انحسار "كورونا" يثير جدلاً حول جدوى نظام "العمل الهجين"

time reading iconدقائق القراءة - 8
العمل الهجين قد يكون النظام الأمثل بعد الوباء - المصدر: بلومبرغ
العمل الهجين قد يكون النظام الأمثل بعد الوباء - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بعد أربعة عشر شهراً من حصار فيروس كورونا لموظفي المكاتب حول العالم في منازلهم، تشرع الشركات في تجربة رائعة أخرى لإعادة فرقهم معاً وشخصياً، لبعض الوقت على الأقل.

هذه المهمة قد توحد لفترة وجيزة عمالقة التمويل العالمي، وقادة الشركات الناشئة الذكية، الذين يتعيَّن عليهم جميعاً التخطيط لموظفين يأتون ليومين أو ثلاثة أيام كل أسبوع، على الأقل في الوقت الحالي.

تأتي هذه المهمة مدفوعة في بعض الأماكن بالمخاوف من كوفيد، وفي أماكن أخرى بالرغبة في تبني التغيير في مكان العمل، فيما يعدُّ خطوة تشير إلى أنَّ العمل الهجين قد يكون الأساس الجديد - على الأقل - في المدى القصير.

مع البدء في تخفيف تفويضات العمل من المنزل قريباً في العديد من الأماكن، يشعر الخبراء بالقلق من أنَّ المزيج المستقبلي للعمل من المنزل والمكتب سيتطلَّب إدارة معقدة، ولن يوفِّر المرونة التي اعتاد عليها الموظفون أثناء الوباء. من المتوقَّع أن تخفف المملكة المتحدة القيود في 21 يونيو، كما يريد عمدة نيويورك "إعادة فتح المدينة بالكامل" بحلول الأول من يوليو.

وقالت كلير مكارتني، كبيرة مستشاري الموارد والشمول في "سي آي بي دي" (CIPD)، الهيئة المهنية في المملكة المتحدة للموارد البشرية وتنمية الأفراد: "يتعلَّق العمل من المنزل عن بُعد بالمرونة في الموقع، وليس بالضرورة المرونة في ساعات العمل".

وتُستخدم الترتيبات المرنة - التي تتنوع ما بين تقاسم الوظائف إلى أوقات البدء، والانتهاء المتدرجة أو ساعات العمل المضغوطة - بشكل متكرر من قبل مجموعة من الموظفين، خاصة الأهالي، بالإضافة إلى مقدِّمي الرعاية، وكذلك النساء العاملات على وجه الخصوص.

أجور أقل

يشير تحليل "سي آي بي دي" (CIPD) لبيانات القوى العاملة في المملكة المتحدة إلى أنَّ 9.3% من العاملين في المملكة - أي ما يعادل 3 ملايين شخص - سيكونون مستعدين للعمل لساعات أقل مقابل أجور أقل، وفي تقرير نُشر الشهر الماضي، وجدت المنظمة أنَّ خيارات العمل المرنة لم تؤدِ الطلب المأمول من جانب الموظفين.

وبرغم ذلك، وجدت "سي آي بي دي" (CIPD) أيضاً أنَّه في حين يتوقَّع 63% من أصحاب العمل تنفيذ سياسات العمل الهجين في 2021؛ فإنَّ أقل من النصف (48%) يخططون لتوسيع "ساعات العمل المرنة"، وهو الخيار الوحيد الأكثر شيوعاً للعمل المرن.

قالت مارغريت ماكغراث، الرئيسة العالمية للعروض الإستراتيجية في شركة "ديل تكنولوجيز" (Dell Technologies) التي يقع مقرّها في لندن: "إنَّ الافتقار إلى المرونة الحقيقية مصدر قلق فعلي"، إذ تعمل فرق "ماكغراث" (McGrath) على مساعدة العملاء على التكيف مع بيئة الأعمال المتغيرة، والاعتماد على التكنولوجيا لمساعدتهم في الاحتفاظ بالموظفين، واجتذابهم على المدى الطويل.

يشعر العديد من أصحاب العمل، حالياً، بالتفاؤل بشأن احتمال الطلب من الموظفين العودة إلى المكتب يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع. لكنَّ الخلاف يدور حول ما يتوقَّع التنفيذيون من فرقهم القيام به عندما يتجاوزون نقطة البدء، ومدى التغيير الدائم الذي سيشجعه الرؤساء.

قالت ماكغراث: "يمكن أن تصبح الأمور فوضوية للغاية. هذا ما نخشاه. هم في الواقع لم يضعوا استراتيجية عمل هجينة. وهناك الكثير من المنظمات التي تخلَّفت عن الركب. لن نغير أي شيء، سنقوم فقط بإعادة موظفينا إلى العمل. إنَّهم لا يدركون تماماً مدى هذا التحوُّل النموذجي في العمل".

تُظهر البيانات المأخوذة من شركة "ليزمان" (Leesman) المتخصصة في مجال سوق العمل أنَّ الموظفين يشعرون بمزيد من الإنتاجية في المنزل، وهم يقومون بالعديد من العناصر الأساسية في وظائفهم. ومن جهة أخرى، أظهر البحث الذي أجرته جامعة ستانفورد أنَّ العمل من المنزل يجري باعتدال.

الاستعداد الكامل

تقول بيغي روث، مسؤولة الأبحاث في "ليزمان"، إنَّ جميع الشركات لم تصبح مستعدة لتبني النتائج بعد، و ترى أنَّ هناك انقساماً إلى ثلاث مجموعات واسعة، هي الشركات التي تتخذ بالفعل إجراءات، وتعيد تصميم ممارسات العمل؛ كما لدى بعض ممن لديهم نية لذلك، لكنَّهم لم يبدأوا بعد؛ وأولئك الذين لم يبدأوا التفكير في الأمر بعد.

وجدت دراسة حديثة أجرتها جامعة بريستول بالكلية الملكية في لندن أنَّه في حين تخطط 97% من الشركات لنوع من العمل الهجين؛ فإنَّ 36% منها فقط تخطط لإعادة تصميم الأدوار الوظيفية.

قالت روث: "أسوأ شيء يمكن لأي منظمة فعله الآن هو أن تغلق أعينها، وتغطي أذنيها، وتتخيل أنَّ بإمكانها محاولة العودة إلى ما كانت عليه من قبل، لأنَّها إن فعلت ذلك، فسوف تعود إلى الوراء".

وفي "أفيفا" (Aviva)، شركة التأمين التي كانت من أوائل المبشرين في المملكة المتحدة بالعمل الهجين، يوجد مصدر قلق يقود التغيير، إذ يجري الآن تزويد المديرين بخمسة ملفات تعريفية للمساعدة في تحديد المكان الأنسب لعمل أعضاء فريقهم، وكيفية القيام بذلك، والتسهيلات التي سيحتاجون إليها.

ومع ذلك، ما تزال هناك مخاوف من أنَّ التركيز على المبادئ التوجيهية المستندة إلى الأدوار في عصر العمل الجديد سيسمح لأصحاب العمل بالترويج لسياسات العمل الهجينة مع التشدُّق بالكلام على قضايا المرونة الأوسع.

وقالت كلير مكارتني من "سي آي بي دي" (CIPD)، إنَّ مثل هذه الترتيبات تساعد الشركات على جذب الموظفين والاحتفاظ بهم، بالإضافة إلى دعم الاندماج، والتنوع، وتعزيز خدمة العملاء. وقالت: "ستتجاهل المنظمات هذا الأمر على مسؤوليتها، لأنَّ التوقُّعات قد تغيَّرت".

الآثار الجانبية

في "أفيفا"، ستؤدي بداية العصر الهجين هذا إلى الإنهاء الرسمي لبعض من أنواع التشويش الذي سبَّبته الحياة الأسرية والمنزلية، الذي تحمَّله أصحاب العمل أثناء الوباء. فمثلاً، سيصبح من المتوقَّع من الموظفين أن يتأكَّدوا من حصولهم على رعاية كافية للأطفال للسماح لهم بالعمل دون تشويش أو مقاطعة في أيِّ مكان يعملون منه.

تعتقد إيميلي كلارك، محامية التوظيف الأولى في شركة المحاماة الدولية "بيرد آند بيرد" (Bird & Bird) في لندن، أنَّ الشركات ستحتاج إلى التفكير في الآثار الجانبية المحتملة لفرض سياسة توظيف من أعلى الهرم إلى أدناه، ، وبمقاس واحد يناسب الجميع.

قالت كلارك: "يكمن الخطر في تحديد أنماط عمل الناس في عقود عملهم، كما يحدث عادة".

وأضافت: "يصبح الأمر معقداً للغاية. ويمكنني أن أتخيل مواقف تجد المؤسسات نفسها مع أمور لا تشبه النمط الطبيعي للعمل في المكتب، عندما سيستدير الجميع ويقولون: "لا يمكنك تغيير ذلك بدون موافقتي".

تشير مارغريت ماكغراث من شركة "ديل" إلى أنَّ الشركات بحاجة إلى ضمان تحقيق أهداف العمل، وأمان المباني، والمعاملة العادلة للموظفين. وأضافت: "من المهم أن نحصل على هذا المزيج بشكل صحيح. ستكون هناك مشاكل في البداية بلا شك، لأنَّنا ما زلنا في مرحلة التجريب".

بحلول الوقت الذي تفتح فيه المدارس والجامعات أبوابها في سبتمبر، ستكون الحياة في "وول ستريت" قد عادت إلى مجراها، ومن المرجح أن تكون لدى أصحاب العمل في الولايات المتحدة وبريطانيا خطط أكثر قوة. وقد يجد القادة والموظفون على حدٍّ سواء أنَّهم بحاجة إلى التحلي بالصبر، والالتزام بالسير في الطريق الوعر، وفقاً لـ"ماكغراث"، التي أضافت قائلة: "هذه هي المرة الأولى التي لا يتفاخر فيها أحد بأنَّه تمكَّن من القيام بكل شيء بالشكل الصحيح تماماً، فنحن نمر بمرحلة أخرى أكثر قتامة".

تصنيفات

قصص قد تهمك