
بلومبرغ
صراعات بلا هوادة من أجل السلطة، وخُطط انتقال القيادة محفوفة بالمخاطر، وغياب الوصايا الذي أدى إلى سنوات من الألم والمعاناة. تلك هي ملامح النزاعات العائلية المحتدمة التي مزّقت عدداً من أغنى العائلات في آسيا، وهي صراعات تختلف أسبابها لكن يجمع بينها جميعاً عامل واحد: المال، وتحديداً كميات هائلة منه.
في أحدث حلقات هذه الدراما، اندلعت أزمة في الشهر الماضي داخل أغنى عائلة في سنغافورة، بعدما حرك عميدها الملياردير كويك لينغ بينغ (Kwek Leng Beng) دعوى قضائية ضد ابنه بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب في مجلس الإدارة. لكن سرعان ما انطفأت النيران بالسرعة نفسها التي اشتعلت بها، إذ بدا النزاع في طريقه إلى الحل بشكل مُفاجئ، بعد أن أسقط كويك الأب الدعوى القضائية في وقت متأخر من يوم الأربعاء في سنغافورة.
يأتي هذا الصراع ليُضاف إلى سلسلة من النزاعات الأسرية البارزة في آسيا، بدءاً من خلافات الأخوين أمباني حول ترتيبات انتقال السلطة، وصولاً إلى نزاع عائلة "لي" على حصة قيمتها 2.8 مليار دولار في مجموعة "سامسونغ"، وقد تصاعدت هذه النزاعات كثيراً حتى انفجرت أمام الرأي العام، وبلغ بعضها قاعات المحاكم.
تعليقاً على ذلك، تقول مارلين ديليمان، أستاذ الشركات العائلية في كلية "آي إم دي للأعمال" (IMD Business School) في سنغافورة: "في العائلات الآسيوية يُصبح التخطيط للخلافة أكثر تعقيداً، لأن كبار العائلة يبقون على رأس السلطة، ويؤثرون في اتخاذ القرارات حتى بعد تجاوزهم سن التقاعد المعتادة بفترة طويلة، ما يُصعّب على الأجيال الجديدة السيطرة فعلاً على زمام الأمور".
مع تحول أكثر من تريليون دولار من جيل من كبار الأثرياء المتقدمين في السن في جميع أنحاء آسيا إلى ورثتهم، ستبقى قضية انتقال الثروات، ومعها النزاعات العائلية المحتملة، محوراً للاهتمام والجدل.
موكيش أمباني في مواجهة أنيل أمباني
السبب: دخلت مجموعة "ريلاينس إندستريز" (Reliance Industries Ltd) مرحلة من عدم اليقين في عام 2002، بعد وفاة مُؤسسها وزعيم العائلة ديراجلال هيراتشاند أمباني، المعروف اختصاراً بـ"ديروباي"، دون أن يترك وصية. أشعل ذلك نزاعاً شرساً استمر سنوات بين الشقيقين موكيش وأنيل أمباني، اللذين كانا يعملان معاً في إدارة إمبراطورية العائلة آنذاك. ووصل التوتر بينهما إلى حد دفع وزير المالية الهندي في إحدى المراحل إلى التدخل شخصياً، ومناشدة الشقيقين لإصلاح علاقتهما.
محور النزاع: السيطرة على الشركة الأم لـ"ريلاينس إندستريز"، والتي كانت في ذلك الوقت بالفعل أكبر شركة خاصة في الهند.
كيف تم حل النزاع: اضطرت والدتهما كوكيلابين إلى التدخل بعد ثلاث سنوات من وفاة ديروباي. وفي تسوية تمت عام 2005، قام الشقيقان بتقسيم أصول "ريلاينس" فيما بينهما، حيث حصل أنيل على قطاعات الاتصالات وإدارة الأصول والترفيه وتوليد الطاقة، بينما احتفظ موكيش بإدارة عمليات التكرير والنفط والغاز والبتروكيماويات والمنسوجات.
كويك لينغ بينغ في مواجهة شيرمان كويك
السبب: اتهم الملياردير وعميد العائلة كويك لينغ بينغ ابنه شيرمان كويك، الرئيس التنفيذي لشركة "سيتي ديفلوبمنتس" (City Development Ltd)، الشهر الماضي بتدبير انقلاب في مجلس الإدارة. وتقدم كويك الأب، إلى جانب الشركة، بدعوى قضائية ضد ابنه الأصغر. قال كويك الأب إنه حاول إقالة ابنه، إلا أن مجلس الإدارة حال دون ذلك. أدى النزاع إلى هزة قوية في أسهم الشركة، كما دفع المستشارة كاثرين وو إلى الاستقالة من منصبها الذي شغلته دون أجر في الوحدة الفندقية التابعة للشركة. واتهمها شيرمان بأنها "تتدخل في أمور أبعد بكثير من نطاق صلاحياتها"، كما أبدى مخاوفه بشأن الحوكمة المؤسسية.
محور النزاع: السيطرة على شركة "سيتي ديفلوبمنتس"، وهي من كبرى شركات التطوير العقاري المُدرَجة في سنغافورة، وجزءٌ أساسي من إمبراطورية عائلية تبلغ قيمتها 18 مليار دولار، تمتد أنشطتها من التطوير العقاري إلى قطاعي الضيافة والتمويل.
كيف تم حل النزاع: في وقت متأخر من يوم الأربعاء في سنغافورة، قرر كويك الأب إسقاط الدعوى القضائية. وسيستمر في منصبه كرئيس تنفيذي لمجلس إدارة الشركة، في حين يبقى شيرمان في منصب الرئيس التنفيذي. قال كويك الأب في بيان: "وافق جميع أعضاء مجلس الإدارة على تنحية خلافاتهم جانباً من أجل المصلحة العليا للشركة، وجميع الأطراف المعنية".
أدريان تشينغ في مواجهة هنري تشينغ وإخوته
السبب: اندلعت دراما عائلية حول انتقال القيادة في المجموعة، وليس مجرد نزاع تقليدي، بعد أن أعلن عميد العائلة هنري تشينغ في مقابلة تلفزيونية نادرة عام 2023 أنه لا يزال يبحث عن خليفة، ولا يستبعد اختيار شخص من خارج العائلة. أثارت تلك التصريحات شكوكاً حول الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن ابنه الأكبر أدريان سيتولى قيادة إمبراطورية العائلة "نيو وورلد ديفلوبمنت" (New World Development Co).
جوهر النزاع: خلافة إمبراطورية عائلية تتجاوز قيمتها 21 مليار دولار.
كيف تم حل النزاع: شهدت الأعمال المختلفة لإمبراطورية عائلة تشينغ تغييرات واسعة في إداراتها منذ إعلان هنري. فقد استقال أدريان من منصب الرئيس التنفيذي لـ"نيو وورلد" العام الماضي بعد تسجيل الشركة أول خسارة سنوية لها منذ عقدين. تم تعيين شقيقه برايان رئيساً تنفيذياً مشاركاً لشركة الإنشاءات الخاصة بالعائلة، في حين تولى شقيقه الآخر كريستوفر منصب الرئيس التنفيذي المشارك للمكتب الاستثماري للعائلة.
"ستانلي هو" في مواجهة زوجاته وأبنائه
السبب: في عام 2011، أصدرت شركة "إس جيه إم هولدينغز" (SJM Holdings Ltd) بياناً قالت فيه إن "ستانلي هو" وزع حصته البالغة 31.7% في أكبر شركة كازينوهات في آسيا آنذاك، إلى شركتين قابضتين تديرهما زوجته الثالثة وأبناؤه من زوجته الثانية. بعد أسابيع قليلة، قال "هو" إن ابنتيه بانسي وديزي قامتا "بشكل غير مشروع" بنقل حصته، ورفع دعوى قضائية لاستعادة السيطرة على أصوله.
جوهر النزاع: السيطرة على حصة في شركة "إس جيه إم"، بلغت قيمتها حينذاك 1.6 مليار دولار.
كيف تم حل النزاع: تخلّى ملك الكازينوهات الراحل، الذي توفي عام 2020 عن عمر يناهز 98 عاماً، عن معظم حصته في "إس جيه إم"، وأعاد توزيعها بين عائلات زوجاته الثانية والثالثة والرابعة، بعد أن توصلت جميع الأطراف إلى "تفاهم وتراضٍ متبادل". ورغم ذلك، وبعد مرور خمس سنوات على رحيله، ما زالت الدعاوى القضائية المتعلقة بأصول الملياردير تتراكم في المحاكم.
والتر كووك في مواجهة ريموند كووك وتوماس كووك
السبب: في فبراير 2008، أعلن والتر كووك، رئيس مجلس إدارة شركة "صن هونغ كاي بروبرتيز" (Sun Hung Kai Properties Ltd)، عن حصوله على إجازة لأسباب شخصية، تاركاً مهام الرئاسة لأخويه الأصغر سناً ريموند وتوماس. لاحقاً، قام والتر برفع دعوى قضائية ضدهما بتهمة التشهير.
محور النزاع: السيطرة على "صن هونغ كاي"، إحدى كبريات شركات التطوير العقاري في هونغ كونغ.
كيف تم حل النزاع: جرى استبدال والتر بوالدته، كوونغ سيو-هينغ، في منصب رئاسة مجلس الإدارة، وفيما بعد تنازل والتر عن الدعاوى القضائية التي رفعها ضد شقيقيه. ونتيجة للخلافات العائلية، قامت الأم في عام 2010 بإقصاء والتر من صندوق العائلة الاستثماري، لكنها توصلت إلى اتفاق عام 2014 لتوزيع حصتها بالتساوي بين أبنائها الثلاثة.
وان لونغ في مواجهة وان هونغجيان
السبب: في عام 2021، اندلعت خلافات بين وان هونغجيان ووالده وان لونغ، رئيس مجموعة "دبليو إتش غروب" (WH Group Ltd)، حول اختيار الرئيس التنفيذي الجديد للشركة. في أعقاب ذلك، تمت إقالة الابن من منصبه نائباً لرئيس مجلس الإدارة ومديراً تنفيذياً. لاحقاً، نُسب إلى الابن نشر مقال على الإنترنت اتهم فيه والده بارتكاب مخالفات مالية.
محور النزاع: السيطرة على "دبليو إتش غروب" في هونغ كونغ، أكبر شركة لتصنيع لحوم الخنزير في العالم.
كيف تم حل النزاع: نفت "دبليو إتش غروب" كافة الاتهامات المتعلقة بسوء الإدارة المالية، وأكدت تمسّكها بتعيين غوو ليجون رئيساً تنفيذياً؛ نظراً لخبرته ومؤهلاته وإلمامه بأعمال الشركة. كما تم تعيين شقيق هونغجيان، وان هونغوي، في منصب نائب رئيس مجلس الإدارة.
لي كون-هي في مواجهة لي مينغ-هي
السبب: طالب لي مينغ-هي، الشقيق الأكبر لرئيس مجلس إدارة شركة "سامسونغ إلكترونيكس" (Samsung Electronics Co) الراحل لي كون-هي، مع أقارب آخرين، بحصص إضافية في المجموعة، بخلاف ما ورثوه سابقاً.
جوهر النزاع: حصص إضافية في مجموعة "سامسونغ" (Samsung) إلى جانب ما تمّ توزيعه سابقاً من الميراث العائلي.
كيف تم حل النزاع: قضت المحكمة في عام 2013 بأن يحتفظ لي كون-هي بكل الثروة التي ورثها عن والده، رافضةً بذلك جهود شقيقه لي مينغ-هي للحصول على جزء من الأموال. وأكدت المحكمة العليا في قرارها أن مدة المطالبة القانونية المحددة بـ10 سنوات انتهت، وأن الأخ الأكبر فشل في إثبات أحقيته في حصص إضافية في شركات المجموعة.
شين دونغ-بين في مواجهة شين دونغ-جو
السبب: في عام 2015، دخل شين دونغ-بين، الابن الأصغر لمؤسس "لوتيه غروب" (Lotte Group) شين كيوك-هو، في مواجهة مباشرة مع شقيقه الأكبر دونغ-جو حول السيطرة على المجموعة. تصاعد الخلاف بعد محاولات الأخ الأكبر الاستحواذ على الإدارة، ما أدى في النهاية إلى تعزيز نفوذ دونغ-بين، وإضعاف فرص دونغ-جو في السيطرة.
جوهر النزاع: السيطرة على "لوتي غروب"، إحدى أكبر المجموعات الاقتصادية في كوريا الجنوبية.
كيف تم حل النزاع: في عام 2017، قاد شين دونغ-بين عملية إعادة هيكلة كبرى أدت إلى إنشاء هيكل جديد موحّد كشركة قابضة، الأمر الذي قلّل من تداخل الحصص بين شركات المجموعة، وعزّز سلطته، وجعل من الصعب على شقيقه الأكبر حشد دعم كافٍ من المساهمين للسيطرة على المجموعة.
كو كوانغ-مو في مواجهة والدته وشقيقاته
السبب: بعد وفاة كو بون-مو عام 2018، تولّى ابنه بالتبني، كو كوانغ-مو، رئاسة مجلس إدارة "إل جي غروب" (LG Group)، إحدى أكبر التكتلات الاقتصادية في كوريا الجنوبية. بعد خمس سنوات، رفعت والدته وشقيقتاه دعوى قضائية طالبن فيها بإعادة توزيع الميراث.
جوهر النزاع: توزيع الثروة التي تركها الراحل كو بون-مو، وتشمل حصة تبلغ 11.3% في الشركة القابضة لمجموعة «إل جي».
كيف تم حل النزاع: القضية لا تزال منظورة أمام القضاء.