بلومبرغ
إذا كانت استراتيجية إدارة الأصول النشطة في حالة انحسار؛ يبدو أنَّ قطاع صناديق المؤشرات ليس لديه أي علم بالأمر في ظلِّ التدفُّقات الداخلة القياسية، والإطلاق غير المسبوق للصناديق، والأصول التي وصلت لأعلى مستوياتها على الإطلاق.
وبدعم من سوق أسهم الميم الجنوني، ونجاح شركة كاثي وود، "آرك انفستمنت مانجمينت"، يقتحم جامعو الأسهم -على نحو غير مسبوق- عالم صناديق المؤشرات الأمريكية البالغة قيمته 6.6 تريليون دولار، مع إضافة تطور جديد على الاحتلال المستمر منذ 50 عاماً للقطاع من قبل عالم الاستثمار الخامل.
و ماتزال الصناديق الخاملة تهيمن على القطاع، لكنَّ المنتجات نشطة الإدارة اقتطعت جزءاً من هذه الهيمنة، وضاعفت حصَّتها ثلاث مرَّات من التدفُّقات النقدية غير المسبوقة في صناديق المؤشرات في 2021، التي بلغت 500 مليار دولار، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".
وتدخل الصناديق النشطة القطاع بوتيرة ضعف منافستها الخاملة، وعززت المجموعة حصَّتها السوقية بمقدار الثلث خلال عام.
سوق مواتية
وقال تود روزينبلاث، مدير أبحاث صناديق المؤشرات وصناديق الاستثمار المشتركة في "سي إف أر إيه ريسيرش": "تاريخياً، كان يفكر الناس في صناديق المؤشرات على أنَّها قائمة على تتبُّع المؤشرات.. ثم جاءت "آرك" وأصبحت اسما مشهوراً، وحينها أدرك المستثمرون أنَّ هذه المنتجات ليست هي فقط التي تستحق إلقاء نظرة عليها؛ وإنما المنتجات الأخرى أيضاً".
وليس من المفترض أن يحدث كل ذلك في قطاع قائم على سحر تتبُّع المؤشرات، لكنَّ التقلُّبات السوقية الناجمة عن الوباء ساعدت مديري الأصول التقديريين على استغلال صناديق المؤشرات لمصلحتهم.
وأصبحت ظروف الأسهم بشكل عام مواتية لنهج الاستثمار النشط في ظل تحوُّل القيادة نتيجة الاقتصاد الذي يتوقَّف عن العمل ثم يعاود النشاط، وخلفية الاقتصاد الكلي غير القابلة للتوقُّع، واتساع عرض السوق.
طلب مزدهر
وفي الوقت نفسه، يبدي المستثمرون استعداداً استثنائياً للقيام برهانات مركَّزة بدءاً من ركوب موجة جنون أسهم الميم إلى اتباع نوع الرؤية المواضيعية التي طرحتها "وود".
و ضخَّ المستثمرون 62 مليار دولار في صناديق المؤشرات النشطة منذ بداية العام حتى الآن، وهو ما يعادل 12% من إجمالي التدفُّقات الذاهبة إلى جزء من السوق الذي يشكِّل 4% فقط من الأصول، وفي نوبة التدافع لاستغلال الطلب المزدهر، أطلق المصدرون 156 منتجاً مداراً بشكلٍ نشط في 2021، مقارنة بـ77 صندوقاً خاملاً.
وقال بن جونسون، مدير أبحاث صناديق المؤشرات العالمية في "مورنينغ ستار" : "بالنهاية، صناديق المؤشرات هي مجرد ورقة تغليف، وطريقة لتعبئة وتوزيع استراتيجية استثمار.. ويدرك المزيد من المستثمرين حقيقة أنَّ فكرة صناديق المؤشرات المدارة بنشاط لا تمثِّل تناقضاً".
معركة الخمسين عام
يعدُّ بروز الاستثمار النشط أحدث تطور في معركة إدارة أموال مستعرة منذ يوليو 1971 عندما أنشأ فريق في "ويلز فارغو آند كو" أوَّل صندوق مؤشرات أصلي.
واليوم، عمالقة الاستثمار الخامل يخفِّضون تكاليف القطاع، ويفتحون الاستثمار للجموع، ويجبرون المتداولين التقديريين على التكيُّف أو الموت، وقد يكون إصدار المنتجات النشطة مزدهراً، لكنَّ الجزء الأكبر من النقدية المتدفِّقة للأسهم الأمريكية
ما يزال موجَّهاً إلى الصناديق الكبيرة الرخيصة التي لا تفعل شيئاً سوى تتبُّع السوق.
وقال جيمس سيفارت، محلل صناديق مؤشرات لدى "بلومبرغ إنتليجينس": "أصبح أداء صناديق المؤشرات النشطة أفضل مما كان في السابق، لكن الخاملة ما تزال الملكة.. وذهب الكثير من التدفُّقات النشطة في الأشهر صاحبة التدفُّقات الكبيرة منذ أواخر 2020 إلى أوائل 2021 لصناديق كاثي".
"جيه بي مورغان" يحذر من "فقاعة دوت كوم" جديدة بطلها صندوق كاثي وود
صناديق "آرك"
وأصبحت "وود" نموذج الإدارة النشطة في قطاع صناديق المؤشرات، وكان الصندوق الرئيسي في شركة "آرك" واحداً من الأفضل أداء في الولايات المتحدة العام الماضي بعائد 149%.
وأغدق المستثمرون الملهمون بهذا الصندوق إلى جانب نهج كاثي الموضوعي المغري - الذي يركِّز على اتجاهات، مثل الروبوتات، أو السفر للفضاء، وليس القطاعات السوقية - 14.5 مليار دولار على صناديق "آرك" في 2021.
"كاثي وود" عاشقة المغامرة تبشر بمستقبل جديد في "وول ستريت"
هجوم عالم الاستثمار الخامل
جاءت الطفرة المصغرة لصناديق المؤشرات النشطة في وقتها تماماً لقطاع انتقاء الأسهم.
وتدير صناديق الاستثمار الخاملة - المشتركة وصناديق المؤشرات - حالياً 11 تريليون دولار، وفي طريقها لحمل 50% من جميع أصول الصناديق المسجَّلة في الولايات المتحدة خلال خمس سنوات، وفقاً لحسابات "بلومبرغ إنتليجنس".
ويقول النقاد، إنَّ قطاع المؤشرات المتضخم سريعاً يزيد الفقاعات في أسواق الأسهم، ويضعف حوكمة الشركات، والأدهى أنَّه ببعض الطرق قد يضر بالأرباح.
ولننظر إلى إدراج "تسلا" في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في ديسمبر على سبيل المثال، سنجد أنَّه برغم قدرة المديرين التقديريين على شراء سهم شركة إيلون ماسك أولاً، فقد أضافت صناديق المؤشرات السهم بتقييم هائل، وبالتالي اضطرت إلى بيع أسهم أخرى بمليارات الدولارات لإتاحة مكان في المحفظة.
وكتب روب أرنوت وزملاؤه، من شركة "ريسيرش أفلييتس" في بحث يونيو الماضي: "صناديق المؤشرات عادة تشتري والأسهم مرتفعة، وتبيع وهي منخفضة"، وأكَّدوا أنَّ المستثمرين كانوا سيحققون أداء أفضل من خلال التمسُّك بالشركات التي أزيحت من المحفظة لإفساح مجال لـ"تسلا".
صناديق أكثر مرونة
والميزة الأساسية التي يتمتَّع بها منتقو الأسهم على نظرائهم الخاملين هي المزيد من المرونة في توظيف النقدية، وهي ميزة تمكَّنوا من إدخالها لقطاع صناديق المؤشرات على مدار سنوات - أوَّل صندوق لوود تمَّ إطلاقه في 2014 - ولكنَّها لم تكن شيئاً مغيّراً للقواعد سوى في 2019، وهو ما مهد الطريق للقفزة في النشاط.
وجعلت هذه الميزة إطلاق صناديق المؤشرات أسهل، وأتاحت هياكل جديدة بإمكانها إخفاء الاستراتيجية التي تدعم الصندوق، وهو ما ساعد في إغراء العديد من اللاعبين في "وول ستريت" لدخول القطاع بعد سنوات من الإحجام، بما في ذلك أمثال "ويلز فارغو"، و"تي رو برايس".
ما يزال الحديث عن تراجع الإدارة التقديرية للاستثمارات منتشراً، لكنَّ المشكلات ليست بالسوء الذي قد تبدو عليه، وحتى في الوقت الذي شهدت فيه الصناديق الأمريكية النشطة - المشتركة وصناديق المؤشرات - خروج 209 مليار دولار العام الماضي، فقد أنهت عام 2020 بحوالي 13.3 تريليون دولار تحت الإدارة، وهو ما يمثِّل مكسباً بنسبة 13% مقارنة بعام 2019.
وتعود الزيادة بقدر كبير إلى صعود الأسواق، لكن إذا استمر الاتجاه الحالي فلن يمر وقت طويل حتى تُعزى الزيادة إلى نمو قطاع صناديق المؤشرات النشطة.
وقال روزينبلاث من "سي إف أر إيه": "سنرى ارتفاعاً مستمراً في نسبة الأصول في صناديق المؤشرات المدارة بنشاط، وستواصل التمتُّع بالفرصة لتحقيق نجاحات هائلة".