اليوان الرقمي الصيني يخفق في إثارة إعجاب المستخدمين

time reading iconدقائق القراءة - 10
لافتة لليوان الرقمي في جهاز تسجيل الخروج الذاتي داخل متجر في شنجن، بالصين، يوم الجمعة 20 نوفمبر 2020. يختبر بنك الشعب الصيني نقوده الرقمية في مدن مختارة، مما يضع الاقتصاد الثاني عالمياً في طليعة سباق تطوير الأموال الافتراضية. - المصدر: بلومبرغ
لافتة لليوان الرقمي في جهاز تسجيل الخروج الذاتي داخل متجر في شنجن، بالصين، يوم الجمعة 20 نوفمبر 2020. يختبر بنك الشعب الصيني نقوده الرقمية في مدن مختارة، مما يضع الاقتصاد الثاني عالمياً في طليعة سباق تطوير الأموال الافتراضية. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

مع اقتراب الصين من طرح أول عملة رقمية سيادية رئيسية في العالم، وصلت التكهنات الدولية بشأن تبعات تلك الخطوة إلى ذروتها.

يصف المؤرخ، نيال فيرغسون، اليوان الرقمي بأنه "تحدٍ قاتل محتمل" لعقود من الهيمنة المالية الأمريكية. من جهته، يقول مايكل هاسينستاب، من شركة "فرانكلين تمبلتون"، إن اليوان الرقمي يمكن أن يقوض دور الدولار كعملة احتياطية في العالم، بينما يسارع البيت الأبيض لدراسة التهديد المحتمل على مصالح الولايات المتحدة.

لكن، جرب أن تتكلم مع الأشخاص الذين استخدموا اليوان الرقمي في الصين، فمن المرجح أنك ستحصل على إجابة مختلفة تحمل في طياتها تجاهلاً فيه لامبالاة.

في شنجن، عاصمة التكنولوجيا الفائقة التي وسعت للتو أكبر تجربة لليوان الرقمي في الصين، أظهر المشاركون الذين قابلتهم بلومبرغ اهتماماً ضئيلاً بالتحول من أنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول، التي تديرها شركة "آنت غروب" وشركة "تينسنت" التي حلت أنظمتها محل استعمال النقد في أجزاء واسعة من الصين. بينما أظهر البعض تردداً بسبب احتمال أن يمنح اليوان الرقمي السلطات الصينية إمكانية وصول أسهل في الوقت الفعلي إلى البيانات التي تظهر حياتهم المالية.

فعلى سبيل المثال، تقول باتريشيا تشين، البالغة من العمر 36 عاماً، والتي تعمل في صناعة الاتصالات، وكانت واحدة من بين أكثر من 500 ألف شخص في شنجن مؤهلين للمشاركة في التجربة: "أنا لست متحمسة على الإطلاق".

نقطة مئوية واحدة

رغم أن أياً من المشاركين السبعة الذين تحدثوا إلى بلومبرغ لم يظهر نظرة ثاقبة للدور المستقبلي لليوان الرقمي في أسواق الصرف الأجنبي العالمية، فإن استجابتهم الفاترة تؤكد التحدي الذي يواجه حكومة الرئيس شي جين بينغ، لأنها تضع أسس تبني اليوان الرقمي في الداخل والخارج.

حتى لو أقنعت السلطات في نهاية المطاف -أو أجبرت- المواطنين على تبني اليوان الرقمي، فليس من الواضح أنها تستطيع فعل الشيء نفسه مع المستهلكين والشركات الدولية التي تشعر بالقلق بالفعل من ضوابط رأس المال في الصين، والنظام القانوني الذي يسيطر عليه الحزب الشيوعي، بالإضافة إلى جهاز المراقبة الحكومي.

هذه ليست سوى بعض المخاوف التي أدت إلى الحد من حصة اليوان في المدفوعات العالمية عند حوالي 3%، وهي أقل بكثير من المستويات التي تتناسب مع مساهمة الصين في التجارة العالمية والناتج الاقتصادي العالمي. لذا، من غير المرجح أن تعزز النسخة الرقمية من العملة حصتها بأكثر من نقطة مئوية واحدة، وفقاً لما ذكره زينون كابرون، العضو المنتدب لشركة الاستشارات "كابروناسيا" التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها.

قال كابرون، مؤلف كتاب (انتظار "بتكوين" بفارغ الصبر: ماضي وحاضر ومستقبل "بتكوين" في الصين): "سيكون التأثير العالمي ضئيلاً للغاية" باستثناء التغييرات الهيكلية في الاقتصاد الصيني والنظام المالي في الصين.

الرقمنة سبيل لتدويل اليوان

يعتقد العديد من مراقبي الصين أن الرئيس شي، لديه آمال كبيرة في الاستخدام الدولي لليوان الرقمي، في الوقت الذي يحاول تقليل اعتماد بلاده على النظام المالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن، حتى الآن على الأقل، أعطى صانعو السياسة الصينيون علناً إشارات متضاربة حول طموحاتهم.

من جهتها، قالت تشو جون، رئيسة القسم الدولي في البنك المركزي، في مقال نشر في الشهر الماضي إن أمام الصين "نافذة مهمة" لتعزيز الاستخدام العالمي لليوان، في الوقت الذي قد يتوسع الانفصال بين الولايات المتحدة والصين ليشمل مجالات التمويل من التجارة والتكنولوجيا وصولاً إلى الاستثمار. تعتقد تشو أن الصين "يجب أن تستفيد من التقدم المبكر" في تطوير اليوان الرقمي لاستكشاف المجالات المحتملة لتدويله.

في غضون ذلك، قال نائب محافظ بنك الصين الشعبي "لي بو" لمنتدى "بواو" (Boao) الشهر الماضي، إن اليوان الرقمي، المعروف أيضاً باسم (e-CNY)، يستهدف الاستخدام المحلي وليس المقصود منه استبدال الدولار.

عملة التحكم

بدأ المشروع في عام 2014، من قبل رئيس بنك الشعب الصيني آنذاك تشو شياوتشوان، وهو مؤيد قديم لإنشاء عملة احتياطية دولية جديدة كبديل للدولار. رأى تشو في اليوان الرقمي طريقة واحدة لدرء التهديدات المحتملة من العملات الرقمية مثل "بتكوين" أو "ديم" من "فيسبوك" المعروفة سابقاً باسم "ليبرا".

من جهتهم، قال المنظمون الصينيون، الذين حظروا تبادل العملات المشفرة في عام 2017، إن اليوان الرقمي سيساعد في مكافحة غسل الأموال وزيادة الدمج المالي.

لكن هناك حالات استخدام أخرى أكثر إثارة للجدل. إذ يمكن لمجموعة البيانات التي تنتجها المعاملات الرقمية باليوان أن تمنح البنك المركزي الصيني رؤى قيمة، على أساس آني لثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ وقد يتم استخدامها أيضاً من قبل الأجهزة الأمنية لمراقبة المعارضين السياسيين أو الشركات الدولية التي تتنافس مع الشركات الصينية المملوكة للدولة.

يمكن لوجود نسخة قابلة للبرمجة من العملة تسمح بالحصول على مدفوعات التحفيز حتى في حال كانت ذات تواريخ منتهية الصلاحية أن تشجع الإنفاق أثناء فترات الانكماش الاقتصادي، أو تمكن المنظمين من إيقاف المحفظة الإلكترونية لأي شخص يتعارض مع بكين على الفور.

نتائج التجربة

قد يجعل التبني العالمي لليوان الرقمي المدفوعات عبر الحدود أرخص وأسرع، لكنه قد يساعد أيضاً الحزب الشيوعي على إضعاف تأثير العقوبات الدولية.

قدّم بنك الشعب الصيني حتى الآن القليل من التفاصيل حول كيفية استخدام اليوان الصيني الإلكتروني في الخارج، باستثناء قوله إنه يجري اختبارات عبر الحدود مع البنك المركزي –القائم بحكم الأمر الواقع- في هونغ كونغ.

كانت التجربة المحلية لليوان الرقمي التي بدأت في شنجن الشهر الماضي الأكثر طموحاً حتى الآن في الصين. فلقد تمكن المشاركون الذين قاموا بتنزيل تطبيق المحفظة الإلكترونية للحكومة على هواتفهم وربطوه بحساباتهم المصرفية من تحويل ما يصل إلى 10000 يوان (1548 دولاراً أمريكياً) إلى اليوان الرقمي بنفس السعر. على غرار "أليباي" من إصدار شركة "آنت" أو "وي تشات باي" من شركة "تينسنت"، تتم التحويلات باستخدام اليوان الرقمي على الفور تقريباً عبر رمز الاستجابة السريعة. ويمكن أيضاً إجراؤها باستخدام تقنية اتصالات المجال القريب في حالة عدم وجود اتصال بالإنترنت.

مغريات غير محفزة

بالنسبة إلى "فيرا لين" (25 عاماً) التي تعمل في شركة مالية في شنجن، كان استخدام اليوان الرقمي سهلاً بدرجة كافية. وفي الوقت نفسه، قالت فيرا، إن الحوافز لإجراء تحول دائم إلى اليوان الرقمي غير متوفرة، نظراً لأن خيارات الدفع الرقمية الحالية في الصين موثوقة وتعمل بسلاسة مع الخدمات القائمة على التطبيقات الأخرى من وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات التجارة الإلكترونية.

حتى الخصومات التي تصل إلى 10% التي يقدمها التجار المشاركين في تجربة اليوان الرقمي لم تكن كافية لجذب "فيرا لين"، إذ تقدم المنصات التي تديرها شركات مثل "آنت" بشكل روتيني خصومات على كل شيء، بدءاً من خدمات النقل إلى توصيل حاجيات البقالة.

تتبع الهويات

لعبت المخاوف المتعلقة بالخصوصية دوراً في عدم جذب جان تشين، وهي موظفة مدنية تبلغ من العمر 33 عاماً. وتقول إنه أمر "مخيف بعض الشيء" أن تتمكن السلطات من تتبع كل دفعة. ففي بلد يكون فيه الامتثال للقوانين الضريبية غير مكتمل في كثير من الأحيان، قد يكون بعض التجار أيضاً حذرين من تدفق معاملاتهم مباشرة إلى قاعدة بيانات حكومية.

حاول بنك الشعب الصيني تهدئة هذه المخاوف من خلال جعل اليوان الرقمي مجانياً للاستخدام من قبل التجار -الذين يدفعون حالياً رسوم خدمة تبلغ حوالي 0.6% للمعاملات على "علي باي" و "ويباي"، بالإضافة إلى التعهد بجعل بأن تظل معظم المدفوعات مجهولة.

في هذا السياق، قال مو تشانغ تشون في شهر مارس، وهو مدير معهد أبحاث العملات الرقمية بالبنك المركزي، إن البنك المركزي لن يعرف بشكل مباشر هوية المستخدمين، على الرغم من أن الحكومة ستكون قادرة على الحصول على تلك المعلومات من المؤسسات المالية في حالات الاشتباه في وجود نشاط غير قانوني.

بين الإكراه وحرية الاستخدام

وفقاً لكابرون، في حال فشل اليوان الرقمي في اكتساب قوة جذب على المدى الطويل، فقد تلجأ الحكومة الصينية إلى الإكراه. حيث إنها بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات لتأكيد المزيد من السيطرة على البيانات التي تجمعها الشركات المالية والتكنولوجية بما في ذلك "آنت" و "تينسينت". يقول كابرون: "في نهاية المطاف، أعتقد أن الحكومة ستقول: "عليكم أن تستخدموا هذا ".

حتى إذا لم يذهب صانعو السياسة إلى هذا الحد، فقد يطلبون من التجار ومشغلي منصات الإنترنت إضافة اليوان الرقمي إلى مجموعة خيارات الدفع الخاصة بهم، وفقاً لفرانسيس تشان، كبير المحللين في "بلومبرغ إنتليجنس". تم إدراج "ماي بانك" المدعوم من "آنت" كخيار في تطبيق اليوان الرقمي اعتباراً من يوم الاثنين، على الرغم من أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان بإمكان المستخدمين ربط محافظ "علي باي" الخاصة بهم معه. تم أيضاً إدراج "ويبانك" المدعوم من "تينسينت" كخيار ولكن كان باللون الرمادي وغير متاح.

مسار طويل للمنافسة

توقع تشان وزميلته المحللة شارني وونغ، وكلاهما يعمل في "بلومبرغ إنتليجنس" أن يصبح اليوان الرقمي قيد الاستخدام على الصعيد الوطني قبل أولمبياد بكين في عام 2022. وأن يشكل 9% من المدفوعات الرقمية المحلية في الصين بحلول عام 2025. وهذا ليس تغييراً بسيطاً، ولكن لا يزال بعيداً عن إمكانية تحدي هيمنة "علي باي" و"ويباي"، والتي تقدر بحصة سوقية مجمعة تزيد عن 90%.

سيكون إقناع العالم باحتضان اليوان الرقمي أكثر صعوبة. هذا ما يراه "مايكل هو"، مدير الخدمات المالية في "أوليفر وايمان"، والذي قال عن إمكانية احتضان اليوان الرقمي على الصعيد الدولي إن "اليوان الرقمي يعالج طبقة واحدة فقط منها، وهي جزء البنية التحتية للدفع، ولكن مجرد معالجة هذه الطبقة لن يحل اللغز بأكمله".

تصنيفات

قصص قد تهمك