دعونا ننسى موضوع الغرامات البالغة 9 مليارات دولار التي فُرضت سابقاً على شركة "غوغل"، فهي بالكاد خدشت السطح؛ لكنَّها ستكون هذه المرة الضربة الموجعة بالفعل، فقد أعلنت المفوضية الأوروبية الثلاثاء الماضي عن فتح تحقيق رسمي في ممارسات عملاق البحث في مجال الإعلان عبر الإنترنت.
وبعد سنوات من التحقيقات في مكافحة الاحتكار، يُعدُّ هذا التحقيق الأكثر أهمية إلى حدٍّ بعيد، لأنَّه يركِّز على كيفية جني شركة "غوغل" فعلياً لمعظم أموالها.
تحصل الشركة الأم "ألفابت" (Alphabet Inc) على 81٪ من إيراداتها من الإعلانات عبر الإنترنت؛ التي بلغت 147 مليار دولار العام الماضي. وبالمقارنة؛ فإنَّ التحقيقات السابقة في الشركة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرَّاً لها نظرت في الممارسات التي كانت- على الرغم من أهميتها- مجرد متاخمة أو مساعدة في تعزيز هيمنة هذا العمل الأساسي. علاوةً على ذلك، تستهدف رئيسة مكافحة الاحتكار بالاتحاد الأوروبي، مارغريت فيستاغر، الآن الأعمال التي تجني الأرباح بحدِّ ذاتها.
هذا يعني أنَّ المخاطر أكبر؛ ففي حال تبيَّن أنَّ الشركة أساءت استخدام موقعها المهيمن؛ فإنَّ التغييرات التي قد تضطر "غوغل" إلى إجرائها سيكون لها تأثير أكثر عمقاً. وفي الواقع، عندما عوقبت الشركة من قبل الاتحاد الأوروبي في عام 2018 بسبب الطريقة التي أجبرت بها صانعي الهواتف الذكية على تثبيت محرِّك البحث، ومتصفّح الويب الخاصين بها كتطبيقات افتراضية على هواتفها، كان لهذه الخطوة تأثير ضئيل ملحوظ على عمليات "غوغل" المستمرة؛ فبعد كل شيء، نجحت الشركة بالفعل في التغلُّب على معظم المنافسة في أنظمة تشغيل الأجهزة المحمولة، باستثناء شركة "أبل" (Apple Inc).
مشهد معقد
أما الإعلان عبر الإنترنت، فهو موضوع مختلف لأنَّ "غوغل" تلعب دوراً مهيمناً عبر الويب؛ فحقيقة أنَّها تملك أكبر محرِّك بحث، مع موقع ويب لبثِّ الفيديو، وعملاء البريد الإلكتروني؛ ليس كل ذلك هو السبب الرئيسي للقلق؛ بل السبب يكمن في حقيقة أنَّ الموارد المالية للعناصر الثلاثة مرتبطة ببعضها من خلال الإعلانات التي تدفع لهم.
وتُمثِّل الإعلانات عبر الإنترنت مشهداً معقداً، إذ تبيع مواقع الويب المعلنين إمكانية الوصول إلى زوَّارها في الوقت الفعلي؛ وأفضل طريقة للتفكير في الأمر هي تشبيهه بدار المزادات العلنية، إذ تقدِّم العلامات التجارية باستمرار مزايدات ضد بعضها لعرض إعلاناتها على مستخدمي الويب. وفي هذا الصدد، تُعدُّ "غوغل" أكبر دار للمزادات. وبالتالي، في حال كنتُ أعمل في مجال الواجهات الصفراء، على سبيل المثال؛ فإنَّني أُخبر "غوغل" بالمبلغ الذي أرغب في دفعه مقابل عرض إعلاني لشخص يبحث في "غوغل" أو "يوتيوب" (YouTube) عن عناصر الواجهة الصفراء أو يزور موقع ويب يعرض إعلانات من شبكة إعلانات "غوغل". وفي المرة التالية التي يظهر فيها زائر، يتمُّ احتساب عرض السعر الخاص بي في جزء من الثانية مقابل ما يرغب الآخرون الذين يملكون منتجاً مماثلاً في دفعه، ثم تعرض "غوغل" إعلان صاحب أعلى عرض سعر.
المشكلة هي أنَّ "غوغل" تمتلك كل القوة. وفي تشبيه دار المزادات؛ فإنَّ الشركة هي وكيل المشتري، ووكيل البائع، وفي كثير من الأحيان البائع أيضاً؛ إذ لديها الفرصة والحافز على حد سواء من أجل: أ) طلب ثمن أعلى من المعلنين الذين ليس لديهم أي إمكانية معرِّفة بقيمة العروض المتنافسة. ب) إرسال المزيد من العائدات إلى مواقع الويب الخاصة بها، إذ يمكنها أن تقرر توجيه الإنفاق الإعلاني الخاص بي نحو "يوتيوب"، بدلاً من موقع فيديو آخر.
تحقيقات سابقة
والسؤال هنا هو ما إذا كانت "غوغل" تستخدم هذه المزايا، وهذا هو الموضوع الذي يُحقق فيه الاتحاد الأوروبي الآن. إذ يستند الاتحاد إلى تحقيقات سابقة أجرتها هيئة المنافسة والأسواق البريطانية، ولجنة المنافسة والمستهلكين الأسترالية. وقررت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية في عام 2020 أنَّ "موقع شركة "غوغل" القوي على كلِّ مستوى من مستويات سلسلة قيمة الوساطة يخلق تضارباً واضحاً في المصالح".
وبالطبع، هناك خطر على الاتحاد الأوروبي أيضاً؛ فمن الجيد أن تعالج جهة تنظيمية هادفة أخيراً السؤال الأكثر أهمية فيما يتعلَّق بدور "غوغل" الضخم في البحث عبر الإنترنت واقتصاديات الإنترنت، لكنْ هناك احتمال أن ينتهي التحقيق، إمَّا بإعطاء ممارسات "غوغل" الإعلانية شهادة صحية نظيفة، أو التوصية بعلاجات غير كافية أو غير فعَّالة.
لذلك؛ فهناك الكثير على المحك، ليس فقط بالنسبة لـ "غوغل"، وإنَّما للمفوضية نفسها أيضاً. فلتبدأ المعركة.