الشرق
استقرت العملة المصرية قرب أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل نظيرتها الأميركية عند حوالي 50.5 جنيه للدولار لتبلغ خسائرها نحو 2% منذ بداية الشهر الجاري، متأثرة بزيادة الطلب على العملة الأجنبية، وقرب حصول البلاد على الشريحة الرابعة لقرض صندوق النقد الدولي الذي يشترط مرونة سعر الصرف.
تَسلط الضوء على تحركات سعر الصرف بشدة، منذ أن قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي نهاية الشهر الماضي إنه قد يتحرك صعوداً أو هبوطاً في حدود 5% خلال الفترة المقبلة، ما وصفه بأنه أمر طبيعي حسب حجم الطلب على الدولار.
كان الجنيه انخفض خلال تعاملات يوم الإثنين إلى 50.69 جنيه للدولار في بعض البنوك التجارية، قبل أن يتعافى قليلاً يوم الثلاثاء.
ضغوط بيعية
بلغ حجم معاملات بيع وشراء الدولار في سوق ما بين البنوك في مصر (الإنتربنك) حوالي مليار دولار خلال الأسبوع الأول من ديسمبر، إذ ارتفعت التعاملات اليومية في بعض أيام الأسبوع الماضي لما بين 300 و400 مليون دولار مقارنة مع 100 مليون إلى 150 مليون دولار في الأسبوع الذي سبقه، بحسب مصرفيين تحدثا إلى "الشرق" شريطة عدم نشر اسميهما.
وأشار المصرفيان إلى ضغوط بيعية ناتجة عن تحويل المستثمرين الأجانب لأرباحهم من الاستثمار في أذون وسندات الخزانة بالعملة المحلية قبيل نهاية العام، ووسط خروج طفيف من بعضهم إثر تسارع التوترات الجيوسياسية بالمنطقة.
"الإنتربنك" هي سوق مشتركة بين البنوك بغرض توفير العملات المحلية والأجنبية ما بين المصارف العاملة في مصر.
في المقابل، قال مسؤول خزانة في أحد البنوك لـ"الشرق" إن حركة بيع العملاء للدولار بالمصارف تزايدت خلال الأيام الماضية للاستفادة من الارتفاع غير المسبوق في السعر.
ضغوط موسمية
عزا محللون في مقابلات مع "الشرق" انخفاض الجنيه إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية بفعل جني المستثمرين الأجانب للأرباح، وتجديد عقود الشركاء الأجانب، وزيادة الواردات، في الوقت الذي انخفضت فيه إيرادات الحكومة الدولارية.
أشار محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في "إي اف جي القابضة"، إلى "ضغوط موسمية" جراء زيادة الطلب على العملة الأميركية سواء من جانب المستثمرين الأجانب أو التجار المحليين على حد سواء.
وقال أبو باشا "رغبة الأجانب فى جني الأرباح الناتجة عن استثماراتهم في أدوات الدين قبل نهاية العام، بالتزامن مع ارتفاع طلبات الاستيراد، تسببت فى زيادة الطلب على الدولار مقابل العرض الذي يعاني بسبب الانخفاض الكبير فى إيرادات قناة السويس".
تراجعت إيرادات قناة السويس، أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية بالنسبة للحكومة المصرية، أكثر من 6 مليارات دولار خلال 8 أشهر نتيجة الأوضاع المتوترة في المنطقة، بحسب ما ذكره الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية سبتمبر الماضي.
لكن أبو باشا استبعد حدوث انخفاض كبير في قيمة الجنيه خلال الفترة المقبلة قائلاً "العملة المصرية قد ترتفع قليلاً خلال يناير المقبل مع بدء الأجانب دورة جديدة من الاستثمار في أدوات الدين قبل خفض الفائدة المتوقع في 2025".
تخارج جزئي من الديون المصرية
أما آية زهير، رئيسة البحوث في "زيلا كابيتال"، فقالت إن ارتفاع الطلب على الدولار في السوق ناتج عن تجديد الشركات تعاقداتها مع الشركاء الأجانب للعام الجديد، في الوقت الذي تتجه فيه الشركات، خصوصاً في قطاع الأغذية والمشروبات، لبناء مخزوناتها استعداداً لشهر رمضان.
من جانبه، أرجع هيثم وجيه، رئيس البحوث بشركة "برايم"، أحدث انخفاض للجنيه إلى التخارج الجزئي للأجانب من أدوات الدين الحكومية وزيادة واردات الغاز، كما شكلت "شركات الأدوية عامل ضغط في الطلب على الدولار في ظل مساعي مواجهة أزمة نقص الأصناف في السوق المحلية".
عادت مصر منذ بداية العام الحالي إلى استيراد الغاز المسال، بعد توقفها منذ 2018 بدعم من اكتشافات جديدة للغاز، في مقدمتها حقل ظهر.
كما عانت البلاد على مدار العام الجاري من عدم توفر الكثير من الأدوية نتيجة لنقص المواد الخام اللازمة لإنتاجها أو تكدسها بالموانئ لعدم وجود السيولة الدولارية المطلوبة للإفراج عن شحناتها، وهي الأزمة التي بدأت في الانفراج تدريجياً منذ تحرير سعر الصرف في مارس الماضي.
ونوه عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم في شركة "ثاندر لتداول الأوراق المالية"، إلى ارتفاع سعر العملة الأميركية منذ فوز ترمب بالرئاسة الأميركية، وكذلك تأثر قيمة الجنيه بمعدلات التضخم المرتفعة في البلاد.
مراجعة صندوق النقد
ترى رئيسة البحوث في "زيلا كابيتال" أن المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي مع مصر تشكل عامل ضغط أيضاً على سعر صرف العملة المحلية.
يجري الصندوق حالياً المراجعة الرابعة لبرنامج قرض موسع بقيمة 8 مليارات دولار في خطوة من شأنها أن تسمح للقاهرة بالحصول على أكبر شرائح القرض بقيمة 1.3 مليار دولار.
ويولي الصندوق اهتماماً كبيرا لمرونة سعر الصرف، وقالت بعثة الصندوق إلى مصر الشهر الماضي إن البنك المركزي المصري "أكد التزامه بالحفاظ على نظام سعر الصرف المرن لحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية".