عندما قالت شركة صناعة السيارات الكهربائية "تسلا" في فبراير إنها ستشتري بتكوين بقيمة 1.5 مليار دولار وتبدأ قبولها في عمليات الدفع، لم يكن لدى رئيسها الملياردير إيلون ماسك كثير ليقوله عن استهلاك للعملة المشفرة المهدر للطاقة، رغم تناقض ذلك بوضوح مع اعتماد شركته كشركة خضراء.
وعندما دعم زميلاه جاك دورسي وكاثي وود المؤيدان لصعود بتكوين في الشهر الماضي تقريراً يزعم أن الجمع بين مشاريع تعدين العملة المشفرة والطاقة المتجددة يمكن أن يكون مفيداً للبيئة، أشاد ماسك بالبحث ووصفه بأنه "صحيح"، رغم أن افتراضات التقرير المتفائلة والمفرطة في الثقة تتعارض مع التسويق الأخضر.
في حين أن رؤية أحدث تغريدة لماسك تعترف بالحقيقة المزعجة لبتكوين يُعَدّ من التطورات المشجّعة، أي إن خوارزميات التعدين غير الفعَّالة من حيث الطاقة من خلال بعض المقاييس تستهلك طاقة أكثر من بلدان بأكملها، فإن سرعة تحوُّله بين عشية وضحاها محيّرة بعض الشيء، على الأقلّ لعشاق العملات المشفرة الذين يتمسكون بكل كلمة تصدر من ماسك، والذين أصيبوا بالصدمة من شطب 365 مليار دولار أو نحو ذلك من قيمتها السوقية بعد قرار ماسك وقف دعم المدفوعات ببتكوين.
إن الأخذ بما ظهر من التغريدة -وهو أمر خطير مع شخصية مثل ماسك تلهم كثيرين- يشير إلى أن حقائق الطاقة البديلة التي يضخّها مناصرو بتكوين لم تكسب زخماً.
أداة مضاربة
تُعَدّ الطاقة الرخيصة والوفيرة ضرورية للعاملين في تعدين العملات المشفرة، إذ يمثّل الفحم نحو 38% من إمداداتهم، وفقاً لـ"مركز كامبريدج للتمويل البديل". تختلف تقديرات إجمالي استهلاك الطاقة لشبكة بتكوين على نطاق واسع، ولكنها تتراوح من 20-80 تيراواط/ساعة في عام 2019، إلى أكثر من 100 هذا العام. ورغم جهود الداعمين المشهورين مثل دورسي ووود في دفع الروايات حول التعدين المتجدد، لم يقترب الجمهور ذو النظرة الثاقبة من فضح المخاوف المتعلقة بالطاقة.
قد تشير حركة ماسك أيضاً إلى أن "تسلا" لم تجنِ مبالغ هائلة من قبولها الدفع ببتكوين. حقيقة أخرى مزعجة حول بتكوين هي أن تقلبات أسعارها الهائلة وإمداداتها المحدودة بشكل مصطنع تجعلها أفضل بكثير كأداة اكتناز مضاربة بدلاً من شراء الأشياء، ويمكن أن تكون نشاطاً خاضعاً للضريبة.
في أواخر شهر مارس قال ممثّل "تسلا" لـ"كوين ديسك" (CoinDesk)، إنه ليس من الواضح ما إذا كان قد دُفع ثمن أي سيارة بالعملة المشفرة. كشفت الشركة لاحقاً أنها حقّقَت دخلاً صافياً بقيمة 101 مليون دولار من بيع نحو 10% من مقتنيات بتكوين الخاصة بها.
مناورة ماسك
ويشير انعطاف "تسلا" أيضاً إلى أن الضجة حول دعم الشركة للدفع ببتكوين ربما لم تكُن تستحقّ أسئلة المستثمرين المؤسسيين وشكوكهم، وهم الذين يُولُون العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة اهتماماً متزايداً.
تساءل بول دونوفان الاقتصادي في "يو بي إس" في فبراير: "هل يمكن لمستثمري الاستدامة التفكير في امتلاك شركات مرتبطة بالتشفير؟". سهّل ماسك الإجابة عن السؤال قليلاً، ولو قال إن "تسلا" ستحتفظ ببتكوين الخاص بها.
لعلّ حدوث هذا وسط تحوُّل أوسع في الأسواق المالية ليس من قبيل المصادفة. يبدو أن مخاوف التضخم وعائدات السندات آخذة في الارتفاع وتنهش في الاستثمارات المتفائلة الرائدة. انخفض مؤشر بورصة "ناسداك" للتكنولوجيا الثقيلة هذا الأسبوع، كما انخفضت أسهم شركة "آرك" التابعة لوود و"تسلا" بحدّة. لا تزال عملة بتكوين عند مستوى أعلى من 50 ألف دولار، ولكن بعد انخفاضها بنسبة 8% في ثلاثة أيام، فإنها بالكاد تتصرف كتحوُّط لا يهزمه التضخم.
ترك ماسك مساحة مناورة كافية بالكاد لتجنب التخلي تماماً عن أتباعه في مجال العملات المشفرة، من خلال تركه الباب مفتوحاً لاستخدام الرموز المميزة الأقلّ إهداراً للطاقة من بتكوين، فإنه يتحوّط على رهاناته على مستقبل المال، ويحتفظ بالحق في الاستمرار في التصيد على الإنترنت نتيجة لذلك.
يوم الثلاثاء الماضي سأل ماسك متابعيه بشأن ما إذا كان على "تسلا" قبول ميزة "دوغ كوين" العرضية الساخرة من بتكوين، بعد وقت قصير من وصفه لها بأنها "صخب" في برنامج "ساترداي نايت لايف" (Saturday Night Live). وفي الوقت نفسه تهدف "إيثريوم" إلى الابتعاد عن نموذج التعدين القائم على "العمل" الحسابي نحو نموذج مدعوم من "حصص" العملة الحالية. وتوجد نماذج بديلة.
ومع ذلك، كلما كان مزج ماسك مزيداً من الانعطافات وميمات وسائل التواصل الاجتماعي، والكوميديا الارتجالية في الدفع، بات من الصعب اكتشاف أين ينتهي مستقبل المال ويبدأ "الاحتيال"، الذي قد يكون بيت القصيد.