بلومبرغ
أدى الارتفاع المستمر في حالات الإصابة بمرض كوفيد -19 بآسيا إلى تفاقم انسداد سلسلة التوريد عبر أكبر مصدر للسلع المصنعة في العالم.
بعد تجاوز موجات الوباء المبكرة بشكل أفضل من المناطق الأخرى، تفشت سلالة دلتا المتحولة سريعة الانتشار في المصانع المضطربة والموانئ، في البلدان التي كانت ذات يوم من بين أكثر الدول نجاحا في احتواء الفيروس.
من المتوقع أن تؤدي الأزمات في آسيا - حيث تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 42% من الصادرات العالمية تأتي منها - إلى مخاطر حدوث التواء في طريقها عبر سلاسل التوريد العالمية، في الوقت الذي تتزايد فيه الشحنات عادة في موسم التسوق خلال عطلة عيد الميلاد.
اقرأ أيضا: نقص القهوة يعكّر مزاج العالم.. أزمة حادة في سلاسل التوريد بسبب خطوط الشحن
كما أظهرت العوائق السابقة، فإنه يمكن للمشكلات التي تبدأ في الموانئ الآسيوية أن تنتشر ببطء، وتظهر لاحقا على أنها تأخيرات في أماكن مثل لوس أنجلوس أو روتردام أو في هيئة ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين.
وزادت فترات الأزمات من السوء، في عام اتسم بالمعاناة بالنسبة للمصدرين، حيث ارتفعت تكاليف الشحن بسبب نقص الحاويات وأصبحت المواد الخام مثل أشباه الموصلات أغلى سعرا ويصعب الحصول عليها وسط ارتفاع الطلب.
وقالت ديبورا إلمز المديرة التنفيذية لمركز التجارة الآسيوي ومقره سنغافورة: "من المرجح أن تعطل سلالة دلتا التجارة بطريقة كبيرة في آسيا". وتابعت: "كانت معظم الأسواق محظوظة في السيطرة على مرض كوفيد بطريقة جيدة حتى الآن، لكن مع استمرار انتشار كوفيد، من المرجح أن ينتهي هذا الحظ الجيد في العديد من المواقع".
في الصين، جرى إغلاق ثالث أكثر موانئ الحاويات ازدحاما في العالم جزئيا مؤخرا، بينما في جنوب شرق آسيا - من بين المناطق الأكثر تضررا - أوقف المسؤولون التنفيذيون في المصانع إنتاج الإلكترونيات والملابس وعشرات المنتجات الأخرى.
وبات انتعاش الصادرات الذي حمى الاقتصادات المعتمدة على التجارة أثناء الوباء على المحك، وكان من المتوقع أن يغذي ذلك الانتعاش الاقتصادات بشكل أوسع. توقعت منظمة التجارة العالمية أن تقود آسيا زيادة بنسبة 8% هذا العام في تجارة السلع عالميا.
في الوقت نفسه، سيؤدي اختناق الإمدادات إلى إثارة المخاوف من أن التضخم المتزايد للمنتجين الصينيين أو المستهلكين الأمريكيين سيتضح أنه أكثر من أمر عابر، ما سيختبر التوقعات بين صانعي السياسة بشأن تباطؤ في الأسعار على المدى القريب.
تباطؤ الإنتاج
اخترقت سلالة دلتا المتحولة - وهي معدية مثل مرض جدري الماء - دفاعات الصين الصارمة على الحدود، ما أدى إلى ظهور الحالات الأولى لعدة أشهر في مناطق مثل بكين ووهان. تتصدر إندونيسيا جنوب شرق آسيا في الحالات والوفيات، ما يدفع المنطقة إلى أن تكون من بين الأكثر تضررا على مستوى العالم مع تأخر بدء حملة التطعيم.
رغم أن الحالات في الصين منخفضة نسبيا، إلا أن نهج عدم التسامح المطلق مع الفيروس، أوقع محطة سفن "ميشان" في ميناء "نينغبو تشوشان"، حيث توقفت جميع خدمات الحاويات الواردة والصادرة الأربعاء الماضي بعد إصابة عامل.
يأتي هذا الإغلاق بعد إغلاق ميناء "يانتيان" في مدينة "شنتشن" لمدة شهر تقريبا بعد تفشٍ محدود، والذي كان له آثار مضاعفة على الشحن الدولي.
وفي جنوب شرق آسيا، شهد مديرو التصنيع تباطؤا في النشاط الشهر الماضي، حيث كافح المصدرون الرئيسيون للحفاظ على تشغيل المصانع، في إشارة إلى أن مرض كوفيد قد يُضعف في النهاية من التجارة الرخوة في المنطقة.
أمريكا والصين
في حين أن إندونيسيا وماليزيا والفلبين وفيتنام وتايلاند تشكل مجتمعة 5.7% من الصادرات العالمية، فإنها يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الاقتصادات الأكبر مثل الولايات المتحدة والصين، خاصة في مجال الإلكترونيات، وفقا لتقديرات شركة "ناتيكسيس" Natixis. وتستورد الصين 38% من آلات معالجة البيانات و29% من معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية من الدول الخمس، بينما تعتمد الولايات المتحدة على نصف وارداتها من أشباه الموصلات من التكتل.
اقرأ أيضا: صادرات الصين تزداد تطوراً رغم الحرب التجارية مع أمريكا
يمتد ذلك إلى مراكز التصدير في اليابان وكوريا الجنوبية، والتي ظلت في الغالب على المسار الصحيح. وعلى سبيل المثال، قالت شركة "سامسونغ إلكترونيكس"، الشهر الماضي، إن الإيرادات من أعمال الهواتف المحمولة تضررت من تفشي المرض في فيتنام.
اتخذت حكومة فيتنام تدابير متطرفة لتقليل الضرر على الصادرات - وهي سلة واسعة تشمل الإلكترونيات والملابس - حيث تقفز الحالات الجديدة إلى حوالي 16000 يوميا، من أقل من 10 حالات يوميا في شهر أبريل.
أمرت السلطات الشركات المصنعة بالسماح للعمال بالنوم طوال الليل في المصانع، حيث إن نسبة السكان الذين جرى تطعيمهم بالكامل يدور حول مستوى 1%، بالقرب من قاع مؤشر وكالة "بلومبرغ" لتتبع التطعيم (Bloomberg Vaccine Tracker).
لم يكن ذلك كافيا لشركات مثل "هاركو شوز آند ماتيريالز مانوفاكتشيرنغ" (Harco Shoes and Materials Manufacturing Co.)، في مقاطعة "هونغ ين" بالقرب من العاصمة هانوي.
وقال فام هونغ فيت، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، في مقابلة هاتفية: "الأمور تسوء أكثر فأكثر حيث اضطرت معظم المصانع في المقاطعات الجنوبية إلى وقف عملياتها كما تكافح الشركات في الشمال من أجل الحفاظ على جزء من عملية الإنتاج.. لقد تعطلت سلسلة التوريد بالكامل في البلاد على نحو خطير".
تقليص التوقعات
يعمل خبراء الاقتصاد بالفعل على تقليص توقعاتهم للنمو في آسيا، حيث تظهر مؤشرات الوقت الفعلي تضرر الاستهلاك والأنشطة الأخرى. وبينما تُظهر قراءات "التنبؤ الآني" من "بلومبرغ إيكونوميكس" أن الاقتصاد العالمي مهيأ للتسارع هذا الربع، فإن تفشي سلالة دلتا المتحولة في الصين وحدها يؤثر على المناطق التي تمثل أكثر من ثلث ناتجه المحلي الإجمالي.
من بين الأسباب التي أدت إلى خفض توقعات النمو العالمي مؤخرا، تسليط خبراء الاقتصاد في "جيه بي مورغان" (JPMorgan Chase & Co) الضوء على المخاطر في الدول الآسيوية ذات معدلات التطعيم المنخفضة.
يأتي تصاعد تفشي الفيروس مع استمرار شكوى المصدرين من تكاليف الشحن البحري التي يمكن أن تكون مضاعفة لما كانت عليه قبل الجائحة، ويرجع ذلك في الغالب إلى نقص حاويات الشحن. وصل مؤشر "درويري" العالمي للحاويات إلى 9421.48 دولار لكل حاوية 40 قدما اعتبارا من 12 أغسطس – وهو أعلى بحوالي 350% من نفس الفترة من العام الماضي.
قال لانم لايا، مدير التجارة الخارجية في شركة "سي إن سي إلكتريك" (CNC Electric ) في مقاطعة "تشجيانغ" الصينية التي تشمل منتجاتها العدادات ومفاتيح الحائط إن: "التحدي الرئيسي بالنسبة لنا هو ارتفاع تكاليف الشحن الدولي، والتي تعد ضعفا أو حتى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الجائحة".
اقرأ أيضا: تأخر التسليمات بموانئ الصين يتجاوز أزمة قناة السويس ويزيد معاناة سلاسل التوريد
أضاف: "في العام الماضي، خلال ذروة تفشي الوباء، اعتقدنا أنه سيكون قصير المدى. ولكن بالنظر إلى المستقبل، لا أعتقد أنه سيكون هناك تغيير جوهري قريبا".
لا يأمل المسؤولون التنفيذيون مثل ريموند رين - الذي يدير شركة "بينغو كايكسين بلاستيك إنداستري" (Pinghu Kaixin Plastic Industry Co. Ltd)، والتي تصنع حقائب السفر والشنط وأيضا في مقاطعة "تشجيانغ" - تصحيح المسار في أي وقت قريبا. قال: "لا أعتقد أن أي شيء يمكن أن يعكس هذا المسار على المدى القصير.. لا يمكنك التوقع بأي شيء خلال هذه الجائحة".