لم يكن من السهل أبداً إجراء تقييم دقيق لمخاطر الائتمان. لكن الأمر أصبح أكثر صعوبة الآن في عصر التدخل الحكومي غير المسبوق والأموال الرخيصة.
وتتشابك مخاطر الائتمان ومخاطر أسعار الفائدة بشكل متزايد، كما تبدو الشركات أفضل وأكثر قدرة على سداد ديونها؛ لمجرد أن تكاليف الاقتراض الإجمالية منخفضة للغاية.
في الواقع، يعتبر التمويل الرخيص سبباً تقدمه مؤسسات التصنيف الائتماني مثل "موديز إنفستور سيرفس" عندما ترغب في تبرير الجدارة الائتمانية المحتملة للمقترضين.
وساهم هذا بشكلٍ كبير في الوتيرة القياسية لترقيات التصنيف الائتماني، حيث تم ترقية ما يقرب من ضعف عدد الشركات ذات التصنيف غير المرغوب فيه، مقارنة بتلك التي تم تخفيضها في تصنيفات "ستاندرد آند بورز غلوبال" (S&P Global Ratings) هذا العام.
ويشكل ذلك اختلافا عن العام الماضي، عندما تم تخفيض تصنيف الشركات أكثر من رفع مقياس الائتمان.
الرافعة المالية تزيد في كل القطاعات
ضع في اعتبارك هنا أيضاً طرح السندات غير المرغوب فيها بقيمة 500 مليون دولار من شركة "مايكرو استراتيجي"، مع توجيه العائدات نحو شراء عملة "بتكوين".
وبغض النظر عن الحكمة من شراء هذه السندات، أو فكرة اقتراض الأموال لشراء العملات الرقمية، فقد كان من المفيد معرفة الكيفية التي بررت بها وكالة "موديز" إعطاء تصنيف Ba3 لهذه السندات.
وفي حديثها عن "مايكرو استراتيجي"، قالت شركة التصنيف الائتماني إنه رغم أن "الرافعة المالية عالية بشكل غير عادي، إلا أن تكلفة الاقتراض للشركة منخفضة للغاية"، مما "يتيح تغطية قوية للفائدة، بالإضافة إلى توليد التدفق النقدي الحر".
زادت الرافعة المالية في جميع القطاعات مقارنة بما كانت عليه قبل الوباء، لكن الديون رخيصة جداً، لذا من سيهتم بالرافعة المالية الآن؟.
ويتم تطبيق هذا المنطق الدائري، الذي يفترض أن الأوقات الجيدة تؤدي إلى المزيد من الأوقات الجيدة، في جميع أنحاء سوق الائتمان الأمريكية، البالغة قيمتها 10 تريليونات دولار. وعلى نحو متزايد، تقوم الشركات بتضمين مخاطر أسعار الفائدة في هيكل التصنيف.
ارتفاع الفائدة قد يقلب الطاولة على الشركات
وقال جين تانوزو، الرئيس العالمي للدخل الثابت في شركة "كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس"، في مقابلة: "في حين أن تصنيف هذه الشركة قد يكونB ثلاثية في الوقت الحالي، إلا أنها قد لا تحصل على التصنيف ذاته إذا ارتفع معدل الفائدة".
وأضاف: "هذا أمر صعب، لا سيما إذا كان لدى الشركة الكثير من الديون، التي يتعين ترحيلها".
حتى الآن تسود حالة من التفاؤل فقط في أفق قطاع الائتمان. وخفضت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية توقعاتها لتخلف الشركات ذات العائد المرتفع عن السداد في نهاية العام الجاري إلى 1%، وهو أدنى مستوى تصل له التوقعات منذ عام 2013، وقد يتحدى حتى مستوى الـ 0.5% الذي تم تحديده في عام 2007.
فوائد منخفضة للغاية
وتدفع الشركات ذات التصنيف غير المرغوب فيه أقل معدلات الفائدة على الإطلاق للاقتراض لأطول فترة، مقارنة بالمتوسط الذي تحقق منذ عام 2014، وبلغت العائدات مستوى قياسياً منخفضاً بلغ 3.84% يوم الاثنين الماضي.
وتقترض الشركات الأموال بوتيرة قياسية استجابة للطلب المتزايد. وبصرف النظر عن إعادة تمويل الديون الأكثر تكلفة، يستخدم المقترضون الأموال التي يجمعونها لدفع الأرباح لأصحاب الأسهم الخاصة، وشراء شركات أخرى، وإعادة شراء الأسهم، وأي غرض آخر يمكن أن تفكر فيه.
لكن هذا بالطبع يؤتي مفعولاً فقط إلى حد معين. ويعتمد على استمرار انخفاض تكاليف الاقتراض، أو حتى وجود المزيد من الانخفاض، كما يتوقف على الشركات التي لديها نماذج أعمال مناسبة إلى حد ما، ووضع اقتصادي آخذ في التوسع.
نمو هائل في الأرباح
وتعد هذه افتراضات خطيرة وطويلة الأجل. فنمو الأرباح هائل في الوقت الحالي، لكن من المتوقع أن يتلاشى هذا النمو جنباً إلى جنب مع اندثار الوباء.
وتتحمل الشركات مخاطر أكبر نظراً لتفضيل السوق للعوائد المستقبلية على السلامة. في غضون ذلك، يقول مجلس الاحتياطي الفيدرالي إن التضخم مؤقت، لكن عدداً متزايداً من الاقتصاديين ومحافظي البنوك المركزية يختلفون معه.
وحسبما كتبه محللو "دويتشه بنك" بقيادة "بيتر هوبر"، في مذكرة حديثة: "لم نشهد من قبل مثل هذه السياسة المالية والنقدية التوسعية المنسقة... وهذا هو سبب اختلاف هذه المرة بالنسبة للتضخم".
مخاطر مرتفعة
مع ذلك، إذا كان المحللون مخطئين، وسارت أسواق السندات في اتجاه معاكس للتضخم في الفترة المقبلة، فقد يكون ذلك أكثر إثارة للقلق بالنسبة لائتمان الشركات، الذي يعتمد على تحقيق نمو سريع بما يكفي للشركات، بحيث يسمح لها بتنمية هياكل رأس المال الخاصة بها.
ورغم تجاهل المستثمرين لهذه المخاوف، إلا أنه كلما زاد تفاؤل المستثمرين بشأن المخاطر، كانت الأسواق أكثر عرضة للحوادث المحتملة، مثل انهيار الشركات، أو انخفاض سعر عملة "بتكوين" في حالة شركة "مايكرو استراتيجي" على سبيل المثال.
ومن المرجح عدم ظهور مخاطر زيادة الرافعة المالية في قطاع الشركات بالمستقبل القريب؛ ويعزى ذلك إلى استمرار التسهيلات النقدية.
لكن ذلك يجعل من الصعب على بنك الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ قرار بإيقاف سياساته بسهولة، كما أنه يجعل التباطؤ أو الانكماش المحتمل أكثر إيلاماً في المستقبل.
نعم، تتم ترقية الشركات بسرعة هذا العام، لكن المنطق الذي يقوم عليه الارتفاع يعتمد على التمويل السهل للغاية، الذي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.
ففي مرحلة ما، سيتعين الحكم على هذه الشركات دون أن تكون لديها رفاهية سد الفجوات المالية باستخدام الديون الرخيصة، وستكون نتائج التصنيفات الائتمانية هذه مجرد نافذة استعراضية.