ليونيل لوران: دبي أكبر المستفيدين من "خريف باريس"

هجرة أصحاب الثروات من فرنسا باتت ظاهرة تهدد مركز البلاد المالي

time reading iconدقائق القراءة - 8
ناطحات السحاب في منطقة مرسى دبي، حيث يظهر في الصورة أيضاً عدد من اليخوت والقوارب الراسية. دبي. الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
ناطحات السحاب في منطقة مرسى دبي، حيث يظهر في الصورة أيضاً عدد من اليخوت والقوارب الراسية. دبي. الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

حلّ الربيع في باريس، فعادت الحياة إلى المقاهي وانتعشت الأجواء، وسط مؤشرات على تحسن اقتصادي. كما أسهمت التوسعة الجديدة لمترو الأنفاق في تسهيل التنقل داخل المدينة، حيث بات الوصول إلى أي نقطة لا يستغرق أكثر من 15 دقيقة.

ورغم هذه الأجواء الإيجابية، ، إلا أن هناك من يخطط لنقل ثرواته إلى الخارج؛ إذ أخبرني اثنان من السكان عن خططهما للمغادرة، أحدهما يتجه إلى دبي والآخر إلى سويسرا.

وعلى غرار نزوح غير المقيمين والعاملين في البنوك التي شهدتها لندن في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، تمر باريس الآن بمرحلة من الاستياء المالي، حيث شكّلت الضرائب المرتفعة العامل الحاسم الذي جعل الأوضاع المالية غير قابلة للاستمرار، خاصة في السنوات الأخيرة من ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون.

تشهد الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء ارتفاعاً، فيما تتصدر مارين لوبان المشهد كأوفر المرشحين حظاً في انتخابات 2027. في الوقت نفسه، يعاني البرلمان من حالة جمود سياسي، ولا تزال تداعيات معركة إصلاح نظام التقاعد التي هزّت البلاد في 2023 تلقي بظلالها على المشهد السياسي.

تراجع الاستثمار المصرفي

بعد فترة ازدهار غير مسبوقة شهدت خلالها باريس تحوّلها إلى الوجهة المصرفية المفضلة في منطقة اليورو، حيث تضاعف تقريباً عدد العاملين الفرنسيين في القطاع المالي والاستثماري الذين يتقاضون رواتب من سبعة أرقام (بملايين اليورو) خلال أربع سنوات، بدأت خطط التوظيف تتجمّد. ويشير هذا التباطؤ إلى ما يمكن وصفه بـ"ذروة باريس"، وهي مرحلة جديدة في سباق جذب المواهب العالمية، تضع أوروبا في موقع متراجع نسبياً.

وفي هذا السياق، قال كيريل كوربوان، رئيس "جيه بي مورغان تشيس" في فرنسا، خلال مؤتمر نظمته "بلومبرغ" الأسبوع الماضي، إن باريس كسبت معركة ما بعد "بريكست" في استقطاب المصرفيين المؤسسيين والمصرفيين الاستثماريين، مستفيدة من الحوافز الضريبية والإصلاحات التي تهدف إلى تسهيل وتشجيع أنشطة الأعمال. ولفت إلى أن شركته وسّعت حضورها في فرنسا، حيث ارتفع عدد موظفيها من 230 إلى 950 خلال عقد واحد.

دبي تتفوق كمركز استثماري عالمي

ومع ذلك، تخسر باريس ولندن المعركة في جذب صناديق الاستثمار الخاصة وصناديق التحوط لصالح مراكز مالية ناشئة خارج المسار التقليدي للتنقل بين العاصمتين، وعلى رأسها دبي، حيث لا تُفرض ضريبة على الدخل، وتتميّز اللوائح التنظيمية بمرونتها، فضلاً عن تنامي مجتمع صناديق الاستثمار التي تُقدَّر أصولها بمليارات الدولارات. وفي هذا السياق، قال بول مارشال، رئيس أحد صناديق التحوط، إن أبوظبي المجاورة "تتفوق بجدارة" من حيث السياسات الضريبية.

وفي حين تحقق مدينتا مدريد وميلانو أداءً جيداً في استقطاب الأثرياء المتنقلين بين الدول، إلا أنهما لا تستطيعان منافسة الإمارات، التي استقبلت أكثر من 6700 مليونير خلال العام الماضي، وفقاً لبيانات شركة الاستشارات "هينلي آند بارتنرز" (Henley & Partners) التي تتخذ من لندن مقراً لها.

الإمارات بين التنويع الاقتصادي والمخاطر التنظيمية

لقد أشرت سابقاً إلى أن المنافسة القادمة من دولة الإمارات لا ينبغي الاستهانة بها. فالانتعاش الأخير الذي تشهده الدولة يبدو أكثر متانة مقارنة بفورة العقارات الممولة بالديون التي شهدتها عام 2008، ويستند إلى جهود ملموسة لإنشاء مركز مالي متقدم، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، وتوسيع قطاع السياحة — رغم وجود تحديات واضحة، مثل تنامي ثروات العملات المشفرة، وظهور مؤثرين مشبوهين، وسجل قضايا غسل الأموال.

ولا تقتصر جاذبية الإمارات على صناديق التحوط وحدها؛ إذ أصبح نيك ستورونسكي، الرئيس التنفيذي لشركة "ريفولت" (Revolut Ltd.)، يقضي وقتاً متزايداً في الدولة في ظل استثمار الإمارات في شركته المتخصصة بالتكنولوجيا المالية. كما أن شركة البرمجيات الهولندية "بيرد" (Bird) قررت إنشاء مركز إقليمي لها هناك، لتفادي التحديات التنظيمية وصعوبات التوظيف في أوروبا. حتى المستشارون الشباب باتوا يفضّلون أبوظبي على مدن أوروبية مثل دوسلدورف في ألمانيا.

ورغم أن البعض قد يرى أن رحيل الأثرياء لا يشكّل مصدر قلق، فإن الواقع يؤكد أن تحركات دافعي الضرائب ذوي الدخول المرتفعة قد تترك آثاراً ملموسة على المدى الطويل. ففي فرنسا، تتحمل أعلى 10% من الأسر الأكثر دخلاً أكثر من 75% من إيرادات ضريبة الدخل، بينما تتجاوز النسبة 60% في المملكة المتحدة.

وكلما زادت الحكومات انخراطاً في ما وصفه أحد نواب البرلمان الفرنسي بـ"المجزرة" المالية، ازداد خطر تآكل القاعدة الضريبية، ما قد يفاقم الضغوط على الاقتصادات الوطنية في المستقبل.

فرص باريس للحفاظ على مركزها المالي

يرى كيريل كوربوان من "جيه بي مورغان" أن باريس لا تزال تملك فرصة للحفاظ على مكانتها كمركز مالي، مشيراً إلى عام 2030 باعتباره "الاختبار الحقيقي"، عندما تنتهي الإعفاءات الضريبية التي تستمر لثماني أو تسع سنوات، والممنوحة للمؤسسات والأفراد الذين انتقلوا إلى باريس بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

لكن هذا التقييم قد يكون متفائلاً، في ظل تفاقم العجز المالي في فرنسا، واقتراب الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 2027، إضافة إلى قرب تنفيذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب قراره بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق.

وقد تسهم الاستجابات الدفاعية -مثل فرض ضرائب على مغادرة البلاد للحد من فقدان الإيرادات الضريبية- في التخفيف من وطأة ما يُعرف بـ"ذروة باريس". كما أن تراجع جاذبية الإمارات العربية المتحدة، في حال تصاعدت التوترات الجيوسياسية في المنطقة، قد يكون أحد السيناريوهات التي تراهن عليها بعض الحكومات الأوروبية.

خيارات بديلة لإنعاش باريس

ومع ذلك، تحتاج باريس إلى بلورة نهج استثماري جديد يتجاوز ركائزها التقليدية في السياحة، والرفاهية، والشركات المرتبطة بالنفوذ السياسي؛ لا سيما في ظل تراجع الإدراجات الجديدة في سوق الأسهم.

أحد الخيارات المطروحة هو التركيز على السوق الأوروبية، إذ لا تزال فرنسا تمتلك المقومات اللازمة كمركز مالي، بشرط أن تتخذ القارة خطوات جدية لدمج أسواقها المتباينة، وتحرير تريليونات اليوروهات من المدخرات المجمدة.

أما الخيار الآخر، فيكمن في جعل باريس مدينة أكثر جاذبية للعيش، ما قد يشجع الشباب المغتربين على العودة عند رغبتهم في تأسيس أسر، وهي نقطة قوة تمتاز بها فرنسا بفضل الإعفاءات الضريبية المتعلقة برعاية الأطفال.

وفي هذا السياق، قد يكون تحويل المكاتب إلى مساكن، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز جودة التعليم، واستقطاب الكفاءات الهندسية، خيارات أكثر واقعية واستدامة من محاولة منافسة المدن التي تقدم إعفاءات ضريبية واسعة. أما في الوقت الراهن، فمن المتوقع أن يستمر الشعور العام بالاستياء من عبء الضرائب المرتفعة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

دبي

7 دقائق

31°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 31°/32°
22.2 كم/س
23%

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.