بلومبرغ
قد تُعتبر قاعدة "صوت واحد للسهم الواحد" من مبادئ الاستثمار البديهية، لكنّ الواقع يقول غير ذلك، فبالنسبة لشركات مثل "فورد موتور كو" (Ford Motor Co)، و"ألفابت إنك" (Alphabet Inc) الشركة الأمّ لـ"غوغل" (Google)، تُقسّم الأسهم إلى فئات مختلفة، وتُعرف باسم "أسهم الفئة المزدوجة"؛ لمنح مالكي الأسهم من إحدى الفئات حقوق تصويت أكثر من مالكي الأسهم من الفئة الأخرى.
ويعتبر البعض هذا الإجراء مهم كونه يسمح لمالكي القليل من الأسهم، الذين يكونون عادة مؤسّسي الشركة أو مدراءها، بالاحتفاظ بسيطرتهم عليها، إلا أن المستثمرين المتذمّرون من طبيعة أسهم الفئة المزدوجة غير الديمقراطية منذ سنوات، يستمرّون في شراء أسهم في هذه الشركات، بينما تعمل الجهات التنظيمية وأسواق البورصة على تحديد قواعد إجرائية بشأنها، لكن بعض البورصات التي تمنع أسهم الفئة المزدوجة قد تسمح بها بعد احتدام المنافسة.
ويرجع قرار السماح إلى أنّ هذه البورصات تسعى إلى إدراج أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة المتزايدة التي تعتمد نظام أسهم الفئة المزدوجة، لكنّ مزودي مؤشرات الأسهم، الذين غالباً ما تتضمّن قوائمهم أسهم الفئة المزدوجة، غاضبون من الوضع الحالي للأمور.
الوضع الحالي
بالغت شركة "سناب إنك" (Snap Inc) المالكة لتطبيق مشاركة الصور في اعتمادها لنظام أسهم الفئة المزدوجة، وذلك عندما لم تمنح أيّ حقّ في التصويت للمستثمرين في الطرح العام الأولي، الذي بلغت قيمته 3.4 مليار دولار في عام 2017، أما شركة "سبوتيفاي" (Spotify) لخدمات البثّ الموسيقي، فلم تطرح أسهمها للاكتتاب أصلاً، وسمحت لمالكي الشركة بالحفاظ على سيطرتهم بعد إدراج أسهمها في البورصة في 2018.
ويمنح نظام أسهم الفئة المزدوجة لشركة "فيسبوك إنك" (Facebook Inc)، صاحبة شبكة التواصل الاجتماعي العملاقة، لمؤسس الشركة "مارك زوكربيرج" (Mark Zuckerberg) أقل من 1% من الأسهم المتداولة للشركة، و60% من حقوق التصويت فيها.
ولكنّ نظام أسهم الفئة المزدوجة يواجه معارضة متزايدة، ففي عام 2017 ألغت "فيسبوك" خطة لإنشاء فئة جديدة من الأسهم، بعدما اتّخذ المساهمون إجراءات قانونية بحقها. وفي أوائل العام نفسه أيضًا، دعا "مجلس المستثمرين المؤسسيين" (Council of Institutional Investors) في الولايات المتحدة، والذي يضمّ من بين أعضائه صناديق تقاعد حكومية، إلى استبعاد إدراج أسهم الفئة المتعددة من مؤشرات الأسهم.
وقد استجاب عدد من أكبر مزودي المؤشرات العالمية لذلك، إذ قرّرت كلٌّ من شركة "إس آند بي داو جونز إنديسيز" (S&P Dow Jones Indices) و"إف.تي.إس.إي راسل" (FTSE Russell)، البدء باستبعاد بعض أسهم الفئة المزدوجة.
على سبيل المثال، تُعتبر شركة "سناب" غير مؤهلة حالياً للإدراج ضمن مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500)، ما يعني أنّ صناديق الاستثمار غير النشطة، التي ترصد استثماراتها هذا المؤشر، وتبلغ قيمتها تريليونات الدولارات، ليست مضطرة لشراء أسهم شركة "سناب". وفي الوقت نفسه، فإنّ البورصات التي تحظر أسهم الفئة المزدوجة أو تحدّ منها تدرس تخفيف القيود عليها؛ خوفاً على مكانتها الحالية كمراكز مالية.
وسمح مشغّلو البورصة في هونغ كونغ (SEHK) بأسهم الفئة المزدوجة في 2018، ما فتح الباب أمام الطرح الأّولي العام لشركة "شياومي كورب" (Xiaomi Corp.)، والذي وصل إلى 5.4 مليار دولار. كما خسرت "بورصة هونغ كونغ" لصالح "بورصة نيويورك" (New York Stock Exchange) في عملية إدراج "مجموعة علي بابا القابضة" (Alibaba Group Holding Ltd.) التي سجّلت رقماً عالمياً بلغ 25 مليار دولار في 2014.
وغيّرت بورصة سنغافورة أنظمتها للسماح باعتماد أسهم الفئة المزدوجة، كما تناقش الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة التخفيف من صرامة الأنظمة المتعلقة بها.
الخلفية
أثارت شركة "دودج براذرز" (Dodge Brothers) لصناعة السيارات ضجة عام 1925، في "بورصة نيويورك"، عندما اتضح أنّ أصحاب الشركة يسيطرون بالكامل على حقوق التصويت فيها، رغم أنّهم يمتلكون 1.7% من أسهمها فقط، وأدّى ذلك إلى وضع نظام يضيف قيوداً على اعتماد نظام أسهم الفئات المتعددة في عام 1940، لكنه أُلغي بعد 46 عاماً من وضعه، عندما هددت بعض الشركات بإدراج أسهمها في بورصة أخرى.
وبعدما كانت أسهم الفئة المزدوجة تُعتمد غالباً في الشركات العائلية، مثل "فولكس واجن إيه جي" (Volkswagen AG)، و"فورد" (Ford)، والشركات الإعلامية مثل "ذا نيويورك تايمز كو" (The New York Times Co)، فُتح الباب أمام الكثير من الشركات في عام 2004 لاعتمادها مع الطرح العام الأولي لأسهم الفئة المزدوجة لشركة "غوغل"، وسرعان ما تبنّت هذا النظام شركات، منها "لينكد إن" (LinkedIn)، و"غروبون" (Groupon)، و"زينغا" (Zynga)، و"فيسبوك"، و"فيتبيت" (Fitbit)، في حين قامت "غوغل" بطرح أسهم من دون حقوق تصويت فيها في عام 2014.
يشار إلى أن الأسهم متعددة الفئات مسموحة في العديد من الدول الأوروبية وفي كندا والبرازيل، وقد جذبت الولايات المتحدة الأمريكية عمليات لإدراج أسهم من هذا النوع بقيمة 34 مليار دولار من الشركات الصينية فقط في العقد الماضي.
النقاش الدائر
يرى منتقدو أسهم الفئة المزدوجة أنها تتعارض مع الفكرة الأساسية التي تفيد بأنّ من يؤمّن رأس المال يجب أن يكون له رأي في طريقة إدارة الشركة، وذلك لأنها تعتبر بعض المستثمرين أهم من سواهم. فيما يؤكد الداعمون أنّ هذه الأسهم تمكّن المسؤولين التنفيذيين من التركيز على المدى الطويل ومقاومة توقّعات كبار المستثمرين الذين يرون أنّ الأرباح ربع السنوية ستكون دائماً أفضل من سابقاتها.
كما يرون أنّه من الخطأ إبقاء الشركات المدرجة بأسهم الفئة المزدوجة خارج المؤشرات، لأنّ هذا قد يمنع رواد الأعمال من طرح شركاتهم للاكتتاب العام، ما يحرم المستثمرين من المساهمة في بعض أكثر الشركات ابتكاراً، بالإضافة إلى ذلك، يقول الداعمون لهذه الأسهم إنّ تنظيم أسهم الفئة المزدوجة ليس من مسؤولية مزودي مؤشرات الأسهم.
ورغم كلّ ما سبق، لا يوجد دليل واضح وثابت على أنّ أسهم الفئة المزدوجة ستؤدي إلى نتائج أفضل أم أسوأ للشركات، ورغم المقاومة التي يبديها الكثير من المستثمرين المؤسسين، فإنّهم في النهاية يشترون حصصاً في هذه الشركات، وبعض هذه الحصص كبير جداً.
وعلى سبيل المثال، فإن صندوق الثروة السيادية في النرويج الذي يُعتبر أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، عارض نظام أسهم الفئة المزدوجة، ولكنّه من بين أكبر المستثمرين في "فيسبوك" (Facebook)، و"ألفابت" (Alphabet)، التي تعتمد هذا النظام لأسهمها.