زادت وتيرة تقلُّبات الأسواق المالية الأمريكية عقب انتهاء اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي، وكانت أكثر وضوحاً على صعيد سندات الخزانة الأمريكية التي تشهد تسطُّح منحنى العائد وسط ترقُّب الأسواق، لما تشير إليه العلاقة بين تغيرات عائد السندات على اختلاف آجال استحقاقها للوقوف على توقُّعات المستثمرين لمسار الاقتصاد الأمريكي.
دفعت مخاوف المستثمرين على مدار شهور من ارتفاع معدلات التضخم إلى بناء مراكز استثمارية في السندات ذات آجال الاستحقاق التي تتراوح بين 3 سنوات و7 سنوات، وذلك مقابل تخفيف مراكزهم في السندات ذات آجال الاستحقاق التي تتراوح بين 10 سنوات و30 سنة. لكن الأسبوع الماضي وخلال ثلاثة أيام فقط، شهدنا تغيُّر ذلك التوجه تماماً، إذ يشير ما يسمى بتسطُّح منحنى العائد إلى أنَّ المستثمرين باتوا يتوقَّعون في الوقت الحالي اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي إجراءات للحدِّ من التضخم.
انخفض الفارق بين عوائد السندات لأجل 5 سنوات و30 عاماً إلى 24 نقطة أساس ليسجل بذلك أدنى مستوى منذ أواخر العام الماضي، وذلك بالتزامن مع إشارة الاحتياطي الفيدرالي لاحتمالية رفع أسعار الفائدة في 2023 وبشكل مبكِّر عما كان متوقَّعاً، مما أعقبه ارتفاع عوائد السندات التي تتراوح آجالها بين سنتين إلى 5 سنوات.
وتشير تلميحات الاحتياطي الفيدرالي بشأن تطبيق سياسة نقدية أكثر تشدداً إلى زيادة احتمال رفع الفائدة مبكراً، مما يحدُّ من توقُّعات النمو الاقتصادي، ومن ثمَّ التضخم أيضاً، وهو ما تزامن مع انخفاض عوائد السندات آجال 10 سنوات، فيما كان التراجع الأكبر بمنحنى عائد السندات الأمريكية للسندات ذات أجل 30 سنة.
يحمل تحرُّك الاحتياطي الفيدرالي المبكر أكثر من اللازم مخاطرَ في ظل ظهور مؤشرات على أنَّ الاقتصاد لم يصل للزخم المطلوب. إذ يعتمد الاقتصاد الأمريكي بنسبة 70% على الإنفاق الاستهلاكي في الوقت الذي جاءت فيه أحدث بيانات للتوظيف ومبيعات التجزئة أقل من التوقُّعات، مما يجعل أي تشدد مبكر أكثر من اللازم يتسبب في تزايد احتمال تباطؤ الاقتصاد بشكل أسرع من الوتيرة التي يهدف إليها الاحتياطي الفيدرالي، ويهدد بتكرار سيناريو عام 2018. لذلك قد يتحوَّل المستثمرون إلى السندات ذات الآجال الأطول في إشارة على تزايد القلق بشأن النمو الاقتصادي.
هناك أيضاً قضية جميع عقود الخيارات للأسهم، ومؤشرات الأسهم، والعقود الآجلة للمؤشرات التي انتهت صلاحيتها يوم الجمعة (ما يسمى بتأثير "السحرة الثلاثية")، وهو ما يعني تقليدياً أنَّ المتداولين يوازنون مراكزهم ودفاترهم، وهو ما يشوِّه الشعور الحقيقي الذي تشير إليه الأسواق. لذلك من المحتمل أن يستغرق الأمر أسبوعين آخرين للحصول على صورة أوضح لما يفكر فيه المستثمرون حقاً. إذا تحرَّك عائد 10 سنوات (الآن عند 1.48%) بالقرب من 1.6%، فسينفي ذلك حجة تباطؤ الاقتصاد، وسيعني أنَّ حركة السوق كانت بسبب إعادة بناء المراكز الاستثمارية. وقد يعني هذا أنَّ قوة الدولار الأخيرة، وصعود أسهم شركات التكنولوجيا -التي من المفترض أن تتحرَّك في الاتجاه المخالف في حالة وجود تباطؤ في نمو الاقتصاد الأمريكي- قد تستمر لفترة أطول قليلاً.
يشير متوسط توقُّعات المحللين الذين شملهم استطلاع بلومبرغ إلى ارتفاع عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى 1.80% بنهاية العام، مما يعني أنَّ معدلات نمو الاقتصاد والتوظيف ستكون أقوى، وإن كان تحسُّنها بوتيرة أبطأ مما قد يستهدفه الاحتياطي الفيدرالي.