يطلق الصينيون على مستثمري الأسهم غير المتخصصين لقب "الثوم المعمر"، وهو محصول صحي قادر على الازدهار بعد وقت قصير من الزراعة. ويستمر هذا المحصول في النمو مراراً وتكراراً- تماماً مثل الحمقى الذين يطاردون أسهم الـ "ميم" وشركات الشيك على بياض لتحقيق عوائد مذهلة.
ويبدو أن السوق الأمريكية هي المكان المثالي لحصاد الشركات الصينية للثوم المعمر.
هذا بالتأكيد يبدو مشابهاً لما يحدث مع عملاق خدمات نقل الركاب "ديدي غلوبال". فبعد أيام فقط من ظهور الشركة في أحد أكبر الطروحات الأولية بالولايات المتحدة هذا العام، جمعت فيه 4.4 مليار دولار، أمر منظم الفضاء الإلكتروني بالصين متاجر التطبيقات بإزالة تطبيق "ديدي تشوكسينج"، وادعى ارتكاب الشركة انتهاكات جسيمة فيما يتعلق بجمع واستخدام البيانات الشخصية.
جاء قرار منظم الفضاء الإلكتروني بعد يومين فقط من اتجاه الجهات التنظيمية لمنع الشركة من إضافة مستخدمين جدد، وبدء مراجعة ممارساتها فيما يتعلق بالأمن السيبراني.
وفي بيان صدر يوم الأحد، قالت شركة "ديدي" إن المستخدمين الحاليين الذين قاموا بتنزيل التطبيق بالفعل لن يتأثروا بهذه الخطوة.
بمجرد عودتهم من عطلة نهاية الأسبوع في 4 يوليو، سيشهد الأمريكيون تقلبات في التداول بالسوق.
حالة اختبار
يعد التحقيق الخاص بشركة "ديدي" أول تحقيق ينشره مكتب استعراض الأمن السيبراني بالصين، ما يجعل الشركة مجرد حالة اختبار لتركيز بكين الجديد على أمن البيانات. تماماً مثل مجموعة "على بابا" في حملة مكافحة الاحتكار ضد عمالقة التكنولوجيا، وشركة "آنت غروب" لحث الحكومة على إعادة النظر في دور الشركات العاملة عبر الإنترنت في الخدمات المالية.
نحن في منطقة مجهولة، وليس من المستبعد أن يتعرض المستثمرون الأمريكيون لخسائر كبيرة.
وفقاً للتدابير الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ العام الماضي، يمكن للشركات قيد المراجعة تلقي النتائج الأولية في أقل من 45 يوماً. لكن لا أحد يعلم بالتحديد مقدار الوقت الذي تستغرقه هذه العملية- حيث يمكن أن تطول المدة بالنسبة للحالات المعقدة- ولا أحد يعلم أيضاً ما هي العقوبة.
مع ذلك، يمكن أن تتراوح الغرامة بين ضعف و10 أضعاف ما يحدده قانون الأمن السيبراني بطريقة مبهمة على أنه "عوائد غير مشروعة"، أو قد يفضي الأمر بإغلاق الشركة بالكامل.
لماذا اتجهت للاكتتاب العام؟
يدور سؤال الآن حول الأسباب التي دفعت "ديدي" لطرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي في هذا الوقت، برغم التدقيق المكثف من مختلف الإدارات الحكومية.
في أبريل، استدعت هيئة مكافحة الاحتكار، بجانب الهيئة الوطنية للفضاء الإلكتروني، أكثر من 30 شركة كبرى تعمل عبر الإنترنت، مثل "ديدي"، وطالبتهم بإجراء عمليات تفتيش داخلية حول ممارساتها لمكافحة الاحتكار والسياسات الضريبية والالتزام بالقوانين واللوائح ذات الصلة.
وفي الشهر التالي، طلبت وزارة النقل من الشركة ضمان تحقيق العدالة للركاب والسائقين، وسط سخط اجتماعي بشأن محنة عمال الوظائف المؤقتة. جدير بالذكر أن السائقين في مدن المستوى الأول يربحون حوالي 10 آلاف يوان (1500 دولار) شهرياً، أي أقل من متوسط الدخل في مثل هذه المواقع بنسبة 10%، بحسب شركة "برنشتاين ريسيرش" (Bernstein Research).
كشف إشعار على تطبيق "ديدي" بتاريخ 29 يونيو، أي قبل يوم واحد من طرح أسهمها للاكتتاب العام، أن تغييرات جديدة على بيانات المستخدم وسياسة خصوصية البيانات ستدخل حيز التنفيذ في 7 يوليو.
ثمة إجابة واحدة على هذا السؤال وهي أن "ديدي" لم تعد شركة اليونيكورن اليافعة. فما بدأ كخدمة استئجار لسيارات الأجرة في عام 2012 تحول إلى مشروع كبير. حيث أتمت الشركة عملية اندماج كبيرة عام 2015، واستحواذ كبير على شركة أوبر الصين في عام 2016، فضلاً عن إتمامها 6 جولات تمويلية.
مع ذلك، فإن آفاق أعمالها التجارية لا تتحسن، فالسوق في مدن المستوى الأول وصل حد التشبع، كما أن هوامش الربح ضئيلة للغاية. وبالتالي ربما يكون هذا وقتاً مناسباً لطرح الأسهم للاكتتاب العام الأولي، كما أن كبار المستثمرين الأجانب في هذه الشركة بحاجة إلى الخروج.
وتمتلك "سوفت بنك " و"أوبر" حصصاً تبلغ 20.1% و11.9% على التوالي في شركة "ديدي".
معيار جذب رؤوس الأموال
في النهاية، سمحت السوق الأمريكية لشركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة أو الشركات الوهمية الباحثة عن أهداف استحواذ بجمع أكثر من 100 مليار دولار هذا العام.
كذلك، ازدهرت أسهم الـ "ميم"، برغم تحركات الشركات المتكررة لبيع أسهم جديدة مستفيدة من الصعود الهائل.
وفقاً لإغلاق يوم الجمعة، ارتفع سهم شركة "إيه إم سي إنترتينمت هولدينغز"، على سبيل المثال، أكثر من 23 مرة هذا العام، رغم أنها باعت أسهماً جديدة في شهري أبريل ويونيو. لذلك، إذا كان السوق لديه الجرأة على إجراء تخفيضات هائلة في الأسهم والشركات الوهمية، فلماذا لا ترغب الشركات الصينية، التي تطاردها حكومتها، في اختبار مصيرها بنيويورك؟
في الوقت ذاته، بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لردع الشركات الصينية عن طرح أسهمها للاكتتاب العام هناك، لدرجة أنها هددت باتباع إجراءات الشطب.
ومع ذلك، نجحت تلك الشركات في جذب رؤوس أموال جديدة مستفيدة من توافر الشهية لدى المستثمرين في السوق، بصرف النظر عن المخاطر.
الآن، أصبح موقف الصين المناهض للاحتكار مفهوماً إلى حد ما. حيث تُظهر الغرامات الأخيرة، بما فيها تلك المفروضة على مجموعة "على بابا"، أن العقوبة تتراوح بين 2% إلى 3% من المبيعات السنوية للشركة.
هذه الغرامات يمكن لشركات التكنولوجيا الكبرى دفعها والمضي قدماً، لكن وسط انتهاكات الأمن السيبراني لـ "ديدي"، فإننا ندخل إلى عالم معرفة المجهول، على المستثمرين الأمريكيين الاعتماد على أنفسهم.