لا تزال الاقتصاديات الأفريقية تتفوق، إلى حدٍّ ما، على باقي مناطق العالم في أدائها خلال فترة انتشار فيروس كورونا، بعد كل ما حدث في عام 2020
وتضمُّ دول القارة الأفريقية، البالغ عددها 54 دولة، 7 من أسرع الاقتصاديات نموَّاً في العالم حالياً. ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن الجائحة حسَّنت قليلاً من المزايا التنافسية لهذه الدول، من خلال تسريع عمليات التحوُّل القائمة منذ 10 سنوات، من كونهم مُصدِّرين للموارد الطبيعية إلى مراكز للتجارة الإلكترونية.
ينعكس التحول نحو الأعمال التي تدفعها تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين في منطقة سكانها أصغر سناً من أيِّ مكان آخر في العالم على المنظور المتغير الذي يشكل أفريقيا المؤسساتية.
وأصبح لشركات الاتصالات وجود حيوي، وشغلت حوالي 29% من إجمالي رأس المال في القارة في عام 2020، بالمقارنة مع ـ 13% قبل عقد مضى، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". في حين تراجعت حصة المواد والطاقة إلى 23% من 34%، بعد أن كانا يشكِّلان العلامة الفارقة للمنطقة منذ عهد الاستعمار خلال المدة نفسها.
واستطاعت أفريقيا إعاقة تطور انتشار كوفيد 19 بشكل أفضل من العديد من المناطق النامية. فعدد الحالات المسجَّلة للإصابة بفيروس كورونا في أضخم دول القارة، جنوب أفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، قد بلغ أدنى مستوى له منذ أبريل أو مايو، وفقاً للبيانات التي جمعتها كلية "جونز هوبكينز بلومبرغ" للصحة العامة. وعلى الجانب الآخر، أصبحت المكسيك في وقت سابق من هذا الشهر رابع دولة، تتجاوز أعداد الإصابات فيها 100.000 وفاة مؤكدة بكوفيد 19 بعد الولايات المتحدة (257.929)، والبرازيل (169.485) والهند (134.218) وسط تأجُّجٍ جديدٍ لموجة فيروس كورونا الحديثة. وسجَّلت جنوب أفريقيا، سادس دولة في أفريقيا بعدد السكان، 20.968 حالة وفاة من أصل 767.759 إصابة بكوفيد 19.
وتحمَّلت اقتصاديات إثيوبيا وأوغندا وساحل العاج ومصر وغانا ورواندا وكينيا، الأثر الاقتصادي للوباء بنجاح كبير، إلى درجة أنها كانت بين أسرع 10 اقتصاديات نمواً في العالم في عام 2020. خمسة منها على الأقل، يتوقع أن تستمر في تحقيق نموها النخبوي حتى عام 2022، وفقاً لتوقُّعات الاقتصاديين التي جمعتها "بلومبرغ" خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ومنذ عامين كانت أفريقيا تضمُّ ثلاث دول من أفضل الاقتصاديات أداءً، وفي عام 2015 زاد العدد إلى أربع.
ارتفعت قيمة أسهم أكبر 200 شركة عامة في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى بنسبة 13% هذا العام مع ارتفاع مؤشر الأسواق الناشئة بنسبة 12%، وخسارة مؤشر السوق الحدودية الأكثر خطورة بنسبة 3%، وفقًا لبيانات جمعتها "بلومبرغ". وتقدَّمت الشركات الأفريقية بنسبة 7% خلال العامين الماضيين مع تقدُّم الأسواق الناشئة بنسبة 33%، واكتسبت السوق الحدودية 12%. كما ارتفعت قيمة الشركات الأفريقية نفسها، البالغ عددها 200 شركة بنسبة 324%، على مدار خمس سنوات مع ارتفاع الأسواق الناشئة بنسبة 67%، وارتفعت السوق الحدودية بنسبة 27%.
وقادت الشركات العاملة في مجال السلع في أفريقيا جميع الصناعات بعائد إجمالي قدره 188% مدة عامين (دخل وتخمين) الذي صغَّر نسبة 37%، التي حقَّقها نظراؤها العالميون، وعاد قطاع التكنولوجيا الناشئ بنسبة 123%، عندما ارتفع المؤشر العالمي المقارن 92%.
وتضمُّ شركات نجوم التكنولوجيا "كارتراك هولدينغ ليمتد"، شركة البرمجيات، ومقرها "جوهانسبرج"، التي تجمع بيانات السيارات المنقولة خلال القيادة، مما يوفِّر للمستخدمين السلامة والأداء الذكي، فقد ارتفع سعر سهمها بنسبة 76% حتى الآن في عام 2020. وكانت قيمة "سي بي زد هولدينغ ليمتد"، ومقرها "هراري" في "زيمبابوي" مع أعمال رقمية مزدهرة، أعلى بـ11 مرة هذا العام من الماضي. وارتفعت "إم تي إن نيجيريا كوميونيكيشنز"، خدمة الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تتخذ من "لاغوس" في نيجيريا مقراً لها، التي استفادت بشكل خاص من عمليات الإغلاق بسبب Covid-19 ، بنسبة 58% في عام 2020؛ وانخفضت بقية الاتصالات العالمية بنسبة 1% .
وتمتلك نيجيريا أفضل الأسهم من جهة الأداء في العالم هذا العام. من بين 93 سوقاً رئيسياً للأسهم في العالم، واحتل مؤشر البورصة النيجيرية لجميع الشركات الذي يضم 153 شركة المرتبة الأولى مع إجمالي عائدات بنسبة 27%، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرج. وحقَّق قطاع الاتصالات، الذي يمثل 28% من المؤشر هذا العام، ارتفاعاً من أقل من 1% عام 2015، و68%، متجاوزة المرتبة الثانية في مجال الرعاية الصحية.
إنَّه أفضل عائد لما يمكن أن يأتي للمستثمرين في الشركات الأفريقية. ويعدُّ "غلوبال إكس إم إس سي آي نيجيريا"، أكبر صندوق يتم تداول أصوله المستثمرة في سوق الأوراق المالية في البلاد، ولديه أكبر خصم بنسبة 32%، وهو رقم قياسي منذ إنشاء الصندوق عام 2013. والمعنى: حظيت أكثر من 20 شركة نيجيرية في "إي تي إف" بتقدير أسرع بكثير من نظيراتها، إلى الحدِّ الذي يتمُّ فيه التقليل من قيمتها بشكل صارخ.
كما قام المستثمرون باقتناص الشركات الأمريكية التي تمكِّن الناس من العمل واللعب عن بعد، إذ تبدَّى اتجاه مماثل عبر المحيط الأطلسي. هذا الوباء العالمي مشكلة للجميع، لكنه أثبت أنَّه فرصة للربح في أفريقيا.