إنه ليس تماماً كتناقص تدريجي، لكن الاحتياطي الفيدرالي بدأ العد التنازلي لسحب إجراءات الطوارئ التي استخدمها لدعم الأسواق المالية أثناء جائحة كوفيد-19.
قال البنك المركزي، في وقتٍ متأخر أمس الأربعاء، إنه سيبدأ تدريجياً بيع محفظة ديون الشركات الأمريكية والصناديق المتداولة في البورصة والتي تبلغ قيمتها 13.7 مليار دولار أمريكي من خلال تسهيل ائتمان الشركات في السوق الثانوية، والذي تم إنشاؤه خلال أسوأ انهيار للسوق بسبب الوباء في مارس 2020.
تدخل غير مسبوق
يمثل التسهيل تدخلاً غير مسبوق للاحتياطي الفيدرالي، لأنه تعهد فعلياً بضخ مئات المليارات من الدولارات في ديون الشركات، إذا لم يفعل أي طرف آخر ذلك.
أدى هذا الدعم، حتى لو لم يتم استخدامه بالكامل، إلى استعادة ثقة المستثمرين بسرعة، مما أدى إلى ارتفاع شرس في كل ركن من أركان سوق السندات تقريباً، وشجع على تحطيم المبالغ القياسية لمبيعات الديون من المقترضين من الدرجة الاستثمارية وذوي العائد المرتفع على حد سواء.
في الواقع، إن هذا التسهيل متواضع الحجم، على الأرجح، غيّر أكثر من أي تسهيل آخر قدمه الاحتياطي الفيدرالي الأسواق المالية إلى الأبد.
كان تسهيل السوق الثانوية هو أول برنامج لبنك الاحتياطي الفيدرالي يستخدم 454 مليار دولار من إجمالي تمويل الأسهم من قانون "كيرز" لبداية الانطلاق.
إذ بدء في شهر مايو من عام 2020 بشراء صناديق المؤشرات المتداولة المؤهلة، تلك المستثمرة في ديون الشركات.
وفي نهاية المطاف، انتهى الأمر بصفقات في 16 صندوقاً مختلفاً بقيمة 8.56 مليار دولار، بما في ذلك بعض الصناديق التي تمتلك أوراقاً مالية ذات درجة عالية من المخاطر، وفق إعلانٍ نُشر الشهر الماضي.
البداية مع صناديق المؤشرات
وفي طريقه للخروج، سيبدأ البنك المركزي مرة أخرى بصناديق المؤشرات المتداولة، وسيتخلص منها أولاً قبل الانتقال إلى سندات الشركات في وقت لاحق من الصيف. النية هي إنهاء البيع بحلول نهاية العام.
بالطبع هذا يعد مناسباً، إذ أنه يحدث تماماً في الوقت الذي يتوقع فيه العديد من مراقبي بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يبدأ في تقليص مشترياته الشهرية من سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري والتي تبلغ 120 مليار دولار.
وقالت متحدثة باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي لـ"بلومبرغ نيوز"، إن تفريغ المحفظة لا علاقة له بالسياسة النقدية، ولا يشير إلى أي شيء بشأن السياسة النقدية. لكن من السهل قراءة ما بين السطور.
سندات الشركات
الأمر الأكثر صعوبة هو فهم كيفية تحرك سوق سندات الشركات في المرحلة التالية.
حتى لو كان تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي صغيراً من حيث القيمة الدولارية، فقد غيَّر بشكل ملموس طريقة حساب مستثمري الائتمان. وبمفرده، أوقف البنك المركزي مبكراً دورة التخلف عن السداد النموذجية، ودفع بالأموال نحو الشركات لمساعدتها على تجاوز الوباء.
إجمالاً، بلغ إجمالي مبيعات سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية العالية في الولايات المتحدة أكثر من 1.9 تريليون دولار في عام 2020، وهو رقم قياسي، في حين جمع المقترضون السندات غير الجديرة بالاستثمار بدرجة هائلة بقيمة بلغت 443 مليار دولار، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.
وفي الوقت نفسه، لامس متوسط الفارق على الديون ذات الدرجة الاستثمارية 84 نقطة أساس في 28 مايو، وهو أدنى مستوى منذ عام 2007، في حين أن السندات ذات العائد المرتفع تقدم 301 نقطة أساس فقط أكثر من سندات الخزانة، وهو أدنى مستوى تقريباً لأي نقطة منذ أزمة المالية في عام 2008.
هل يتدخل المركزي مجدداً؟
هل هناك أي سبب للاعتقاد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يتدخل مرة أخرى إذا أصيبت أسواق الائتمان بالجمود؟ على الأغلب لا.
في الواقع، عندما سئل رئيس الاحتياطي الفيدرالي، "جيروم باول"، خلال مؤتمره الصحفي في يوليو، عما إذا كان البنك المركزي يمكنه شراء الأسهم بواسطة سلطاته الطارئة، لم يقم بإغلاق الباب أمام هذه الافتراضات، إذ قال: "بصراحة، وكما تعلمون، نحن لم نحاول دفعها، إلى ما هو الحد النظري لها".
وأضاف "باول": "ما أعنيه، أنه بحسب اعتقادي، من الواضح أنه من المفترض أن يحل محل الإقراض، إن هذا ما تفعله حقاً. إنك تتدخل لتقديم الائتمان في الأوقات التي يتوقف فيها السوق عن العمل".
لكن تسهيلات ائتمان السوق الثانوية لم تعمل على هذا النحو. في الواقع، ما قام بهذه المهمة لم يستخدم تماماً، ألا وهو تسهيل ائتمان الشركات في السوق الأولية.
إنقاذٌ خفي
علاوة على ذلك، ربما كان تسهيل الاحتياطي الفيدرالي بمثابة عملية إنقاذ خفية لصناعة الصناديق المشتركة.
فقبل الإعلان عن ذلك التسهيل بقليل في 23 مارس، قام المستثمرون بسحب مبلغ قياسي بلغ 35.6 مليار دولار من صناديق السندات الاستثمارية الأمريكية، وهو رقم قياسي بلغ 12.2 مليار دولار من صناديق الاستثمار المشتركة، و2.91 مليار دولار من الصناديق ذات العائد المرتفع، و3.45 مليار دولار من تلك التي تتبع القروض ذات الرفع المالي في فترة أسبوع واحد فقط.
هل يمكن أن يحدث هذا النوع من الخروج مرة أخرى إذا كانت العبر المستخلصة من شهر مارس 2020 هي أن البنك المركزي قريب جداً؟ وما هي مخاطر هذا النوع من راحة البال هذه؟
لذا يخرج بنك الاحتياطي الفيدرالي من سوق الائتمان بعد أن راكمت الشركات كمية غير مسبوقة من الديون الرخيصة في ميزانياتها العمومية، وكان المستثمرون على استعداد تام لشراء السندات مع فروق عوائد بأضيق المستويات التي مرت في الذاكرة الحديثة.
ولكي نكون واضحين، لم يكن الأمر يتعلق بالمبلغ الفعلي بالدولار الذي يشتريه البنك المركزي أو يبيعه.
في العام الماضي، كانت رمزية بدء التسهيل كافية لتنشيط الأسواق المالية. يتعين على صانعي السياسة أن يأملوا ألا يكون العكس صحيحاً.