أحد الأمور المطمئنة في التقلبات التي أدت إلى فقدان "بتكوين" نصف قيمتها في أقل من شهرين، هو حصانة العالم المالي الحقيقي ضد العدوى من العملات المشفرة، التي أراها بشكل متزايد أنها أصل "ليس مسلياً وليس مالاً".
ولكن هناك خطورة في أن يكون للمضاربين - خاصة إذا كانوا شباباً وغير ذوي خبرة - ردة فعل "شديدة الحذر" تجاه الخسائر، والتي يمكن أن تضر بميلهم لتخصيص النقدية في المدخرات طويلة الأجل.
زَحْفُ المستثمرين الأفراد
ويعد تحويل التمويل إلى "لعبة" اتجاهاً مقلقاً، ولا يقتصر الأمر فقط على شراء العملات المشفرة والاحتفاظ بها، فقد دخلت جموع "الخوف من فوات الشيء"، و"أنت تعيش مرة واحدة فقط" سوق الأسهم أيضاً، كما رأينا أوائل العام الجاري مع صعود وهبوط، (وصعود مجدداً) لسهم "غيم ستوب"، وغيره من الأسهم المفضلة على منصة "روبن هود"، التي جذبت انتباه مستخدمي منصة "ريديت".
وفي فبراير، قال المستثمر الأسطوري، "تشارلي مونجر"، إن إغراء المستثمرين الجدد للرهان على الأسهم هو "طريقة قبيحة " للتربح من عدم خبرتهم.
وقال نائب رئيس مجلس إدارة "بيركشاير هاثاواي": "إن زخم التداول من قبل المستثمرين المبتدئين المنجذبين لأنواع جديدة من عمليات السمسرة مثل "روبن هود"، هو الأمر الأكثر فظاعة.. أعتقد أن هذا النشاط بأكمله مؤسف وأن الحضارة ستكون أفضل بدونه".
شراء محموم
وظهر تداول الأسهم من قِبل الأفراد أثناء عمليات الإغلاق الناتجة عن الوباء، وليس فقط في الولايات المتحدة، واستنتج تقرير الاستقرار المالي الذي يجريه البنك المركزي الأوروبي، والصادر في وقت سابق من شهر مايو، أن عقود فروق الفائدة ومقايضات الأسهم - الطرق الشائعة لإجراء رهانات على الأسهم والأوراق المالية الأخرى بالدين- قفزت إلى ما يقرب من 15 تريليون يورو (18 تريليون دولار) في مارس، أي أكثر من ضعف قيمتها قبل عام.
وهذا رغم قول "آي جي غروب هولدينغز"، التي تعتبر نفسها أكبر مزود لعقود فروق الفائدة في العالم، في مسودة تسويق عبر الإنترنت، إن 71% من عملاء التجزئة يخسرون أموالهم نتيجة تداول المنتج.
يسلط هذا الرقم المذهل الضوء على درس لا ينبغي نسيانه: التداول والاستثمار ليسا الشيء نفسه، فالشراء والبيع على أمل تحقيق ربح سريع يختلف اختلافا جوهرياً عن تخصيص الأموال لبناء عش طويل الأجل للمستقبل.
المراهقون ينضمون للعبة
في وقت سابق من الشهر الجاري، قالت شركة "فيدلتي انفستمنتس"، إنها تسمح للمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 13 عاماً، بفتح حسابات بدون رسوم، ما يمهد الطريق لأطفال عملائها الحاليين "للتعلم عملياً وتعزيز المحادثات العائلية الهادفة حول الموضوعات المالية"، حسبما قالت الشركة الواقعة في بوسطن.
بالنظر إلى أسعار الفائدة المنخفضة للغاية المتاحة على حسابات سوق المال التقليدية، فمن المنطقي محاولة تثقيف الشباب حول عالم المدخرات الأوسع، بما في ذلك الأسهم، كما جادل زميلي في "رأي بلومبرغ"، "برايان تشاباتا"، قبل بضعة أسابيع.
ولكن هناك خطرٌ من أن القدرة على تحريك الأسهم ظاهرياً، دون دفع رسوم - تقدم فروق السعر بين العرض والطلب ضريبة معاملات غامضة إلى حد ما - ستجذب المراهقين إلى المقامرة بدلاً من الاستثمار.
علاوة على ذلك، لم يشهد الجيل الحالي من المستثمرين في سوق الأسهم انخفاضاً في القيمة الإجمالية للأسهم إلا لفترات وجيزة، ومنذ نهاية عام 2007 وحتى أوائل عام 2009، خسرت الأسهم العالمية 50% من قيمتها، واستغرقت ست سنوات لتعويض الخسائر، ومنذ ذلك الحين، كان الاتجاه محابي للمستثمرين، وكان الانخفاض بنسبة 30% العام الماضي مع بدء ظهور الجائحة قصير الأمد.
الجهات التنظيمية تنتبه للمخاطر
وتركت الأزمة المالية العالمية ندوباً عميقة في النفسية الجماعية للمستثمرين، الذين أصبحوا قلقين بشأن الأسهم.
وقدَّرت شركة الاستشارات "أوليفر وايمان" في عام 2012، أن مزيج فقدان الثقة في الخدمات المالية بالإضافة إلى العديد من العوائق أمام الاستثمار، قد يحرم الجيل القادم من المستثمرين الغربيين من مكاسب قدرها 15 ألف دولار سنوياً.
لا عجب إذن في أن المنظمين ينتبهون بشكلٍ متزايد إلى المخاطر الكامنة في تحويل عالم التمويل إلى لعبة، حتى لو كان ذلك يعني فرض قيود على الطابع الديمقراطي للتمويل.
"لعبة فيديو"
وقال رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، "غاري غينسلر"، في شهادته أمام الكونغرس في 6 مايو، إن وكالته تُعدّ تقريراً حول جنون تجارة التجزئة العام الجاري، ومن المقرر أن يكون جاهزاً بحلول الصيف.
وستكون إحدى نقاط التركيز في التقرير هي الاتجاه السائد بين التطبيقات المالية، والمتمثل في إدخال ميزات تجعل تداول الأوراق المالية، يبدو وكأنه لعبة فيديو، والتي قال إنها يمكن أن تدفع المستخدمين إلى الشراء والبيع، بشكل متكرر والمخاطرة بخسارة الأموال في كثير من الأحيان.
وقال غينسلر إن انتشار الشركات التي تقدم منصات تداول جعل فتح الحسابات سهلاً، لكنه حذر قائلاً: "لقد فقدنا ذلك الإنسان في المنتصف .. فهل هذا أمر صحيح؟".
وأخذت التقلبات الجامحة التي أدت إلى رفع بتكوين إلى 65 ألف دولار، ثم هبطت بها إلى 30 ألف دولار، منذ منتصف الداخلين متأخراً للسوق على حين غرة، لكن أولئك الذين اشتروا قبل عام فقط ضاعفوا أموالهم أربع مرات تقريباً حتى بعد التراجع الأخير.
ويحجب هذا التقلب، الدرس الهام حول كيف يمكن للرأسمالية بشكلٍ عام وأسواق الأوراق المالية بشكل خاص أن تساعد في بناء الثروة من أجل المستقبل؟
ومعاملة التداول والاستثمار على أنهما مساران متشابهان للأمان المالي، يعزز مكانة الأول بشكلٍ غير مبرر على حساب الأخير.