بلومبرغ
يعدُّ زيت النخيل أحد المواد الخام الأكثر شعبية في العالم، التي عادت لمستوياتها السعرية المرتفعة قبل ثماني سنوات، مما يشير إلى صعود أسعار المواد الغذائية، والتراجع عن مبادرات الوقود الحيوي في الأشهر المقبلة.
وقفز سعر زيت النخيل، وهو مكوِّن أساسي في حوالي نصف سلع المتاجر، بنسبة 70٪ تقريباً منذ أدنى مستوى له في مايو الماضي. بعد أن أدى سوء الأحوال الجوية إلى تعطيل زراعة الزيوت المنافسة، كما تقلَّص المعروض من النخيل نتيجة نقص العمال المهاجرين في مزارع ماليزيا. وفي الوقت نفسه، أدى التفاؤل بشأن لقاح لعلاج فيروس كورونا إلى تحسين التوقعات الاقتصادية، وزيادة الطلب.
وتجاوز ارتفاع أسعار زيت النخيل، صعود زيت فول الصويا بنحو 52٪ من أدنى مستوى له في مارس.
وبشكل عام، تشير الأسعار المرتفعة إلى أنَّ أسعار الغذاء على وشك أن تصبح أكثر تكلفة، في وقت يعاني فيه المستهلكون في جميع أنحاء العالم من ضغوط اقتصادية.
وقال "ساثيا فاركا Sathia Varqa"، مالك مؤسسة معنية بتحليلات زيت النخيل"Palm Oil Analytics" في سنغافورة: "ستؤثِّر الأسعار المرتفعة على السلع الموجودة في المتاجر خلال شهر .. وزيوت الطعام هي الأكثر عرضة لارتفاع الأسعار".
الفيضانات والجفاف تدمر المحاصيل
ومع ارتفاع سعر زيت النخيل، كاد أن يلحق بزيت فول الصويا، وهو أقرب بديل له. وبعيداً عن اللحظات القصيرة التي حدثت في وقت سابق من هذا العام، لم تكن الفجوة بهذا الضيق منذ عام 2011.
ففي 2011، دمَّرت واحدة من أقوى ظواهر الطقس "إل نينو La Nina " العالمية المترابطة بين المحيطات والغلاف الجوي، منذ عقود المحاصيل، وقلَّصت إمدادات زيت الطعام في جميع أنحاء العالم.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية، مما ساهم في اندلاع الاضطرابات الشعبية في الشرق الأوسط التي أدَّت في النهاية إلى حدوث موجات الربيع العربي.
واعتباراً من الآن فصاعداً، قد يجري تعويض آثار ارتفاع سعر زيت النخيل عبر برامج التحفيز الحكومية، وأنواع أخرى من المساعدات لصالح المستهلكين لمواجهة تداعيات كوفيد- 19.
وخفَّضت الهند، أكبر مشتر للنخيل في العالم، رسوم استيراد النخيل الخام اعتباراً من يوم الجمعة لحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار.
وقال المحلل البارز "دوراب ميستري"، المدير في " جودريج انترناشيونال Godrej International" ، إنَّ الأسعار المرتفعة ستؤدي في النهاية إلى انكماش الطلب .. هذا يحدث دائماً على مدى بضعة أشهر ".
خيارات قليلة أمام المستهلكين
هناك خيارات قليلة للمشترين المتضررين من تكلفة السعر في الهند والصين، مع ارتفاع أسعار الزيوت الأخرى
وقال "أنيلكومار باجاني"، رئيس الأبحاث في " صنفين جروب Sunvin Group"، وهي شركة وساطة مالية واستشارية مقرها مومباي ، "لا يزال زيت النخيل أرخص زيت نباتي هناك، ولا يزال يجتذب طلبات جديدة"، مشيراً إلى ارتفاع أسعار زيوت الصويا، وعباد الشمس، وزيت بذور اللفت.
وأضاف: "قد يكون هناك بعض الطلب على الغذاء الذي يتحول إلى زيت الصويا، لكن هذا لا يشكل سوى حوالي 10٪ إلى 15٪ من إجمالي الطلب على زيت النخيل.. وسيتم تعويض هذه الخسارة بواسطة الأخبار التي تتحدث عن توافر لقاح كورونا، التي تشير إلى انتعاش الطلب على الغذاء، وزيت النخيل، على المدى الطويل ".
لا تزال آثار ارتفاع الأسعار على سوق الوقود الحيوي أكثر قتامة. إذ يتم تداول زيت النخيل الآن بعلاوة قدرها 413 دولاراً عن زيت الديزل، أعلى علاوة منذ عام 2011.
وفي السنوات التسع التي تلت 2011، أدخلت دول من بينها، إندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، وكولومبيا، تعديلات تشريعية تتطلب استخدام زيت النخيل المحلي في المبادرات الوطنية للديزل الحيوي، في حين عززت سياسات الطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي واردات التكتل من زيت النخيل، مع توجيه نصف الواردات إلى استخدام الطاقة.
ويشعر المدافعون عن الوقود الحيوي بالقلق من أنَّ الارتفاع في أسعار زيت النخيل، سيدفع بعض البلدان إلى التراجع عن توجيهاتها الرسمية.
وقالت إندونيسيا، إنها ستؤخر خطتها الطموحة لزيادة مزيج الديزل الحيوي إلى 40٪ من 30٪ حالياً، لأنَّ فجوة السعر الأوسع "تمثِّل تحديات للحكومة في تمويل الحوافز للبرنامج".
مستقبل النخيل ؟
في الوقت الحالي، تتباين وجهات نظر الفاعلين في السوق بشأن مستقبل زيت النخيل.
ويتوقع "رابوبنك Rabobank" تراجع أسعار العقود الآجلة مع تعافي المخزونات، ويقول "باجاني" من " صنفين Sunvin's" إنَّ التصحيح الهبوطي له ما يبرره، ولكنه استبعد حدوث انخفاض كبير ،في حين يتوقع " فاركا Varqa " تقلُّص الإمدادات لتدفع الأسعار فوق 3300 رينجت مع حلول منتصف ديسمبر.
أما بالنسبة للمنتجين، فكان ارتفاع الأسعار بمثابة نعمة، فقد عزز أحدث الأرباح الفصلية لعمالقة النخيل، مثل " إف جي في هولدنجز بي إتش دي FGV Holdings Bhd"، و " أي أو أي كورب بي اتش دي IOI Corp Bhd"، " وكوالامبور كيبونج بي اتش دي Kuala Lumpur Kepong Bhd ".
كما رفعت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية التوقعات الخاصة بكبار المزارعين في العالم، " مزرعة سايم داربي بي اتش دي Sime Darby Plantation Bhd" و "جولدن أجري ريسوريسز Golden Agri-Resources Ltd ".
وقد يظل العرض شحيحاً لفترة من الوقت، حتى لو كان الطقس الأكثر رطوبة هذا العام جيداً لعوائد العام المقبل.
وتواجه المزارع في ماليزيا، ثاني أكبر منتج ، نقصاً في العمالة حتى قبل تفشي وباء كورونا، وفي الأشهر الأخيرة ، قامت المزارع بتجنيد السجناء لحصاد الفاكهة.
وقال "أوسكار تجاكرا"، كبير المحللين في "رابوبنك" في سنغافورة، إنَّ الأشجار القديمة أقل إنتاجية.
وقال "جودريج ميستري"، إنَّ المزارع اختارت أيضاً إعادة شراء الأسهم على التوسُّع، مما قد يجعلها متخلفة عن الطاقة الإنتاجية، مع تعافي الاقتصاد العالمي، ويشير إلى عواقب طويلة الأجل على العرض.
وأضاف "ميستري": "لقد شهدنا تباطؤاً في المساحة المزروعة الجديدة بفضل ضغوط المنظمات غير الحكومية، والحكومات، ومن الأسعار المنخفضة السابقة .. لقد اجتمعت كل هذه العوامل مع آلهة الطقس (لا نينا) لخلق عاصفة مثالية لأسعار الزيوت النباتية ".