بلومبرغ
تتحول سوق الطروحات العامة الأولية في الهند إلى حالة من جنون الشراء. فقد بلغ حجم الأموال التي جرى جمعها في الاكتتابات العامة الأولية هذا العام 8.8 مليار دولار، متجاوزاً بالفعل ما جُمع في السنوات الثلاث الماضية، على الرغم من الوصول لشهر أغسطس فقط من العام الجاري. وبالوتيرة الحالية، سيتجاوز عام 2021 الرقم القياسي البالغ 11.8 مليار دولار. يتسابق المؤسسون والمصرفيون والمحامون والمستشارون للاستفادة من الطلب المتزايد على الطروحات العامة الأولية الجديدة.
المحفز، باختصار، هو شركة "زوماتو ليمتد" ( Zomato Ltd). طرحت أسهم شركة توصيل الأغذية الناشئة للاكتتاب العام في شهر يوليو الماضي، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة وتوقعات الربحية المتواضعة، فقد ارتفعت الأسهم بنسبة تزيد عن 70%. وأدى ذلك إلى تغذية فكرة أن الشركات الناشئة التي تواجه تحديات ربح مماثلة يمكن أن تجد قبولاً قوياً من المستثمرين.
بدأت شركة "أويو هوتليز آند هومز" (Oyo Hotels & Homes)، عملاق السكن المضطرب منذ فترة طويلة، العمل الأسبوع الماضي في مسودة نشرة اكتتاب وتهدف إلى تقديم ملف في أكتوبر، وفقا ًلمصادر مطلعة على الأمر. كما بدأت شركة "أولا" (Ola) الرائدة في مجال خدمات استدعاء سيارات الركوب والشركة الناشئة للتكنولوجيا المالية "باين لابس" (Pine Labs) محادثات مع مصرفيين استثماريين، وفقاً لمصادر أخرى على دراية بالموقف.
"الهند هي بالتأكيد نجمة العرض. هذه هي الظاهرة الجديدة"، بحسب قول أودهاي فورتادو، الرئيس المشارك لأسواق رأس المال الآسيوية في شركة "سيتي غروب"، البنك الأجنبي المتصدر في قوائم المتنافسين للاكتتابات الأولية في آسيا حتى الآن هذا العام.
فتحت شركة "زوماتو" أعين الناس حقاً على الهند، والآن لدينا كل هذه الشركات التي تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر الممولة من القطاع الخاص يأتون إلى السوق العامة".
أدى أداء الاكتتابات الأولية العامة الأخيرة، مثل شركة "زوماتو"، إلى تغذية الحماس. وتفوقت الأسهم الهندية المدرجة حديثاً على مؤشر "نيفتي 50" القياسي بأكثر من 40% هذا العام، وهي أكبر فجوة على مدى سبع سنوات.
تدرس الشركات الناشئة الثلاثة الأكثر قيمة في البلاد عمليات الاكتتاب الأولية أو تخطط لها. قدمت شركة "باي تي ام" (Paytm)، الرائدة في البلاد في مجال المدفوعات الرقمية، مستندات أولية للكتتاب العام، بهدف جمع تمويل بما يصل إلى 166 مليار روبية (2.2 مليار دولار). إذا وصل إلى هذا المستوى، فسيكون هذا الاكتتاب العام هو أكبر طرح في بورصة البلاد على الإطلاق، متجاوزاً أكثر من 150 مليار روبية التي جمعتها شركة "كول إنديا ليمتد" (Coal India Ltd) المملوكة للدولة.
أفادت "بلومبرغ نيوز" أن شركة "فليب كارت" ( Flipkart)، عملاقة التجارة الإلكترونية الهندية التي تسيطر عليها شركة "ولمارت"، تهدف إلى تنفيذ عملية طرح عام أولي في الربع الأخير من العام الحالي. ودخلت شركة "باي جوس" (Byju’s)، وهي شركة ناشئة للتعليم الرقمي تبلغ قيمتها 16.5 مليار دولار، في مناقشات مبكرة حول عملية اكتتاب عام ويشجع المصرفيون الشركة على الاستفادة من السوق المحموم، وفقاً لمصادر مطلعة على الأمر. تمر شركة "باي جوس" بخضم استيعاب العديد من عمليات الاستحواذ الكبيرة، ومن المرجح أن تؤجل أي عملية إدراج بالبورصة لمدة عام على الأقل.
هذه هي الهستيريا التي دفعت شركة "فون بي"( PhonePe)، وهي شركة مدفوعات ناشئة استحوذت عليها شركة "ولمارت" كجزء من صفقة "فليب كارت"، إلى إعادة الإدراج إلى الهند بدلا من سنغافورة لجذب انتباه المستثمرين المحليين، وفقا لما ذكره مصدران مطلعان على الأمر لم يرغبا في الكشف عن هويتهما.
أدى الاضطراب التنظيمي في الصين أيضاً إلى دفع المستثمرين الباحثين عن فرص واعدة في البلدان ذات السياسات الحكومية الأكثر قابلية للتنبؤ.
"إذا كان على المستثمرين العالميين اختيار سوق ناشئة، فإن الميزان يميل لصالح الهند بعد الإجراء التنظيمي في النظام البيئي للإنترنت في الصين"، بحسب قول بانكاج نايك، المدير التنفيذي والرئيس المشارك للشؤون الرقمية والتكنولوجيا في شركة "أفيندوس كابيتال". ويضيف:
قد لا تكون الهند جذابة مثل الصين بالمعنى الاقتصادي الأوسع لكنها تبدو رهاناً أكثر أماناً
لم ترد شركة "أويو هوتيلز" وشركة "فون بي" وشركة "بين لابس" على رسائل البريد الإلكتروني التي تطلب التعليق.
لطالما تأخر نجاح الهند على صعيد الشركات الناشئة عن نجاح الولايات المتحدة أو الصين. لكن هذا العام يعد نوعاً من الاختراق. مع تفشي كوفيد-19، لجأ العديد من المستهلكين إلى الخدمات عبر الإنترنت لتسليم البقالة وغيرها من التجارة الإلكترونية، إلى جانب دروس الرياضيات والتشخيصات الطبية، فارتفعت الإيرادات.
التقدم على الصين
وفي حين أن حملة الصين على الشركات الخاصة قد أخافت الممولين، ضخ مستثمرون عالميون مثل "فيديليتي إنفستمنتس" (Fidelity Investments) وشركة "كيه كيه آر آند كو" (KKR & Co) وشركة "تيمسيك هولدينغز" (Temasek Holdings) السنغافورية الأموال في الهند،. بلغت قيمة استثمارات المشاريع في الهند 7.9 مليار دولار في شهر يوليو الماضي، متجاوزة الصين لأول مرة على أساس شهري منذ 2013، وفقاً لشركة الأبحاث "بريكين"( Preqin Ltd).
ساعد هذا النوع من التمويل الهند على تقديم منحة كبيرة للشركات الناشئة التي تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر. هناك أكثر من 35 شركة من هذا القبيل، بقيادة شركة "باي جوس" وشركة "باي تي أم" وشركة "أولا"، وفقاً لشركة "سي بي إنسايتس" (CB Insights)، مما يشير إلى إمكانية طرح عشرات الشركات الأخرى للاكتتاب العام في السنوات المقبلة. في حين أن أكبر الاكتتابات العامة الأولية في الماضي كانت عبارة عن تحالف شركات أو شركات مدعومة من الدولة مثل "كول إنديا"، فإن الشركات الناشئة الآن تقود طفرة الصعود.
ويرى ديفاراجان نامباكام، العضو المنتدب في مجموعة "غولدمان ساكس" في مومباي "فرص نمو هائلة في المستقبل أمام العديد من الشركات ذات القيمة بمليار دولار أو أكثر من قطاع التكنولوجيا بالهند". ويقول: "نظراً للفرصة الهائلة، فإن الأساسيات الكلية للهند والاستقرار السياسي وسياسات الاستثمار الشاملة تجعلها واحدة من أفضل الوجهات للمستثمرين العالميين".
وقالت مصادر إن بنوك الاستثمار مثل بنك "غولدمان ساكس"، و"مورغان ستانلي"، و"جيه بي مورغان تشيس آند كو"، و"سيتي غروب" تأتي في طليعة المناقشات المتعددة. وقالت المصادر إن فريق الخدمات المصرفية الاستثمارية لبنك "كوتاك ماهيندرا" (Kotak Mahindra Bank) ومقره مومباي هو أيضاً جزء من العديد من محادثات الاكتتاب العام.
"أويو" تقف على قدميها وتستعد للاكتتاب
شركة "أويو" مدعومة من مجموعة "سوفت بنك"، ولها تاريخ من المشكلات، وهي واحدة من أكثر الشركات المرشحة للاكتتاب العام إثارة للدهشة. فشلت شركة حجز الفنادق، التي يديرها ريتيش أغاروال البالغ من العمر 27 عاما، في التوسع العالمي بأهداف شديدة الجرأة ، ثم تضررت بسبب جائحة كوفيد-19. في العام الماضي، خفضت الشركة قوتها العاملة، وسرحت الآلاف من الموظفين، وخفضت التعويضات ونشاط التسويق مع تراجعها.
لكن الإصلاح القاسي سمح لـ"أويو" بالنجاة عندما توقف الناس عن السفر وتعافت الحجوزات الآن في أوروبا والولايات المتحدة وأجزاء من آسيا. وقال أغاروال، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ"، إن جائحة كورونا ضربت "أويو" مثل "الإعصار" مع انخفاض الأعمال بنسبة 66% في 30 يوماً.
لكن الشركة أجرت تغييرات صعبة للتركيز على التكنولوجيا والخدمات الأكثر قيمة لشركائها الفندقيين. وحصلت الشركة الناشئة مؤخراً على تمويل ديون بقيمة 660 مليون دولار من مستثمرين عالميين لخدمة قروضها الحالية.
بدأ العمل هذا الأسبوع على مسودة طرح عام لشركة "أويو" بهدف تقديمها إلى الجهات التنظيمية في غضون الأسابيع العشرة المقبلة، حسبما قال مصدر مطلع على التطورات. جرى بالفعل اختيار بنكين وهما مصرف "كوتاك" ومصرف "جيه بي مورغان"، ويوشك مصرف "سيتي بنك" على الانضمام إلى قائمة من المرجح أن تزداد. وقال العديد من المصادر إن توقيت وحجم ومزيج الأسهم الأولية والثانوية لم يجر تحديده بعد.
رفض أغاروال التعليق على وجه التحديد على خطط الاكتتاب العام خلال مقابلته التلفزيونية. وقال:
نحن نعمل بالفعل كشركة مدرجة بالبورصة، وعندما نتقدم للاكتتاب العام سيكون الأمر متروكاً لمجلس الإدارة
شركات أخرى تتأهب لطرح أسهمها
إذا اختبر أغاروال الأسواق العامة، فسيكون لديه الكثير من الشركات. قدمت شركة "نايكا" (Nykaa) لبيع مستحضرات التجميل بالتجزئة الوثائق للطرح العام الأولي هذا الشهر للحصول على حصة في وقت لاحق من هذا العام. تستهدف شركة "ايه بي آي هولدينغز" (API Holdings) ، المالكة لأكبر صيدلية على الإنترنت في البلاد "فارمسي إيزي" (PharmEasy)، تنفيذ عملية اكتتاب عام بأكثر من مليار دولار مع خطط لتقديم المستندات الأولية بحلول منتصف شهر أكتوبر المقبل، بحسب مصادر مطلعة على الأمر. كما تجري مراودة شركة "بين لابس"، وهي شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية تعمل في الهند وأجزاء من جنوب شرق آسيا، من قبل المصرفيين الذين يزعمون أنها قد تصل إلى 10 مليارات دولار، وفقاً لمصدر على دراية بالمناقشات. جري تقييم الشركة في آخر مرة بـ3 مليارات دولار، وفقاً لـ"سي بي إنسايتس".
قال فاني كولا، المؤسس والعضو المنتدب لشركة المشاريع الاستثمارية "كالاري كابيتال": "أظهر مستثمرو السوق العامة الهندية أنهم يقدرون بالفعل دور الاضطراب والنمو". تابع: "سنرى المئات من هذه الطروحات العامة الأولية على مدى العقد المقبل".