بلومبرغ
تدور منافسة شديدة داخل مجموعة "كريدي سويس" للفوز بالجائزة حمزة ليمسوغر، الذي يشهد نجمه صعودا مذهلا.
سمحت الشركة لعبقري التداولات البالغ من العمر 30 عاماً بتحمل مستويات عالية من المخاطر لجني الأرباح في أسواق تشهد شحا في تدفق السيولة. حيث نجح "ليمسوغر" في تحويل ذلك السباق المحتدم إلى وظيفة في صندوق التحوط "سيتيدل" Citadel أواخر العام الماضي، فيما وعده البنك السويسري بإنشاء صندوقه الخاص لإغرائه بالعودة.
ومع تتابع الأزمات التي ضربت أركان "كريدي سويس" هذا العام، أصبح "ليمسوغر" يمثل مخاطرة كبيرة. حيث أعلن البنك الأربعاء الماضي عن إلغاء خطط إنشاء صندوق النجم الشاب الذي خسر فرصة تحقيق طموحه دون أموال أو دعم. ويمثل موقف البنك حلقة في سلسلة من التغيرات الاستراتيجية المفاجئة بعد الكوارث المحرجة الناجمة عن انهيار "أركيغوس كابيتال مانجمنت"، و"غرينسل كابيتال" والتي كبدت البنك خسائر تقدر بمليارات الدولارات.
قال بيتر هان، وهو مصرفي سابق ويعمل الآن أستاذا فخريا في معهد لندن للبنوك والتمويل: "أظهرت تلك الانهيارات أكثر من أي شيء آخر أن بنك كريدي سويس كان يبذل جهدا كبيرا للحصول على إيراداته خلال السنوات القليلة الماضية. ويبدو أن تلك الأنواع من التوسعات ستكون الآن أقل من قبل وأكثر تباعداً".
رافق صعود "ليمسوغر" وتحقيقه للأرباح مساحة من الجدل، فبحسب مقابلات مع 8 أشخاص تحدثوا عن فترة عمله في "كريدي سويس" بشرط عدم الكشف عن هويتهم، اشتهر المتداول الذي يتخذ من لندن مقراً له بشراء مجموعات كبيرة من الديون، وحصل على مكانة بارزة في دخول أسواق غامضة غير فعالة وتفتقر للسيولة وتتسبب في خسائر المنافسين ممن يتخذون الجانب الآخر من التداولات.
ثلاث شكاوى
قدم ما لا يقل عن ثلاثة منافسين وعملاء متداولين في عام 2019 شكاوى ضد "ليمسوغر" إلى هيئة الرقابة المالية البريطانية تتهمه بالتداول بناءً على معلومات داخلية والتلاعب في الأسعار وفقًا لمصادر مطلعة على الأمر.
قال أحد الأشخاص المطلعين، أن إحدى هذه الشكاوى جاءت من صندوق تحوط دفع بسخاء لـ"كريدي سويس"، لكن رهانه تكبد خسارة، بينما جاءت شكوى أخرى من شركة حققت أرباحاً بالفعل من تلك التداولات.
على الرغم من أن "كريدي سويس" لم يتلق أي طلب تحقيقات رسمية من هيئة السلوك المالي البريطانية بعد الشكاوى، لكن أحد المصادر المطلعة أكد أن بعض العملاء قد عبروا بشكل غير رسمي عن مخاوفهم بشأن علاقات "ليمسوغر" مع جهات الاتصال العاملة في البنك حيث قال ذلك الشخص، إن هذه الشكاوى لم يتم تصعيدها من قبل العملاء.
ولا يبدو واضحاً ما إذا كانت الجهة التنظيمية البريطانية قد نظرت في الشكاوى المقدمة ضد "ليمسوغر" أم لا.
تنظر هيئة السلوك المالي البريطانية FCA في كافة الشكاوي وتقر بها للأطراف التي قدمتها، لكنها قد لا تعلن عن كيفية تعاملها مع الشكوى. وقد امتنعت هيئة السلوك المالي عن التعليق.
ورفض "ليمسوغر" التعليق على تلك القصة وأحال إجابة جميع الأسئلة إلى "كريدي سويس".
قال متحدث باسم "كريدي سويس" في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني: "لدينا إجراءات واضحة للتعامل مع الشكاوى الواردة من العملاء والأطراف الأخرى. يتم تسجيلها رسمياً ومراجعتها لتحديد ما إذا كان هناك أي شكل من أشكال المخالفات. لم نتلق أي شكاوى رسمية فيما يتعلق بهذا الأمر".
انهيار "أركيغوس"
أدى انهيار مكتب الاستثمار العائلي المتحفظ "أركيغوس" في مارس بعد أسابيع فقط من انهيار شركة تمويل سلاسل التوريد "غرينسيل" إلى زعزعة "كريدي سويس"، ما دفع البنك إلى مراجعة عملياته، إذ يحقق ثاني أكبر بنك في سويسرا الآن في الأخطاء التي حدثت في الضوابط الداخلية، كما غيّر في العديد من القيادات التنفيذية، حيث تنحى رئيس إدارة الأصول ورئيس إدارة المخاطر ورئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية في تتابع سريع للأحداث.
أوقفت الإدارة التنفيذية في "كريدي سويس" في مارس إطلاق صندوق "ليمسوغر" لائتمان العائد المطلق، والذي يهدف إلى المراهنات الكبيرة على الشركات المثقلة بالديون، وذلك في إطار مراجعة البنك الواسعة لعمل وحدة إدارة الأصول التابعة.
قرر البنك الموافقة فقط على التمويلات منخفضة المخاطر وغير المعقدة نسبياً، وذلك بعد إجباره على شطب 10 مليارات دولار من تمويلات صناديق سلاسل التوريد المرتبطة بـ "غرينسل" وفقًا لمصادر مطلعة.
أبدى بعض المديرين التنفيذيين في "كريدي سويس" خلال لقاء عبر الهاتف لمناقشة إطلاق صناديق جديدة الثلاثاء الماضي تشاؤما بشأن المنتجات التي لا تتبع الاستراتيجيات التقليدية. وبحلول الأربعاء، أعلن البنك عن توقف نجمه الاستثنائي.
كان "كريدي سويس" قد نجح قبل ستة أشهر فقط في إقناع "ليمسوغر" بالتخلي عن دوره في صندوق "سيتيدل" التابع لكين غريفين. وأفادت "بلومبرغ" في ذلك الوقت بأن شركة إدارة صناديق التحوط، التي تتخذ من شيكاغو مقراً لها وتدير أصولا بقيمة 39 مليار دولار قامت بتوظيف "ليمسوغر" كمدير محفظة في إطار خطتها للتوسع عالميا في تداولات الائتمان.
أفضل المتداولين
من السهل تفهم السبب وراء رغبة "كريدي سويس" في إعادة المتداول للعمل بالبنك بعد أن تم تصنيفه كواحد من أفضل من حققوا أداء في الشركة بعد أن ساعد مكتب البنك الأوروبي للاستثمارات مرتفعة العائد في تحقيق إيرادات بنحو 220 مليون دولار في العام 2020 من خلال المراهنات الضخمة على السندات دون الدرجة الاستثمارية والديون المتعثرة والأوراق المالية غير السائلة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وتمثل تلك العوائد نحو 5.5% من إجمالي إيرادات تداولات الدخل الثابت للبنك.
وصف "كريدي سويس" المتداول الشاب في أحدث مواد تسويقية للبنك على أنه خبير في سوق السندات دون الدرجة الاستثمارية، حيث حقق أرباحاً تاريخية من المراهنات على ثروات الشركات الأوروبية التي تعاني من أزمات.
كما وصفه البنك خلال عرض تقديمي للإعلان عن صندوق الائتمان الجديد الخاص به، والذي اطلعت عليه "بلومبرغ" نيوز قائلاً: "أدت قدرته على فهم تحليل السلوك ومدى تحمل متداولي السوق للمخاطر وتقييم السيولة ذات الشأن لتحقيق أكثر السنوات ربحية في تاريخ إدارة التداولات. لقد كان له دور فعال في إبراز قدرة المجموعة على تحمل المخاطر وقدرتها على المخاطرة حيث قام باستثمارات وإدارة مخاطر صارمة".
حوت التداولات
ولد "ليمسوغر" في المغرب وتلقى تعليمه في مدرسة بوليتكنيك بفرنسا والتحق بـ"كريدي سويس" في عام 2014 بعد اجتيازه برنامج تدريب صيفي في "غولدمان ساكس"، حيث قام لاحقاً بالعمل كمتداول في إدارة الاستثمارات مرتفعة العوائد.
تلقى "ليمسوغر" في أولى أيام التحاقه بـ"كريدي سويس" تدريبا على خفض المخاطر تحت إشراف الرئيس التنفيذي آنذاك تيدغان ثيام، وذلك بعد خسارة البنك نحو مليار دولار من عمليات شطب سندات متعثرة ومنتجات توريق في عام 2016، حيث تعهد ثيام وقتها بالتراجع عن الأنشطة التي تحمل مخاطر مرتفعة.
لكن بحلول عام 2019، عادت شهية "كريدي سويس" لتداولات الائتمان وبقوة. وكان "ليمسوغر" الاسم الذي يقف وراء ارتفاع أحجام تداولات الديون والذي أثارت رهاناته الكبيرة على ديون شركات مثل شركة السفر "توماس كوك" و"لويل غروب" لتحصيل الديون في بريطانيا إعجاب الجميع.
اعتمد "ليمسوغر" على إستراتيجيته الخاصة في شراء كميات ضخمة من الديون ورفع الأسعار والبيع بعد ذلك بسعر أعلى وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وأشار هؤلاء إلى سيطرته في بعض الأحيان على نحو 90% من التدفقات على ديون الشركات شديدة التعثر، في الوقت الذي أعطاه "كريدي سويس" مساحة لشراء مجموعات من السندات التي تصل قيمتها إلى 100 مليون دولار على حد قول بعض الأشخاص.
ويعد حجم استثمارات تلك السندات استثنائياً بحسب معايير الصناعة، حيث يحتاج استثمار أقل من ثلث تلك القيمة في البنوك المنافسة إلى موافقة لجنة الائتمان في الإدارة العليا.
معركة إعادة الشراء
أصابت تكتيكات "ليمسوغر" المتداولين في السوق بحالة من عدم الارتياح، حيث تقدم صندوقا استثمار على الأقل وبنك منافس بشكاوى ضده للجهة التنظيمية اتهموه فيها بالتلاعب بأسعار السوق والتداول بناءً على معلومات داخلية تتعلق بإعادة شراء سندات بقيمة 33.5 مليون جنيه إسترليني (47 مليون دولار) من قبل شركة "لويل" في أغسطس 2019 وفقاً لمصادر مطلعة.
عادة ما يتم الاحتفاظ بسرية معلومات عمليات إعادة شراء السندات بين جهة الإصدار والبنك الذي يرتب الصفقة والمستثمرين الذين وافقوا على البيع. ورغم عدم تعامل "كريدي سويس" في إعادة شراء السندات، استشهدت إحدى الشركات بحصول "ليمسوغر" على معلومات قبل إعادة الشراء أثناء اتخاذ القرار وفقاً لمصادر مطلعة.
أبدى ليمسوغر تفاؤلا بسندات "لويل" غير المضمونة قبل فترة طويلة من إعادة الشراء، حيث أوصت مجموعته العملاء بالاستثمار فيها منذ عام 2017 على الأقل وفقاً لمذكرة اطلعت عليها "بلومبرغ".
أشار مسؤولون تنفيذيون في "لويل" في أبريل 2019 إلى رغبتهم في استبدال السندات بديون مضمونة في مرحلة ما. وقالت المصادر المطلعة، إن أسعار سندات "لويل" قد ارتفعت بعد الإعلان عن إعادة الشراء كما انخفضت تكلفة التأمين على الديون وهو ما ساهم في تحقيق "ليمسوغر" لأرباح طائلة من تداولاته.
فرصة لم تكتمل
على الرغم من الشكاوى التي تم تقديمها ضده، كان عام 2020 مهماً حيث استطاع "ليمسوغر" إيجاد فرص تداول هائلة وسط الفوضى التي أثارها الوباء العالمي، وبلغ حجم تداولاته في الربع الأول من العام 2020 ما لا يقل عن 21 مليار دولار متفوقاً على حجم تداولات بعض البنوك في عام كامل.
وسرعان ما لفت "ليمسوغر" انتباه بابلو سلامة رئيس قسم الائتمان العالمي في "سيتيدل" والذي كان يعمل على بناء فريقه بعد انضمامه للشركة منتقلاً من "غولدمان ساكس" في عام 2019 وقرر الاستعانة بالمتداول في سبتمبر.
وبحلول نوفمبر، كان "كريدي سويس" قد أغرى "ليمسوغر" بالعودة للبنك ومنحه فرصة للإشراف على إطلاق صندوقه الخاص ضمن وحدة الاستثمار التابعة للبنك الذي قرر ضخ أموال في بداية الأمر لتعزيز جهود "لميسوغر". وقد أطلق على صندوقه المرتقب اسم "أريني" نسبة إلى الببغاوات التي كان يرعاها منذ نشأته في المغرب.
بدأ ليمسوغر مقابلة مستثمرين محتملين في عام 2021 وبينما كان يخطط لجمع ما يصل إلى 500 مليون دولار لصندوقه الأول اهتز "كريدي سويس" بسبب انهيار مزدوج لكل من "غرينسيل" و"أركيغوس".
وتشهد إدارة الأصول في "كريدي سويس" عملية إعادة هيكلة شاملة حيث يفكر أنطونيو هورتا أوساريو رئيس مجلس إدارة البنك الجديد في إعادة ضبط استراتيجية الاستثمار كجزء من مراجعة واسعة لعمليات البنك والتي تتضمن خيارات من بينها تقليص أو فصل عملية إدارة الأصول. وتدفع تلك الظروف إلى تشجيع ليمسوغر على العمل بمفرده.