يحقق الاقتصاد الأمريكي تقدماً جيداً تجاه الوفاء بمستهدفات الاحتياطي الفيدرالي لمعدلات التوظيف والتضخم، وهو ما يعني أن الوقت قد حان لإثارة موضوع يولد الكثير من القلق في الأسواق المالية: متى وكيف سيبدأ الفيدرالي بسحب المحفزات من خلال تقليص مشترياته الشهرية من الأوراق المالية؟
وفيما يلي بعض إجاباتي للأسئلة الأكثر إلحاحاً:
السؤال: في المرة السابقة التي بدأ فيها الفيدرالي تقليص المشتريات في 2013، أثار الكثير من التقلبات في السوق فيما اشتهر باسم "نوبة الغضب"، فما الفرق هذه المرة؟
الإجابة: حينها، كان لدى المسئولين في الفيدرالي القليل من الخبرة فيما بتعلق بإنهاء برنامج شراء الأصول، خاصة في بيئة كانت فيها أسعار الفائدة على احتياطيات البنوك، والتي لم يبدأ البنك المركزي في تطبيقها سوى في 2008، هي الأداة الأساسية التي تعتمد عليها السياسة النقدية، وهو ما ترك المشاركين في السوق يجهلون توقيت وتسلسل الانتقال إلى عالم بدون مشتريات للأصول وأسعار فائدة أعلى.
والآن، أصبح مسئولو الفيدرالي لديهم خبرة 2013، وباستثناء "الغضب" الذي حدث تخوفاً من التقليص، فإن عملية الانتقال الفعلية كانت سلسة، وبالتالي بات المسئولون أكثر ثقة، كما أصبح المشاركون في السوق أكثر دراية بخطة اللعب:
أولاً، الحديث عن التقليص.
ثانياً، التقليص الفعلي.
ثالثاً، رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل من الحد الأدنى الصفري.
رابعاً، السماح بالخفض التدريجي لممتلكات الفيدرالي من الأوراق المالية، وهو ما من شأنه أن يمتص الاحتياطيات حتى يتبقى ما يكفي ليشبع طلب البنوك.
وبالتأكيد لن تحدث العملية على وضعية الطيار الآلي -بشكل أوتوماتيكي-، فقد تؤدي الأحداث الاقتصادية أو السوقية إلى تصحيح أو اثنين في المسار. ولكن في هذه المرة، على الأقل هناك خارطة طريق.
السؤال: متى تبدأ عملية التقليص؟
الإجابة: على افتراض أن الآفاق الاقتصادية لن تتغير كثيراً، سيكون التقليص بعد ستة أشهر على الأرجح.
أولاً، لأن مسئولي الفيدرالي يواصلون التأكيد على أن عملية التقليص ستبدأ بعد أن يحقق الاقتصاد "مزيدا [التشديد من جانبي] من التقدم الكبير" نحو أهداف البنك المركزي المتمثلة في الوصول للحد الأقصى من العمالة المستدامة ومتوسط التضخم عند 2%. لكن حتى في حال كان التعافي قوياً، سيستغرق هذا بعض الوقت.
ثانياً، لا يزال الاقتصاد بعيداً عن حالة العمالة الكاملة. وعلى وجه التحديد، تقل الوظائف عما كانت عليه قبل الوباء بمقدار 7.6 مليون وظيفة تقريباً، وحتى مع إضافة مليون وظيفة شهرياً، أي أكثر بكثير من الوتيرة المحققة في الآونة الأخيرة، فإن تحقيق "مزيد من التقدم الكبير" سيستغرق على أقل تقدير شهورا عديدة.
ثالثاً، الوضع في سوق العمل معقد، ورغم النقص الكبير في التوظيف، فإن فرص العمل المتاحة وصلت إلى مستوى قياسي، ويبدو أن إعانات البطالة التكميلية البالغة 300 دولار في الأسبوع بجانب الحاجة إلى رعاية الأطفال أوقات الدراسة عن بُعد أو توقفها في العطلات، تمنع الناس من الالتحاق بالوظائف، ليبقى ما سيحدث عندما تنتهي الإعانات ويعود الطلاب إلى الفصول الدراسية سؤالاً بلا إجابة.
السؤال: يشتري الفيدرالي شهرياً سندات خزانة بقيمة 80 مليار دولار، وأوراق مالية مدعومة برهن عقاري بقيمة 40 مليار دولار، كيف ستتم إدارة التقليص؟ وهل ستكون بالتوازي، أم سيقلص أحدهما أولا؟
الإجابة: قدم بعض مسؤولي الفيدرالي حجة للبدء بسندات الرهن العقاري، حيث يبدو الدعم النقدي غير ضروري في ظل ارتفاع أسعار المنازل لدرجة ظهور علامات على فقاعات في سوق العقارات. ورغم أن ذلك يبدو منطقياً، فإنني أشك في أن الفيدرالي سيسير في ذلك الاتجاه. حيث انتهجت دورة التقليص التدريجية السابقة مسار تقليل المشتريات من سندات الخزانة والرهن العقاري بالتزامن، ويمكن لأي انحراف عن ذلك أن يلقي بظلال من الشك على جوانب أخرى من برنامج التطبيع.
ومع ذلك، حتى إذا بدأ الفيدرالي في تقليص جميع المشتريات في وقت واحد، فسيتم الانتهاء من الجزء الخاص بالرهن العقاري بشكل أسرع من نظيرتها الخاصة بسندات الخزانة. وللتوضيح، إذا قام البنك المركزي، على سبيل المثال، بخفض مشتريات كل من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري بمقدار 10 مليارات دولار شهرياً في كل اجتماع لصنع السياسة، فإن المشتريات المدعومة بالرهن العقاري ستصل إلى الصفر بعد 4 اجتماعات، مقارنة بـ8 اجتماعات لسندات الخزانة.
السؤال: إلى أي مدى سيكون التقليص سلساً؟
الإجابة: يعتمد ذلك على مدى إحراز تقدم صوب أهداف الفيدرالي الخاصة بالتوظيف والتضخم، وسيتم تعديل الخطوات بعد قياس التقدم الذي تم إحرازه، وسيوضح مسؤولو الفيدرالي أن العملية -على حد تعبير بيان ديسمبر 2013- "ليست على مسار محدد مسبقاً" وقد تتغير إذا استدعت الظروف الاقتصادية، ومع ذلك، فإن أي انحراف عن (الوتيرة التي تم قياسها) سيستلزم حدوث تغييرات جوهرية ومستمرة في الرؤية الاقتصادية.
السؤال: هل يمكن أن يرفع المسؤولون في الفيدرالي سعر الفائدة المستهدف قبل استكمال تقليص المشتريات؟
الإجابة: الأمر مستبعد للغاية.
أولاً، لأن شراء الأصول ورفع الفائدة قصيرة الأجل سيكون بمثابة إضافة محفزات بيد وأخذها باليد الأخرى، وهو أمر غير معقول استراتيجياً.
ثانياً، إذا كان أداء الاقتصاد أفضل من المتوقع وأراد الفيدرالي أن يسحب المحفزات بشكل أسرع، فيمكنه ببساطة تسريع وتيرة التقليص، وهو ما سيقود الأسواق للتنبؤ باقتراب رفع أسعار الفائدة كذلك.
ثالثاً، لن يشأ الفيدرالي إضعاف أداة سياسة نقدية هامة. تتوقع الأسواق أن تبدأ مستويات الفائدة في الارتفاع فقط بعد الانتهاء من تقليص المشتريات، وهذا التصور يزيد من تأثير مشتريات الأصول في المقام الأول، ويعرف المشاركون في السوق أن أسعار الفائدة ستظل عند الصفر طالما أن الفيدرالي يواصل الشراء.