الأسواق العالمية تواصل الانهيار وسط تصعيد أزمة الرسوم الجمركية

تعمّق الانهيار الذي تشهده الأسواق المالية حول العالم، مع تواصل موجة الهبوط القاسية التي أطلق شرارتها الرئيس الأميركي دونالد ترمب عبر قراراته الجمركية، إذ تهاوت الأسهم بلا هوادة، وتُظهر العقود الآجلة للأسهم الأميركية أن خسائر الأسبوع الماضي التي بلغت 5 تريليونات دولار لم تنتهِ بعد.

وتُشير العقود الآجلة لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" إلى تراجع بنحو 5% عند بدء جلسة التداول في "وول ستريت". في المقابل، قفز الإقبال على سندات الخزانة الأميركية، ما دفع العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى مستوى 3.9%. ومن شنغهاي إلى لندن، هرع المستثمرون إلى تصفية أصولهم عالية المخاطر. وفي أوروبا، تهاوى مؤشر "ستوكس 600" بنسبة 6%، فيما سجّل مؤشر آسيا أكبر تراجع له منذ 2008.

وفي تصريحات مساء الأحد، تبنّى ترمب نبرة متحدية تجاه سياسته الجمركية، مُبدداً أي آمال بتغيير وشيك، وقال للصحفيين: "انسوا الأسواق لوهلة". وأضاف أن بلاده لن تخفض أعلى الرسوم المفروضة إلا إذا تم القضاء بالكامل على العجز التجاري مع الدولة المعنية. وتابع: "لا أريد أن ينخفض أي شيء، لكن أحياناً عليك تناول الدواء لإصلاح الوضع".

ورأت كارين جورج، مديرة صناديق الأسهم في شركة "إيكوفي"، أن "هذا الانهيار يبدو كأنه كوفيد من جديد، لكنه من صنع الإنسان"، مضيفة: "نقترب من لحظة لم يعد فيها أمام صناديق الأسهم طويلة الأجل أي ملاذ آمن".

القلق في صفوف المستثمرين بلغ ذروته، بعدما اتضح أن الإدارة الأميركية هذه المرة لا تعتزم التدخل لإنقاذ الأسواق، في ظل إعلان الصين الجمعة عزمها فرض رسوم انتقامية على الولايات المتحدة. ومع احتدام الاضطرابات، حاول بعض المقربين من ترمب ثنيه عن تنفيذ خططه، مع اقتراب مهلة 9 أبريل لتفعيل الرسوم المتبادلة.

وكتب الملياردير بيل آكمان، مؤسس صندوق التحوط "بيرشينغ سكوير" وأحد أبرز داعمي ترمب، عبر منصة "إكس": "أؤمن بشدة أن فرض رسوم جمركية في 9 أبريل على العالم بأسره –وبنسب تتجاوز كثيراً ما يُفرض علينا– هو خطأ جسيم". ودعا إلى تأجيل تنفيذ الرسوم لمدة 90 يوماً، قائلاً إن "ترمب ليس معصوماً من الخطأ".

وختم قائلاً: "هذا ليس ما انتخبناه من أجله".

الأسواق تترقب تحرك بكين

فيما تتلاشى الآمال بشأن مهلة محتملة تقودها واشنطن، تابعت الأسواق والمسؤولون عن كثب ردّ فعل محتمل في بكين، وسط تصاعد التكهنات بأن الصين قد تلجأ إلى خفض حاد في قيمة اليوان، بعدما أعلنت حكومة الرئيس شي جين بينغ الأسبوع الماضي عن رسوم جمركية انتقامية بنسبة 34% على السلع الأميركية.

وقال كين تشيونغ، كبير استراتيجيي العملات في منطقة آسيا لدى "ميزوهو بنك" في هونغ كونغ: "هذا أكثر سوق يشهد تقلبات منذ تفشي كوفيد، ونحن لا نزال في بداية ولاية ترمب". وأضاف أنه تلقى اتصالات بشأن رد فعل الصين، لكنه أشار إلى أنه "من المستحيل تقديم إجابة دقيقة حالياً بالنظر إلى سرعة تطورات الأمور".

ورغم أن السلطات الصينية لطالما أعطت الأولوية لاستقرار العملة، فإن المحللين يرون أن التحركات الأميركية قد تدفعها إلى إعادة النظر. فمن شأن خفض قيمة اليوان أن يجعل السلع الصينية أرخص في الخارج، مما يُخفف بعضاً من تأثير رسوم ترمب، بينما يزيد تكلفة شراء السلع الأميركية داخل الصين.

لكن خفض قيمة العملة سيحمل تبعات باهظة، من بينها خطر تسرب رؤوس الأموال. وسجّل اليوان في الأسواق الخارجية تراجعاً بنسبة 0.3%.

ناقش صانعو السياسات في الصين، خلال عطلة نهاية الأسبوع، إجراءات تهدف إلى استقرار الاقتصاد والأسواق، بما في ذلك تسريع خطط إطلاق حوافز مالية لتحفيز الاستهلاك، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

وفي افتتاحية على الصفحة الأولى نشرتها صحيفة "تشاينا بيبولز ديلي" الرسمية يوم الإثنين، حذّرت السلطات من الهلع، مؤكدة أن "السماء لن تسقط، حتى لو تسببت إساءة استخدام الولايات المتحدة للرسوم الجمركية ببعض الأضرار لنا".

خارج الصين، زادت موجة البيع الحادة من حدة المخاوف القائمة بشأن ركود عالمي، كما رفعت التوقعات بأن يتدخل "الاحتياطي الفيدرالي"، رغم أن شبح "الركود التضخمي" الناتج عن الرسوم يجعل الاستجابة أكثر تعقيداً.

وانضمت شركة "تي دي سيكيوريتيز" إلى "غولدمان ساكس غروب" و"يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت" في تقديم توقيتاتها بشأن بدء دورة التيسير النقدي من جانب "الفيدرالي"، بل ذهبت إلى حد التوقع بأن ينخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 3% هذا العام.

وكتب محللون في "تي دي"، من بينهم أوسكار مونيوز، في مذكرة بتاريخ 6 أبريل: "نمنح احتمالاً بنسبة 50% لوقوع الاقتصاد الأميركي في حالة ركود". وأضافوا أنهم قدموا توقعاتهم لأول خفض للفائدة من يوليو إلى يونيو، وتوقعوا أن "تقوم اللجنة بخفض الفائدة في كل اجتماع حتى مايو 2026".

أسواق آسيا تهوي.. ووزير الخزانة الأميركي يقلل من المخاوف

قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، في تصريحات أدلى بها الأحد، إنه "لا يوجد سبب" لتسعير ركود اقتصادي، معتبراً أن ما يحدث في الأسواق من اضطرابات هو مجرد ردود فعل قصيرة الأمد من "كائنات عضوية"، على حد تعبيره.

وأضاف بيسنت: "نشهد مثل هذه التحركات القصيرة في الأسواق من حين لآخر"، مشيراً إلى أن "السوق تستخف بدونالد ترمب بشكل متكرر".

اقرأ المزيد: بيسنت يتحدى الانتقادات بشأن الرسوم رافضاً مخاوف الركود في أميركا

وفي تايوان، هوى مؤشر الأسهم بنسبة بلغت 9.8% عند إعادة فتح السوق بعد عطلة، وهو أكبر تراجع يسجل على الإطلاق، ما وضع السوق في مسار نحو السوق الهابطة.

أما في اليابان، فتم تعليق العقود الآجلة لفترة وجيزة بعد تفعيل آلية "قاطع الدائرة" (Circuit Breaker)، في حين انخفضت أسهم "نينتندو" و"سوني غروب" بأكثر من 10%. وفي كوريا الجنوبية، تم تعليق أوامر البيع المؤتمتة مؤقتاً، بينما اتسع الهامش على عقود مقايضة مخاطر الائتمان السيادي لأجل 5 سنوات بأكبر وتيرة منذ بداية الجائحة.

ولم تقتصر الاضطرابات على النفط، إذ شهدت أسواق السلع الأولية تقلبات غير معتادة. فتراجع النحاس بداية بنسبة 7.7% في بورصة لندن قبل أن يعاود الارتفاع، فيما تحولت الفضة من خسائر حادة إلى التداول مجدداً في المنطقة الخضراء.

جنوب شرق آسيا تبحث عن رد جماعي وسط تصاعد الحرب التجارية

في جنوب شرق آسيا، حيث عملت الدول لسنوات على تعزيز علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة تزامناً مع انتقال سلاسل التوريد من الصين، كان هناك إدراك واقعي بأن المطلوب أكثر من ذلك بكثير.

أجرى قادة فيتنام وماليزيا اتصالاً هاتفياً لمناقشة سبل الرد على الرسوم الأميركية، حيث شدد رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم على أن المنطقة بحاجة إلى جبهة موحدة. وتعد دول "رابطة أمم جنوب شرق آسيا" –وهي تحالف يضم عشر دول– من بين الأكثر تضرراً من الرسوم الأميركية.

وقال أنور: "علينا أن نعترف بأن هذه الجولة من الرسوم الشاملة قد تكون مجرد بداية لتحديات أكبر قادمة". لكنه لم يقدم تفاصيل واضحة حول الإجراءات المحتملة التي يمكن اتخاذها.

وفي قلب الحي المالي في سنغافورة، قال مينغزي وو، متداول العملات في شركة الخدمات المالية "ستون إكس"، إنه يراقب عن كثب تقلّص السيولة وتعرّض الصفقات لضغوط متزايدة.

"خوف حقيقي"

وأضاف: "المستثمرون يحاولون قراءة إشارات ترمب وكل سيناريوهات الرد المحتملة، لكنها ببساطة غير قابلة للتوقع". وتابع: "الناس يشعرون بالخوف الحقيقي مما يحدث".

وأشارت تحركات الأسواق إلى أن العديد من المحللين لم يدخلوا بعد سيناريوهات حرب تجارية ممتدة في توقعاتهم لأرباح الشركات. وبدأ بعض الاستراتيجيين في التفكير في سيناريوهات "سوق دبّي" (Bear Market)، مقارنين الوضع بانهيار عام 1987 المعروف بـ"الإثنين الأسود".

رغم التصعيد المتزايد في الأسواق وتصريحات القادة الإقليميين، لم يُبدِ فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أي مؤشرات على التراجع عن الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية هذا الأسبوع.

وقال وزير التجارة هوارد لوتنيك، في مقابلة مع برنامج "Face the Nation" عبر قناة "CBS" يوم الأحد: "الرسوم قادمة"، مضيفاً أن "ترمب أعلن عنها ولم يكن يمزح".