بلومبرغ
قالت مصادر مطلعة على الأمر، إن شركة "ديدي غلوبال" تدرس التخلي عن السيطرة على بياناتها الأكثر قيمة ضمن جهودها لفض تحقيق تنظيمي صيني في أعقاب طرحها للاكتتاب العام الأولي في الولايات المتحدة، والذي أثار الجدل.
وبحسب المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، فإن عملاق خدمات النقل السريع قد طرح عدداً من المقترحات لاسترضاء المشرف القوي على صناعة الإنترنت، بما في ذلك التنازل عن إدارة بياناتها لطرف ثالث خاص.
وقال أحد المصادر، إن المنظمين أشاروا إلى أنهم يفضلون أن يكون هذا الطرف الثالث تحت سيطرة الدولة.
من غير المؤكد كيف سيؤثر هذا الترتيب على وصول "ديدي" إلى البيانات، وهو أمر بالغ الأهمية لمساعدة الشركة في تنظيم 25 مليون رحلة يومياً بين حوالي 400 مليون راكب وسائق.
ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كانت هذه المقترحات ستُرضي هيئة الرقابة.
اقرأ: عقوبات صينية قاسية تطارد "ديدي" بسبب طرح أسهمها في أمريكا
عقوبات متحملة
تكافح "ديدي" لضمان بقائها، بعد أن مضت قدماً في تعويمها أمريكياً، رغم اعتراضات المسؤولين القلقين من أن الإدراج الأجنبي قد يؤدي إلى تسرب البيانات وتقويض الأمن القومي.
اعتبر المنظمون أن قرارها بالتحوّل إلى شركة مساهمة عامة رغم معارضة إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين يمثل تحدياً لسلطة بكين.
وقالت المصادر إن المسؤولين بالإدارة يدرسون مجموعة من العقوبات المحتملة، بما في ذلك الغرامة أو تعليق بعض العمليات أو إدخال شركة استثمارية تعود ملكيتها للدولة.
يتمثل أحد الاقتراحات المطروحة في جلب شركة مملوكة للدولة بحصة أكبر من حصة المساهمين الرئيسيين الحاليين "سوفت بنك" و"أوبر"، على حد قول أحد الأشخاص المطلعين.
من الممكن أيضاً فرض الخصخصة الإجبارية وشطب أو سحب أسهم "ديدي" الأمريكية، رغم أنه من غير الواضح كيف سيتم تنفيذ مثل هذا الخيار.
ارتفعت أسهم "ديدي" بنسبة 3.3% عند الساعة 9:38 صباحاً في نيويورك.
ولم ترد "سي إيه سي" على طلب التعليق الذي أرسل بالفاكس، ولم يرد ممثلو "ديدي" على الرسائل والمكالمات التي تطلب التعليق.
قال الأشخاص المطلعون إن المداولات في مرحلة أولية ومن المحتمل ألا يتم التوصل إلى نتائج إلا بعد أسابيع أو حتى أشهر من المراجعة.
لكن من المرجح أن تفرض بكين عقوبات أشد على "ديدي" من تلك المفروضة على "مجموعة علي بابا القابضة"، التي تحملت غرامة قياسية قدرها 2.8 مليار دولار بعد تحقيق استمر لأشهر بشأن مكافحة الاحتكار ووافقت على الشروع في إجراءات لحماية التجار والزبائن.
معركة البيانات
يمكن أن تمثل"ديدي" حالة اختبار لجهود الحكومة الصينية الأوسع لاستعادة السيطرة على البيانات التي يسيطر عليها عمالقة التكنولوجيا من مئات الملايين من المستخدمين يومياً، وهو مجال تعتبره أمراً حيوياً للاقتصاد والاستقرار الاجتماعي.
اقترحت الحكومة الصينية إنشاء مشروع مشترك مع شركات الإنترنت التي ستُشرف على تلك المعلومات، وهو مشروع يقوده بنك الشعب الصيني، حسبما أفادت "بلومبرغ نيوز".
كان الاكتتاب العام الأولي لشركة "ديدي" في يونيو بمثابة حافز لهجوم متجدد على عمالقة الإنترنت، قضى في وقت ما على أكثر من تريليون دولار من القيمة السوقية للأسهم الصينية.
إثارة قلق المستثمرين
أثارت الموجة اللاحقة من الإجراءات الصارمة على صناعات امتدت من التعليم الخاص عبر الإنترنت إلى النقل عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فزع المستثمرين، ودفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات إلى دراسة أعمق للشركات في الدولة، وأوقفت جميعها تقريباً سلسلة أرباح سنوية بقيمة 40 مليار دولار من الفروع الأمريكية للشركات الصينية.
تدخل حملة الصين لكبح جماح صناعة الإنترنت العملاقة شهرها العاشر، وهي محنة متوترة تدفع المستثمرين القلقين إلى التفكير في التداعيات طويلة المدى للحملة على الشركات بدءاً من شركة "آنت غروب" و"علي بابا غروب" التي يملكها جاك ما، وحتى عملاق توصيل الطعام "ميتوان".
تحاول حكومة شي جين بينغ تحقيق توازن دقيق بين كبح قوة عمالقة التكنولوجيا في الصين دون إلحاق أضرار جسيمة بقطاع مهم عزز النمو الاقتصادي.
لكن إجراءات الشهر الماضي أظهرت عزم بكين على ملاحقة الشركات الخاصة لمعالجة التفاوتات الاجتماعية، والسيطرة على البيانات، وكبح جماح المصالح القوية.
وفي حين ركزت الحملة الأولية على الطريقة التي أساء بها عمالقة الإنترنت استخدام قوتهم الاحتكارية المزعومة، فإن أحدث موجة من الإجراءات شملت "إدارة الأمن الإلكتروني الصينية" (CAC) إضافة إلى مجلس الدولة، أعلى هيئة حكومية في الصين.
مستقبل غائم
جاء إدراج "ديدي" في الولايات المتحدة في الوقت الذي يبحث فيه "تشي" عن طرق للسيطرة على كميات هائلة من البيانات التي يحتفظ بها عمالقة التكنولوجيا، ويعود ذلك جزئياً إلى رغبته بضمان قيام الحزب الشيوعي بنشر الثروة خارج دائرة صغيرة من المليارديرات.
ينبِّه المنظمون للتهديد الذي تشكله الشركات الخاصة. في عام 2017، أصدرت الحكومة قوانين تلزم الشركات الأجنبية مثل "أبل" و"أمازون" بتخزين البيانات الصينية داخل الدولة، مع إجبارها على تأمين شركاء محليين لإدارة هذا الكنز من المعلومات عبر مراكز البيانات المحلية. قال الأشخاص المطلعون إن "ديدي" ربما تفكر في نموذج مشابه.
ليس من الواضح حالياً ما تخبئه "ديدي"، التي تخلت عن ثلث قيمتها السوقية منذ أن جمعت 4.4 مليار دولار عبر ثاني أكبر اكتتاب عام أولي أمريكي لشركة صينية.
أدى الظهور الأول - الذي أعقب سنوات من الخلافات مع المنظمين بعد اثنتين من جرائم القتل في شبكتها التي أدت إلى رد فعل عنيف- إلى تحويل الشريك المؤسس تشانغ وي إلى ملياردير وكافأ الداعمين القدامى مثل "سوفت بنك" و"تايغر غلوبال مانجمنت" و"تيماسك هولدينغ".
قد يكمن مصيرها في أيدي "إدارة الأمن الإلكتروني الصينية"، التي انقضَّت بعد أيام فقط من الاكتتاب العام وأعلنت عن مراجعة الأمن الإلكتروني لممارسات بيانات الشركة، ثم حظرت تطبيق "ديدي" من متاجر التطبيقات في الدولة.
أيَّد المنظمون الصينيون إلى حد كبير فكرة الاكتتاب العام، لكنهم أعربوا عن مخاوفهم بشأن ممارسات أمن البيانات لدى "ديدي" منذ أبريل على الأقل، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.
في أحد الأمثلة المثيرة للقلق، كشفت "ديدي" عن إحصائيات رحلات سيارات الأجرة التي قام بها مسؤولون حكوميون، كما قال أحد الأشخاص، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه المشكلة بالتحديد قد أثيرت مع الشركة.