بلومبرغ
شهدت وول ستريت بداية أسبوع صعبة بسبب مخاوف من أن نموذج الذكاء الاصطناعي الرخيص من شركة "ديب سيك" (DeepSeek) الناشئة الصينية، قد يجعل تقييمات أسهم شركات التكنولوجيا التي دعمت السوق، صعبة التبرير.
من نيويورك إلى لندن وطوكيو، تعرضت الأسهم لضربة قوية. انخفض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 1.7%، كما نزل مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 3.2%. وانخفض مؤشر صناع الرقائق الذي تتم مراقبته عن كثب بنسبة 9.5%، وهو أكبر انخفاض منذ مارس 2020.
انهارت أسهم شركة "إنفيديا" التي ينظر إليها بصفتها الطفل المدلل لجنون الذكاء الاصطناعي، بنسبة 17%، في أكبر خسارة في القيمة السوقية لسهم واحد في تاريخ السوق.
مع انهيار أسهم شركات التكنولوجيا الكبيرة، كانت سوق الأسهم الأميركية على طريق تسجيل أسوأ يوم لها منذ قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخير الذي أزعج المتداولين.
في اندفاع نحو الأمان، تهافت المستثمرون على شراء أسهم الصناعات الدفاعية مثل السلع الأساسية الاستهلاكية والرعاية الصحية، كما ارتفعت سندات الخزانة، مما دفع العائدات إلى أدنى مستوياتها هذا العام، في حين ارتفعت العملات التي تصنف كملاذ آمن بما في ذلك الين والفرنك السويسري. وتعرض عالم العملات المشفرة لضغوط.
اقرأ أيضاً: كيف يفسر محللون تأثير "DeepSeek" على شركات التكنولوجيا الأميركية؟
قال كريس لاركين من "إي ترايد" التابعة لـ"مورغان ستانلي"، إن "الأسبوع الذي كان ينظر إليه على أنه مهم في السوق، أصبح أكثر أهمية مع الاضطراب في مجال الذكاء الاصطناعي، ما قد يجعل إعلانات الأرباح لشركات التكنولوجيا العملاقة هذا الأسبوع، أكثر أهمية لمشاعر السوق".
تصدعات في سردية السوق
دفع الانخفاض يوم الاثنين إلى تصدعات جديدة في سردية السوق التي سادت منذ إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيساً في نوفمبر. هذه السردية توقعت صعوداً مدعوماً بأسهم شركات التكنولوجيا، في متابعة للمسار التصاعدي الواضح للأصول الخطرة، والذي نشأ نتيجة وعود بإلغاء القيود التنظيمية وتخفيضات الضرائب، وحتى رعاية الحكومة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: ترمب يعلن عن "Stargate" أكبر مشروع لبنية الذكاء الاصطناعي التحتية
وانخفضت عائدات الخزانة بشكل حاد حيث وضع المستثمرون الباحثون عن الملاذ الآمن مخاوفهم جانباً -اليوم على أي حال- من أن سياسات الرئيس الجديد ستؤجج التضخم.
كانت شدة عمليات البيع في الأصول الأميركية متناسبة مع أوزان الشركات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في أكبر مؤشرات الأسهم. حتى بعد التقليص الأخير، فإن مجموعة "إنفيديا" و"أبل" و"مايكروسوفت" و"أمازون" و"ميتا" و"ألفابت" تمثل مجتمعة حوالي 40% من مؤشر "ناسداك 100"، وحوالي 30% في مؤشر "إس آند بي 500"، مما يجعلهما مهددين بشكل كبير لأي انخفاضات في أسهم تلك الشركات.
قال ستيف سوسنيك من "إنتر أكتيف بروكرز" (Interactive Brokers) إن "ردة الفعل المفاجئة للسوق تجاه ديب سيك تشير إلى أن بعض الافتراضات الرئيسية التي كانت تدفع تجارة الذكاء الاصطناعي، وبالتالي المؤشرات الرئيسية، تخضع لإعادة تقييم اليوم".
وأضاف: "أعتقد أن جزءاً من رد الفعل المعاكس المفاجئ للسوق اليوم كان نتيجة مباشرة لموجة من الرضا عن الذات التي طغت على سوق الأسهم".
أضاف مؤشر "داو جونز" الصناعي 0.4%، في حين انخفض مؤشر "العظماء السبعة" (أبل، ألفابت، إنفيديا، أمازون، ميتا، مايكروسوفت، تسلا). بنسبة 3.2%. وانخفض مؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة بنسبة 1.3%، في حين ارتفع "مؤشر الخوف" في وول ستريت (VIX)، إلى أعلى مستوياته منذ منتصف ديسمبر ليصل إلى ما يقرب من 20 نقطة.
كما هبط العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار 10 نقاط أساس إلى 4.53%، وارتفع مؤشر "بلومبرغ" للدولار الفوري بنسبة 0.1%. وانخفضت عملة "بتكوين" بنسبة 3.9% إلى 100,537.23 دولار.
أساسيات السوق قوية
أملت كالي كوكس من "ريثولتز لإدارة الثروات" في أن "تشجع هذه اللحظة الجميع على النظر إلى ما هو أبعد من أسهم التكنولوجيا"، مضيفة: "ليس لأن قصة الذكاء الاصطناعي محكوم عليها بالفشل، ولكن هناك العديد من الفرص في القطاعات غير المحبوبة التي تم تجاهلها لفترة طويلة. لا تزال أساسيات السوق جيدة، لذا فمن المرجح أن يتم الشراء عند انخفاض الأسعار".
في شركة "جي سكويرد برايفت ويلث"، تقول فيكتوريا غين إنها "غير مقتنعة بأن الفقاعة انفجرت"، ولكن من "الغباء" عدم تقييم المخاطر المحتملة.
وأشارت إلى "أننا ننظر بعناية إلى كيفية تقدم السوق من هذه المرحلة، وما إذا كان من الضروري اتخاذ إجراءات للحماية، وتحويل تخصيصات المحفظة". مضيفة: "نحن لسنا مذعورين، لذلك نميل إلى أن نكون مشترين للاضطرابات الكبيرة التي تحدث في التكنولوجيا والطاقة والبنية الأساسية اليوم".
أما بول مارينو من شركة "ثيمز إي تي إف" فأشار إلى أنه يميل إلى تفضيل فرضية أن الناس متشككون. وقال: أشعر بالقلق كمستثمر طويل الأجل عند رؤية أي شيء يرتفع مباشرة إلى السماء بشكل صاروخي".
اقرأ أيضاً: ما هو "DeepSeek" الصيني ولماذا يقلق عمالقة الذكاء الاصطناعي؟
قد يأتي الانخفاض التالي لأكبر أسهم التكنولوجيا من تجارة الأفراد، وفقاً لتوني باسكوارييلو من مجموعة "غولدمان ساكس".
كتب باسكوارييلو في مذكرة للعملاء يوم الاثنين: "من الناحية التكتيكية، أظن أن الأيام القليلة القادمة ستجلب خفضاً متسرعاً للتعرض من قبل الأفراد"، مضيفاً أن صناديق التحوط كانت تقلل من تعرضها بشكل عدواني لعدة أشهر، لذا فإن الأمر يتعلق حقاً باستجابة الأفراد.
ومع ذلك، فهو مؤمن حقيقي بالتفوق البنيوي لشركات التكنولوجيا الأميركية، والتي "يمكن القول إنها لا تملك سوى المزيد من الحوافز للإنفاق".
لحظة "سبوتنيك"
"لا نعلم ما إذا كانت هذه هي (لحظة سبوتنيك) للأسهم، ولكنها بالتأكيد جرس إنذار بأننا لسنا اللاعبين الوحيدين في المدينة"، كما قال بول نولتي من شركة "مورفي آند سيلفست لإدارة الثروات".
وأضاف: "إن وضع هذه التقييمات المرتفعة للغاية للأسهم، على اعتقاد أنها احتكرت السوق، هو خطأ فادح، ويتم إعادة تقييمه".
بالنسبة لمات مالي من شركة "ميلر تاباك + كو"، فإن فكرة أن أحدث نموذج للذكاء الاصطناعي من شركة "ديب سيك" أكثر فعالية من حيث التكلفة، ويعمل على شرائح أقل تقدماً بكثير، تثير بعض الأسئلة الجادة حول نوع الأرباح التي يمكن استخلاصها من ظاهرة الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: "DeepSeek" تضرب أسهم التكنولوجيا وتهددها بخسارة 1.2 تريليون دولار
وأشار إلى أنه "إذا بدت هذه الشركات وكأنها ستواجه صعوبة في الحفاظ على نمو أرباحها (أسهم الشرائح) أو صعوبة في الوصول إلى أهدافها للأرباح (شركات المعاول والمجارف)، فإن هذا من شأنه أن يخلق بعض الرياح المعاكسة الخطيرة لسوق الأسهم باهظة الثمن اليوم".
في الواقع، جاء انزلاق أسهم شركات التكنولوجيا في وقت يتداول فيه مؤشر "ناسداك 100" عند 27 ضعفاً من الأرباح المتوقعة، وهو ما يزيد بشكل كبير عن متوسطه على مدى 10 سنوات والذي يبلغ 22 ضعفاً. "إنفيديا"، التي قادت الطريق في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لديها مضاعف تقييم يبلغ 32.
الأمل في إعلانات النتائج
والآن، فإن كل التركيز سينصب على إعلانات نتائج الشركات الكبرى مثل "مايكروسوفت" و"أبل" هذا الأسبوع، لاستعادة الثقة في مجموعة "العظماء السبعة".
يتجه المستثمرون إلى دورة أرباح محورية أخرى لشركات التكنولوجيا الكبرى مع اقتراب أسهم الشركات من مستوياتها القياسية وتمدد التقييمات. والفرق الرئيسي هذه المرة: من المتوقع أن يأتي نمو أرباح المجموعة بأبطأ وتيرة في ما يقرب من عامين.
وقال دان تايلور، كبير مسؤولي الاستثمار في "مان نوميريك": "يجب أن يكون موسم الأرباح الحالي جيد إلى حد ما، لكن العتبة المعيارية قد ارتفعت، وقد لا تتمكن هذه الشركات من الارتقاء إلى مستوى التوقعات العالية". وأضاف: "سيكون من الصعب على المجموعة أن تؤدي بالطريقة التي فعلتها العام الماضي، خاصة مع زيادة التقييمات".
اقرأ أيضاً: أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى أمام امتحان الأرباح وسط تقييمات مرتفعة
أما الاستراتيجيون من معهد "بلاك روك للاستثمار"، ومن بينهم جان بويفين ووي لي، فرأوا أن "شركات التكنولوجيا الكبرى يمكنها الاستمرار في تحقيق الأرباح، لكن الفشل في الوصول إلى التوقعات قد يؤدي إلى إحياء المخاوف من أن الإنفاق الرأسمالي الكبير على الذكاء الاصطناعي لن يؤتي ثماره، وهو أحد ثلاثة محفزات لتخفيف وجهة نظرنا المؤيدة للمخاطرة".
وقالوا إن مقاييس مثل نسب رأس المال إلى المبيعات، والتدفقات النقدية الحرة، تشير إلى أنه في الوقت الحالي، لا تعاني شركات التكنولوجيا ذات القيمة السوقية الضخمة من الإفراط في التوسع. وخلصوا إلى أنه ينبغي تقييم الاستثمار المفرط بشكل إجمالي، نظراً لإمكانية فتح الذكاء الاصطناعي لمصادر دخل جديدة عبر الاقتصاد.
ما هو "ديب سيك"؟
"ديب سيك" هي شركة ناشئة صينية تأسست في 2023 على يد ليانغ ونفنغ، رئيس صندوق التحوط الكمي الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي "هاي فلاير" (High-Flyer). وتطور الشركة نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، وارتقى تطبيق الهاتف الذي يحمل الاسم نفسه ليتصدر قوائم التحميل على هاتف "أيفون" في الولايات المتحدة بعد إطلاقه أوائل يناير.
يُميز تطبيق "ديب سيك" نفسه عن روبوتات المحادثة الأخرى، مثل "تشات جي تي" الذي طورته شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، بتوضيح منطقه قبل الرد على الأمر. وتزعم الشركة أن الإصدار "آر ون" (R1) يقدم أداءً يضاهي أحدث إصدارات "أوبن إيه آي"، كما سمحت للأشخاص المهتمين بتطوير روبوتات المحادثة بالوصول إلى التكنولوجيا لتطويرها.