
بلومبرغ
تهدف أول زيارة خارجية للرئيس الصيني، شي جين بينغ، هذا العام إلى استعراض نفوذ الصين في المنطقة. لكن تهديدات الرئيس دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية حولت الزيارة إلى محاولة لإقناع قادة جنوب شرق آسيا بعدم إبرام صفقات تضر بمصالح بكين.
يتوجه شي في جولة تشمل فيتنام وماليزيا وكمبوديا بدءاً من يوم الاثنين، وذلك بعد أيام فقط من قيام ترمب برفع الرسوم الجمركية على الصين، لكنه منح باقي الدول مهلة 90 يوماً.
من خلال رفع الرسوم الجمركية على منتجات الصين، يسعى ترمب إلى معاقبة بكين بسبب ردها، وفي الوقت نفسه يُغري الاقتصادات الآسيوية الأصغر لتقديم تنازلات لتجنب زيادات كبيرة في الرسوم الجمركية.
خطة الصين في حرب الرسوم
قال غريغوري بولينغ، مدير برنامج جنوب شرق آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: "من المؤكد أن شي سيجد جمهوراً أكثر تقبلاً الآن، مقارنةً بما كان عليه الحال لولا تلك الرسوم الجمركية. ومن المرجح أن تتجاهل فيتنام وكمبوديا أي مناشدات صينية تدعو إلى التمسك بالموقف، وعدم تقديم تنازلات للولايات المتحدة".
ويُرجح أن يقدم الزعيم الصيني بلاده على أنها شريك أكثر استقراراً مقارنةً بالولايات المتحدة في ظل حكم ترمب، الذي أدت سياساته المتقلبة بشأن الرسوم الجمركية إلى اضطراب الأسواق.
كما تُسلط زيارته الضوء على الوضع الصعب الذي تواجهه دول جنوب شرق آسيا. فقد أصبحت هذه الدول طرقاً رئيسية لوصول الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة منذ أن فرض ترمب الرسوم الجمركية في ولايته الأولى.
والآن، بينما تسعى هذه الدول للحصول على إعفاءات من الرسوم الجمركية الأخيرة، فإنها تشعر بالقلق أيضاً من احتمال توجيه السلع الصينية الرخيصة إلى أسواقها المحلية.
استقطاب دول جنوب شرق آسيا
في مقال نشرته صحيفة "نان دان" الفيتنامية يوم الاثنين، كرر شي انتقاده للحمائية التجارية، قائلاً إنه يجب على الصين وفيتنام العمل معاً على حماية نظام التجارة متعدد الأطراف واستقرار سلاسل التوريد. ويأتي ذلك فيما وضعت إدارة ترمب شروطاً واضحة، بينما تسعى دول مثل فيتنام وماليزيا وكمبوديا للتفاوض بنشاط لتفادي أي ضرر اقتصادي.
وكتب مستشار ترمب التجاري، بيتر نافارو، في مقال نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، أن الدول يجب أن "تتوقف عن السماح للصين بالتهرب من الرسوم الجمركية الأميركية من خلال إعادة تصدير السلع عبر دولكم"، مشيراً إلى فيتنام وكمبوديا كمثالين.
يضع الطلب الأميركي دول الجوار للصين بين خيارين كلاهما مر: إما قطع قناة تجارية مربحة مع أكبر شريك تجاري لها، أو مواجهة رسوم جمركية أميركية قاسية بنسبة 46% لفيتنام و24% لماليزيا و49% لكمبوديا.
من ينحاز إلى صف أميركا؟
توجد إشارات على أن بعض الدول بدأت بالفعل في التراجع، حيث اتخذت فيتنام خطوات للحد من الاحتيال في تحديد منشأ السلع، وهي خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها استجابة للمخاوف الأميركية بشأن إساءة استخدام إعادة التصدير من الصين.
قال زاكاري أبوزا، الأستاذ لدى الكلية الحربية الوطنية الأميركية في واشنطن، خلال مقابلة في بنوم بنه: "يصل شي جين بينغ إلى هنا وكأنه يطرق باباً مفتوحاً"، مشيراً إلى اعتماد سلسلة الإمدادات الإقليمية على الصين، ووجود بكين الدبلوماسي الدائم كعوامل رئيسية.
لكن مع ذلك، فمن المرجح أن تتجنب الدول، قدر الإمكان، الانحياز لأي طرف في التنافس الأميركي الصيني، وهذا الأمر يعود إلى اعتبارات سياسية واقتصادية.
كما أنه في هانوي (عاصمة فيتنام)، يسود انعدام ثقة عميق تجاه الصين بسبب النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، لكن الاقتصاد لا يزال يعتمد على المكونات والمواد الخام الصينية.
وعندما يصل شي إلى كوالالمبور، قد يواجه بيئة تجارية مماثلة، حيث صدرت ماليزيا بضائع بقيمة 44 مليار دولار إلى الولايات المتحدة العام الماضي، وهو ما يزيد قليلاً عن 41 مليار دولار إلى الصين.
على الحياد بين واشنطن وبكين
على الجانب الآخر، أكدت ماليزيا حيادها وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. ويرسل رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، مسؤولين إلى واشنطن سعياً لتخفيف الرسوم الجمركية، لكنه في نفس الوقت يسعى إلى توطيد العلاقات مع بكين.
المحطة الأخيرة من الجولة ستكون في كمبوديا التي تمثل الملاذ الأكثر أمانًا لشي. فالحكومة بقيادة رئيس الوزراء هون مانيت، التي ورثت موقف والده المؤيد للصين، تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الصينية لمشاريع البنية التحتية الطموحة، بما في ذلك بناء مطار دولي جديد في بنوم بنه يُتوقع افتتاحه في يونيو وقناة فونان التقنية الاستراتيجية. (مشروع قناة مائية في كمبوديا تدعمه الصين).
قال تشنغ كيملونغ، رئيس "ذا أيجين فيجن إنستيتيوت" (معهد الرؤية الآسيوية) في بنوم بنه، إنه عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة والصين، فإن أكبر مخاوف كمبوديا هو التنافس المتصاعد بين القوتين العظميين والآثار التي تحدث بعد رد فعل أو انتقام من طرف آخر. وأوضح كيملونغ على هامش "منتدى بواو" في جزيرة هاينان جنوب الصين خلال مارس: "اقتصاد كمبوديا مرتبط بشكل كبير مع الصين. وإذا استمرت الولايات المتحدة في اعتبار الصين وشركاءها التجاريين الآخرين منافسين، فقد يكون لذلك تأثيرات متتالية على قطاعات التصدير الكمبودية، بما في ذلك قطاع التصنيع".
ونظراً لعدم احتمال تقديم بكين تنازلات في القضايا الإقليمية، فإن وعودها بزيادة الاستثمارات والتعاون التجاري تُعد على الأرجح الحوافز التي يمكن أن تقدمها لتعزيز العلاقات.
في أغسطس الماضي، وعد شي بتوسيع مبادرة الحزام والطريق الصينية خلال اجتماع مع رئيس الحزب الشيوعي الفيتنامي تو لام في بكين. وطلب لام من شي الدعم التكنولوجي والاستثمار في البنية التحتية للنقل.
عندما زار رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ ماليزيا آخر مرة في يونيو، تعهدت الدولتان بتعميق الروابط الاقتصادية ودفع بناء مشاريع كبرى مثل مشروع خط سكة حديد الساحل الشرقي، وهو مشروع بتكلفة 10.6 مليار دولار.
استثمارات الصين في كمبوديا
بصفتها أكبر دائن لكمبوديا، يُمكن للصين على الأرجح أن تعتمد على استمرار العلاقات الوثيقة مع البلاد، رغم تهديدات ترمب. كما أن تقليص دور الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) وفر فرصة ملائمة لبكين، التي سارعت إلى دعم مبادرات محو الأمية والتغذية للأطفال، بعد تخلي الولايات المتحدة عن جهود مماثلة.
فيما يخص التجارة، قد تعرض بكين على جيرانها إمكانية وصول أوسع إلى السوق الصينية، رغم أن طبيعة الحواجز التجارية التي يمكنها خفضها أو إزالتها لا تزال غير واضحة.
الحواجز غير الجمركية
في العام الماضي، خفض شي الرسوم الجمركية على 33 دولة أفريقية منخفضة الدخل، وذلك خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي عُقد في بكين. وتتمتع كمبوديا بهذا الامتياز فعلياً، في حين من " المستبعد جداً" أن تنطبق المعايير على ماليزيا أو فيتنام الأغنى نسبياً، بحسب إريك أولاندر، الشريك المؤسس لمشروع "الصين والجنوب العالمي".
قال أولاندر: "المشكلة الكبرى بالنسبة للعديد من هذه الدول الفقيرة ليست الرسوم الجمركية، بل ما يُعرف بالحواجز غير الجمركية، التي تجعل من الصعب التصدير إلى الصين. ومن الطبيعي أن تفرض الصين متطلبات صحية صارمة على المنتجات الغذائية والزراعية، لكن كثيراً من هذه الدول الفقيرة تجد صعوبة في تحمل كلفة المعدات وعمليات التفتيش المطلوبة لتلبية تلك المعايير".
تُعد جولة الزعيم الصيني في جنوب شرق آسيا جزءاً من هجوم مضاد أوسع نطاقاً في مواجهة استراتيجية العزل التي ينتهجها ترمب. فبينما تُهدّد الرسوم الجمركية الأميركية بإعادة تشكيل التجارة العالمية، كثّفت بكين جهودها للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، الذي شهدت علاقاته مع واشنطن توتراً متزايداً.
وأفادت "بلومبرغ" في وقت سابق أن قادة الاتحاد الأوروبي يعتزمون السفر إلى بكين خلال يوليو للمشاركة في قمة مع شي. يشير استعداد الأوروبيين للقيام بالرحلة-رغم أن البروتوكول ينص على انعقاد القمة في بروكسل- إلى رغبتهم في تعزيز التواصل مع الصين كإجراء احترازي ضد تقلبات سياسة ترمب.
من جهته، أشاد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي أتم زيارته الثالثة إلى الصين خلال عامين، بالعلاقات بين البلدين يوم الجمعة، واصفاً بكين بأنها "شريك للاتحاد الأوروبي".
الصين تناور تحت الضغط
تجري هذه المناورات الدبلوماسية في حين تواجه الصين ضغوط اقتصادية، إذ قد تتأثر قطاعات التصدير لديها (المسؤولة عن ثلث النمو في العام الماضي) بشكل كبير بالرسوم الجمركية الأميركية على معظم السلع التي تتجاوز 145%.
كما تواصل الضغوط الانكماشية المستمرة وأزمة قطاع العقارات التأثير سلباً على النمو، مما يُقيد قدرة شي على جذب شركاء تجاريين من خلال الحوافز.
بالنسبة لدول جنوب شرق آسيا، فإن المخاطر الاقتصادية شديد الأهمية. فقرار تعليق الرسوم الجمركية من جانب ترمب يوفر فسحة مؤقتة لالتقاط الأنفاس، لكنه يفرض خياراً شبه مستحيل.
قال أبوزا، من كلية الحرب الوطنية الأميركية في واشنطن، إن تعليق الرسوم الجمركية لا يمنح هذه الدول سوى "إيقاف مؤقت لتنفيذ الحكم، بينما لا تزال الدول في موقف خطر للغاية كأنها تنتظر المصير المحتوم".