً من أكبر المستثمرين في الأسواق الناشئة من أمثال "فرانكلين ريسورسيز" (Franklin Resources)، و"إف إم آر" (FMR)، الشركة للأم لـ"فيديليتي إنفيستمينتس"، و"كابيتال غروب"، وفقاً لبيانات بلومبرغ المستندة إلى أحدث إفصاحات المستثمرين.
تشمل البيانات حيازات الأموال الخاملة التي لا تملك خيارات كثيرة تتعلق بما يمكن شراؤه أو بيعه، ولا تشمل بالضرورة المستثمرين غير المطالبين بالإفصاح عن معاملات الديون. ويمتلك حاملو الديون الذين تتبعهم بلومبرغ نحو 4% من إجمالي الديون المستحَقَّة.
قال توم جويس، المتحدث باسم "كابيتال غروب"، عبر البريد الإلكتروني، إن ديون البلاد تقلّ عن 0.1% من إجمالي الأصول الخاضعة للإدارة للمجموعة، موضحاً أن المراكز لا تشغل حيّزاً ملموساً في المَحافظ. ولم يردّ كل من "فيديليتي" و"فرانكلين ريسورسيز" على طلبات التعليق المرسلة عبر البريد الإلكتروني.
الارتباط بروسيا
ظهر اعتماد بيلاروسيا على الاقتراض جليّاً في نهاية العام مع وصول إجمالي عبء ديونها إلى نحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 20% للاقتصاد الروسي، حسب بيانات وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني. كتب محللو وكالة "موديز إنفستورز سيرفيس" في بيان أن الاحتياطيات الأجنبية لبيلاروسيا بلغت 3.9 مليار دولار فقط بنهاية يناير، وقد ينفد هذا "الاحتياطي المؤقت" سريعاً، فيما بلغ إجمالي الاحتياطي الروسي نحو 630 مليار دولار قبل الغزو.
من جهته قال جينس نيستيدت، كبير مديري الأموال لدى "إيمسو أسيت مانيجمنت" (Emso Asset Management)، إن "بيلاروسيا أضعف اقتصادياً بكثير من روسيا، حتى في سيناريو التوصل إلى حلّ للحرب، كما تُعتبر الفرص الإيجابية محدودة للغاية للبلد الأصغر، فيما تتعاظم المخاطر السلبية حال انضمامها إلى الحرب مباشرة".
استمر تحالف بيلاروسيا مع روسيا حتى بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتي، على عكس بعض جيرانها. قاد لوكاشينكو البلاد منذ أول انتخابات رئاسية لها كجمهورية مستقلة في عام 1994، وحافظ على سيطرته في عام 2020 رغم الاحتجاجات بعد اعتقال منافسيه الرئيسيين أو إبعادهم عن صناديق الاقتراع.
نفس الخطى
اتبع لوكاشينكو هذا الشهر قواعد لعبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر التوقيع على مرسوم سمح للحكومة بسداد ديونها الأجنبية بالعملة المحلية، التي تسمى أيضاً بـ"الروبل". قالت وزارة المالية إن هذه الخطوة تتطلب موافقة مجلس الوزراء ويمكن تطبيقها عند فرض دول "غير صديقة" قيوداً على بيلاروسيا.
قال تيموثي آش، محلل الديون السيادية لدى "بلو باي أسيت مانيجمنت" (BlueBay Asset Management)، إن الفشل في دفع السندات، أو دفعها بعملة مختلفة، قد يضع بيلاروسيا في حالة تخلُّف عن السداد.
تلجأ البلدان الأصغر في العالم النامي عادةً إلى صندوق النقد الدولي في حال تخلُّفها عن السداد، وتسعى غالباً للحصول على قروض، شريطة سنّ سياسات اقتصادية ساعية إلى تحسين آفاقها المستقبلية. مع ذلك لا يبدو هذا السيناريو مرجَّحاً في بيلاروسيا نظراً إلى موقف الولايات المتحدة من الحرب، وهي الدولة التي تتمتع بأكبر حصة تصويتية في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، ويجب موافقتها على برامج البنك قبل صرف الأموال.
في غضون ذلك، قفز العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون من أجل الاحتفاظ بالسندات السيادية البيلاروسية على حساب سندات الخزانة الأمريكية، إلى ما يقارب 12000 نقطة أساس، وفقاً لبيانات "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، وهو ما يزيد بكثير على مستوى 1000 نقطة أساس للديون الحرجة.
تتوقع وكالة "إس آند بي غلوبال ريتينغز" أن تتخلف بيلاروسيا عن السداد خلال عام إذا لم تتحسن الأوضاع قريباً، في حين "تتزايد" احتمالية عدم السداد من وجهة نظر "موديز".