بلومبرغ
كان موظفو مجموعة "فانغارد" الذين شاركوا الشهر الماضي في مكالمة فيديو من مكاتبهم في الطابق 40 في مبنى "مركز شنغهاي المالي العالمي" يتوقَّعون خطاباً يرفع الروح المعنوية من رئيس المجموعة في المنطقة "سكوت كونكينغ"، حول كيفية تعامل شركة الصناديق الأمريكية العملاقة مع السوق الصينية بعد سنوات من التحضير.
لكن، بدلاً من ذلك، قال "كونكينغ"، إنَّ الشركة التي تدير 7 تريليونات دولار كانت تتخلى عن مساعيها للحصول على ترخيص صندوق مشترك.
التعاون مع "آنت"
قال "كونكينغ" عبر مقطع فيديو من مكتب شنغهاي نفسه، الذي كان يزوره للمرة الأولى، إنَّ الشركة ستعتمد على مشروع استشاري مع مجموعة "آنت" للحفاظ على وجودها في الصين.
ووفقاً لأشخاص مطَّلعين على الأمر، كان الموظفون البالغ عددهم 30 في حالة صدمة، إذ غادر أكثر من 10 موظفين مباشرة بعد انتهاء كونكينغ من حديثه.
وقال مصدر طلب عدم الكشف عن هويته لخصوصية المعلومات، إنَّ أحد الموظفين انفجر باكياً.
ومع ذلك، فإنَّ وراء ما يبدو أنَّه انسحاب متسرِّع، كانت هناك سنوات من التدقيق من قبل الإدارة العليا لشركة "فانغارد" حول ما إذا كان نموذجها منخفض التكلفة يعمل في الصين، كما ذكرت المصادر.
إنَّ الاستنتاج، على الأقل في الوقت الحالي، هو أنَّ هذا النموذج لا يعمل، ويمثِّل ذلك إشارة تحذيرية لمديري الأصول العالميين الآخرين الذين يتطلَّعون إلى سوق ثروة الصين البالغة 13 تريليون دولار.
يُذكر أنَّ ممثِّل عن "فانغارد" رفض التعليق.
تقلص طموحات "فانغارد" في آسيا
كانت هناك بعض المؤشرات على طموحات "فانغارد" المتقلِّصة في آسيا العام الماضي، ولكن لا يزال من المتوقَّع أن تتقدَّم الشركة للحصول على ترخيص صندوق في الصين، وهذا ما ينظر إليه على أنَّه حاسم للنمو في سوق الثروة المزدهر.
تمَّ منح "فانغارد"، مثل اللاعبين الأجانب الآخرين، الضوء الأخضر لتقديم الطلبات في أبريل الماضي، مع إلغاء شرط الحاجة إلى شريك محلي.
أما بالنسبة لبعض المسؤولين التنفيذيين السابقين في مجموعة "فانغارد"، فإنَّ الفرص في الصين لا حدود لها. إذ لاحظ تشارلز لين، رئيس قسم آسيا السابق، إمكانية زيادة الأصول إلى حوالي 5 تريليونات دولار، نظراً لوتيرة تراكم الثروة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
من جهته، قال جيم نوريس، رئيس قسم الأعمال الدولية في "فانغارد"، خلال مقابلة أجريت معه في مايو 2018: "نحن في هذا الوضع منذ مائة عام، وليس خمسة أعوام فقط. ونشعر بثقة كبيرة أنَّه مع مرور الوقت سنتمكَّن من الوصول إلى هذا النطاق" لكسب المال.
تحوّل النهج
وفقاً لما أفادت به المصادر، فإنَّ الحماس تجاه الصين بدأ يتضاءل في عهد تيم باكلي، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي في عام 2018.
تحت إشراف، باكلي، بدأ المدير المالي الجديد تقييمات الأرباح الفصلية لكلِّ خط أعمال ومنطقة، مما يمثِّل تحوُّلاً واضحاً عن نهج سلفه بيل مكناب.
على الرغم من الآفاق الهائلة الموجودة في الصين، لم تتقدَّم "فانغارد" بطلب للحصول على ترخيص صندوق على الفور. وأثارت الشركة دهشة أكثر، في أغسطس، عندما أعلنت عن خطط لإغلاق عملياتها في هونغ كونغ وطوكيو، مما يؤثِّر على 70 وظيفة.
في ذلك الوقت، قالت "فانغارد"، إنَّ "ديناميكيات الصناعة الحالية" لا تدعم نموذجها منخفض التكلفة، مع الإشارة إلى وجود "فرصة كبيرة" في الصين.
يذكر أنَّ الشركة الأمريكية انسحبت أكثر في أكتوبر، من خلال إعادة حوالي 21 مليار دولار من الأصول المدارة لعملاء حكوميين في الصين، كما خسرت تفويضاً لتشغيل 590 مليون دولار في تايوان بسبب ضعف الأداء.
مخاوف بشأن التكلفة
ذكرت المصادر، أنَّه حتى مع بدء الاقتصاد الصيني الخروج من الوباء في العام الماضي، فإن مخاوف "فانغارد" بشأن التكاليف، والتوزيع، والتوظيف، واللوائح كانت تتزايد.
علاوةً على ذلك، استغرقت الشركة أكثر من عام للعثور على مرشَّح قوي لمنصب كبير مسؤولي الامتثال، وهو شرط للحصول على الترخيص في الصين. فقد ذكرت المصادر، أنَّ عرض العمل أُلغي قبل نحو شهر من إعلان كونكينغ.
كانت هناك مشكلة أيضاً بخصوص اللوائح. ففي حين فتحت الصين الباب للتراخيص الأجنبية، إلا أنَّها تشدِّد المتطلَّبات، خاصة للاعبين العالميين، فقد طلبت الهيئة التنظيمية من"فيديليتي للاستثمارات"، و"نيوبيرغربيرمان" في نوفمبر التعهد بدعم السيولة للتراخيص التي كانوا يسعون للحصول عليها.
وقالت المصادر، إنَّ ذلك أثار مخاوف بشأن التكاليف الرأسمالية الإضافية لشركة "فانغارد".
وفقط بعد عام من هذا الانفتاح، حصلت شركة"بلاك روك"على ترخيص صندوق. وفقاً لتقرير صدر في نوفمبر من قبل شركة "تشاينا إنترناشونال كابيتال كورب"، قد يستحوذ مديرو الأصول الخاضعون للسيطرة الأجنبية أو المملوكة بالكامل على ما يصل إلى 15% من السوق من المنافسين المحليين على مدار العقد المقبل. ومع ذلك، فقد وجد التقرير أنَّهم بحاجة إلى التغلب على الحواجز بما في ذلك الافتقار إلى قنوات التوزيع، إلى جانب مزايا الأولوية التي تتمتَّع بها الشركات الصينية.
منافسة اللاعبين المحليين صعبة
قدَّر محللو "تشاينا إنترناشونال كابيتال كورب" بقيادة ياوزيو، أنَّ مديري الأصول الأجنبية يحتاجون إلى أصول لا تقلُّ عن 50 مليار يوان (7.7 مليار دولار) لجني الأرباح. وستحتاج "فانغارد" إلى المزيد، نظراً لرسومها المتدنية التي دفعت نموها في أمريكا الشمالية.
من جهة أخرى، قال فرانسيس تشان المحلل في "بلومبيرغ إنتليجنس"، إنَّه ربما أدركت "فانغارد" أنَّه "لن يفيد كثيراً" حتى لو أطلقت صناديقها الخاصة في الصين، نظراً للتكاليف وافتقارها إلى الميزة التنافسية.
ولعقود منذ أن دخلت شركات "وول ستريت" السوق الصينية لأوَّل مرة، ظلت متقزِّمة في مجال إدارة الأصول من قبل البنوك المحلية وشركات السمسرة. إذ جمعت الأموال المدعومة من الشركات الدولية أقل من نصف مبلغ 967 مليار دولار الذي جمعه منافسوها الصينيون الذين تجاوز عددهم الـ 100 في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020، وفقاً لبيانات جمعتها "مورنينغ ستار"، و"بلومبرغ".
نقطة التعادل
في العام الماضي خفَّضت شركة "زي-بن أدفايزرز"، وهي شركة استشارية تتخذ من شنغهاي مقرَّاً لها، توقُّعاتها لحصة الشركات الأجنبية في سوق صناديق الاستثمار المشتركة في الصين بمقدار 10 نقاط مئوية إلى 15% فقط مع حلول عام 2030.
وبدون ترخيص في الصين، ستعتمد "فانغارد" على مشروعها المشترك مع مجموعة "آنت"، الذي ضاعف قاعدة عملائها خلال مدة شهرين فقط. فقد قال مصدر مطَّلع على الأمر، إنَّ الأصول تحت الإدارة قفزت 60% عن نهاية العام الماضي إلى 6.9 مليار يوان اعتباراً من 28 فبراير. وذكرت المصادر، أنَّ هذا يضع الشركة على المسار الصحيح للوصول إلى نقطة التعادل المقدَّرة بنحو 10 مليارات يوان قبل هدفها لفترة خمس سنوات.
وبحسب محلل "بلومبرغ إنتليجنس"، فإنَّه في حين أنَّ مستخدمي "علي باي" البالغ عددهم مليار مستخدم يمثِّلون فرصة هائلة، فإنَّ إطلاقه مؤخَّراً لمنصة استشارية مفتوحة لمديري الصناديق الآخرين قد يضعف موارد مشروع "فانغارد".
وقال فرانسيس تشان: "من السهل تقديم طلب، لكنَّ تخصيص جميع الموارد لجعل الأمور تعمل هو الأمر الأكثر صعوبة، لأنَّ امتلاك خطة جميلة هو شيء، والتنفيذ شيء آخر".