
بعد أيام من الفوضى، بدا أن هناك أمراً يبعث على الارتياح. فقد أعلن البيت الأبيض يوم الأربعاء عن مهلة مدتها 90 يوماً تُعفي معظم الدول من جدول الرسوم الجمركية الجديد والصارم.
ارتفعت الأسواق لفترة وجيزة، وأعلنت الإدارة انتصارها... ثم عادت الفوضى. ومهما كانت نهاية هذه التجربة، هناك درس لا بد من تكراره: إذا كان الكونغرس يريد تفادي فوضى مماثلة في المستقبل، فعليه أن يستعيد سلطته على السياسة الجمركية من السلطة التنفيذية.
لحسن الحظ، يبدو أن بعض مراكز القرار في "كابيتول هيل" بدأت تتصرف بعقلانية. من بين المبادرات الجارية، هناك مشروع قانون من الحزبين يدور حالياً في مجلس الشيوخ، بدعم سبعة من أعضاء الحزب الجمهوري، يقضي بضرورة حصول أي رسوم جمركية يقترحها الرئيس على موافقة الكونغرس خلال 60 يوماً، مع منحه صلاحية إلغائها في أي وقت. يحظى مشروع قانون مشابه في مجلس النواب بدعم من الحزبين أيضاً، رغم أنه سيواجه عقبات إجرائية.
على الرغم من أن مشاريع القوانين هذه لا يُتوقع تمريرها قريباً، إلا أنها كان يجب أن تُتخذ منذ وقت طويل. مع أن الدستور يمنح الكونغرس سلطة تحديد السياسة الجمركية، فإنه تنازل تدريجياً عنها على أساس أن الرؤساء أكثر قدرة على توسيع التجارة الحرة من مشرّعين ذوي توجهات محلية ضيقة. هذه المعادلة كانت لها ثمارها على مدى عقود، وساعدت في جعل الاقتصاد الأميركي أكثر انفتاحاً وابتكاراً وازدهاراً.
انهيار معادلة إقرار الرسوم
لكن الإدارة الحالية نسفت تلك المعادلة للأسف. ففرضت منذ بداية الشهر، مجموعة من الرسوم الجديدة، من بينها تعريفة أساسية بنسبة 10%، ورسوم إضافية مرتفعة على الصين، ورسوم "متبادلة" غير محددة على عشرات الدول الأخرى، الأمر الذي أدى إلى انهيار الأسواق وارتفاع حاد في عائدات سندات الخزانة. قدّر خبراء الاقتصاد في "غولدمان ساكس غروب" احتمال حدوث ركود خلال العام المقبل بنسبة 45%.
على الرغم من أن المهلة المعلنة ستساهم جزئياً في تخفيف التوتر، فإن الوضع لا يزال خطيراً. فالرسم الأساسي سيظل قائماً، وكذلك الرسوم المفروضة على الصين. كل شريك تجاري تقريباً للولايات المتحدة سيكون مطالباً على ما يبدو بالتفاوض على قواعد جديدة بالكامل في غضون ثلاثة أشهر فقط، وإلا فسيواجه مزيداً من الاضطراب. وربما تغيّر الإدارة رأيها مرة أخرى خلال هذه الفترة.
من الواضح أن الكونغرس لم يكن يتصور أن يعيد رئيس صياغة النظام التجاري العالمي من جانب واحد، وأن يعبث بالأسواق بطريقة ارتجالية تضر بمعظم الأميركيين، حين فوض سلطة فرض الرسوم الجمركية. (هناك دعوى قضائية بهذا الشأن قيد النظر حالياً). ومع ذلك، فإن استعادة تلك السلطة ستكون مهمة شاقة. فقد تعهّد الرئيس باستخدام الفيتو ضد مشروع القانون في مجلس الشيوخ، ومن غير المرجح أن ينجح المشرعون في حشد الأصوات اللازمة لتجاوز ذلك الفيتو.
موقف الجمهوريين
لكن هذا الجهد قد يكون ذا تأثير رغم كل شيء. فلنتذكر أن مسؤولاً منتخباً واحداً فقط في واشنطن يبدو أنه يدعم هذه الرسوم دون تحفظ. ("لا أفهم تماماً هذه الاستراتيجية"، عبارة قالها عضو مجلس الشيوخ الجمهوري رون جونسون بدبلوماسية، مضيفاً: "ولا أظن أن أحداً آخر يفهمها").
إذا استمرت شعبية الرئيس في التراجع خلال الأشهر المقبلة، واستمرت التكاليف التي يتحملها المستهلكون والشركات في الارتفاع، فإن المزيد من الجمهوريين سيجدون دافعاً لتسجيل اعتراضهم، خاصة إذا استمر حزبهم في تحقيق نتائج ضعيفة انتخابياً.
ينبغي لهم التأكيد على أن سياسة الرئيس التجارية المتخبطة قد تهدد بقية أجندته، بما في ذلك تمديد التخفيضات الضريبية ومشروعات قوانين الطاقة والهجرة.
يمكن أن يُسهم جهد منسق لاستعادة السيطرة على السياسة الجمركية، إذا فشلت الإدارة في التراجع عن هذا النهج، في تركيز انتباه المشرعين. كما قال أحد النواب الجمهوريين: "أريد لذلك المشروع أن يكون حاضراً".
في ظل هذه الهدنة القصيرة، لدى المشرعين فرصة للضغط على الرئيس للبدء في إبرام الصفقات، وتخفيف الأضرار، وإنهاء هذه التجربة المتهورة. وعليهم اغتنام هذه الفرصة ما دام ذلك ممكناً.