بلومبرغ
مع تبقي جلسة تداول واحدة فقط قبل يوم الثلاثاء، تستعد "وول ستريت" للانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة التي قد ترسم مسار الاقتصاد للأربع سنوات المقبلة.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، يراقب المتداولون عن كثب نتائج أحدث استطلاعات الرأي وحركة أسواق الرهانات الانتخابية لتحديد المتقدم بين المرشح الجمهوري دونالد ترمب والديمقراطية كامالا هاريس، وتأثير ذلك على مراكزهم الاستثمارية.
تسود تكهنات لدى بعض الأوساط بأن "وول ستريت" تراهن على فوز ترمب. ومع ذلك، عند النظر إلى الاستثمارات الفعلية في سوق الأسهم بناءً على هذه التوقعات، يبدو أن النشاط هادئ.
يدرك المحترفون في مجال الاستثمار أن التنبؤ بالفائز في الانتخابات قبل حدوثها يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة، لكن المشكلة تكمن في أن هذه الانتخابات متقاربة الفرص للغاية، مما يجعل مخاطر الخطأ عالية للغاية بالنسبة للكثيرين.
في مقابلة، قال إريك ديتون، رئيس ومدير إدارة "ذا ويلث ألاينس" (The Wealth Alliance): "نحن لا نحدد مراكزنا الاستثمارية بناءً على نتيجة الانتخابات؛ لأنها أشبه بلعبة الحظ. فلا معنى للمراهنة".
تقلبات متوقعة
يتوقع معظم المتداولين تقلبات هذا الأسبوع، وربما كثير منها، مع احتمالية كبيرة لنتيجة غير محسومة من الجولة الأولى قد تؤخر فرز الأصوات لأسابيع أو حتى أشهر. هذا يفسر سبب ارتفاع مؤشر التقلبات للثلاثين يوماً المقبلة (Cboe Volatility Index)، المعروف اختصاراً بـ"فيكس" فوق 20 نقطة في جلساته الأربع الأخيرة، وهو مستوى يشير عادة إلى زيادة التوتر في سوق الأسهم. ولهذا السبب، ينحسر حماس المستثمرين لاختيار الفائزين والخاسرين بناءً على من يعتقدون أنه سيكون الرئيس الأميركي المقبل.
قال ديف لوتز، متداول مبيعات الأسهم واستراتيجي الاقتصاد الكلي في "جونز تريدينغ" (JonesTrading): "كانت استطلاعات الرأي خاطئة جداً في الماضي. فلا توجد أي ميزة لمعرفة من سيفوز".
الأمان في السيولة
التحدي الآخر في تحديد المراكز الاستثمارية بالأسهم، هو عدد المحفزات الإضافية المحيطة بالتصويت، والتي من المحتمل أن تحرك السوق. سيتبع يوم الانتخابات بسرعة قرار أسعار الفائدة من قبل "الاحتياطي الفيدرالي" يوم الخميس، ومؤتمر صحفي لرئيسه جيروم باول، حيث سيقدم تفاصيل عن مسار أسعار الفائدة. ولا يزال جزء كبير من الشركات الأميركية في خضم الإعلان عن النتائج، مع توقع نتائج شركة "إنفيديا" (.Nvidia Corp) في 20 نوفمبر.
هذا يفسر سبب عدم تحديد لوتز المراكز قبيل الانتخابات. لكن ما يوصي به بدلاً من ذلك هو "الاحتفاظ ببعض السيولة" التي يمكن استخدامها عند ظهور فرص قصيرة الأجل، مثل ردود الفعل السريعة للأسهم الفردية أو القطاعات مع الإعلان عن الفائز في الانتخابات.
قال لوتز: "أعتقد أن العديد من المستثمرين يحددون مراكزهم بهذه الطريقة تماماً".
كذلك، زاد روبرت شاين، كبير مسؤولي الاستثمار في "بلانك شاين ويلث مانجمنت" (Blanke Schein Wealth Management)، من حيازاته المكافئة للنقد إلى 10% قبل الانتخابات، مقارنة بـ5% المعتادة. تهدف هذه الاستراتيجية إلى أن يكون مستعداً للاستفادة من الأصول عندما تؤدي النتائج حتماً إلى تقلبات في بعض أجزاء السوق.
في مقابلة، قالت أنويتي باهوجونا، كبيرة مسؤولي الاستثمار في تخصيص الأصول العالمية في "نورثرن ترست أسيت مانجمنت" (Northern Trust Asset Management): "يحتاج المستثمرون إلى النظر إلى ما وراء مخاطر الانتخابات المستمرة. لا يمكن للمتداولين حتى اتخاذ مراكز استثمارية في هذه المرحلة، لأنها مضاربة تنطوي على مخاطر بالغة، ولا يعرف المتداولون ما هي المقترحات السياسية التي سيتم تمريرها من أي من المرشحين عبر الكونغرس".
ليس من المستغرب أن تبدو الأسواق متوترة. يتداول مؤشر "إس آند بي 500" بالقرب من أعلى مستوى له على الإطلاق، بينما ارتفع مؤشر التقلبات (VIX) فوق 20 نقطة. آخر مرة سجل فيها "إس آند بي" رقماً قياسياً بهذا المستوى المرتفع من مؤشر الخوف كانت خلال تفشي متحور "دلتا" من فيروس "كورونا" في مارس 2021.
في الوقت نفسه، تراهن صناديق التحوط على تقلبات أوسع في الأسعار. أظهرت بيانات جمعتها لجنة تداول السلع الآجلة أن المضاربين الكبار أصبحوا في مركز شراء صافٍ على عقود "فيكس" الآجلة لأول مرة منذ يناير 2019.
وفقاً لروكي فيشمان، مؤسس "آسيم 500" (Asym 500)، تُظهر بيانات أسواق الخيارات، أن المتداولين يتخذون مركزاً دفاعياً، حيث يضعون تقييمات أعلى من المعتاد للحماية ضد البيع السريع. يُعزى ذلك جزئياً إلى سيل التقارير والبيانات المتوقعة في الأيام القليلة المقبلة، بما في ذلك قرار الاحتياطي الفيدرالي، وتقارير الأرباح، وأرقام التضخم.
قال فيشمان: "بينما تأخذ الأسواق في الحسبان بوضوح يوم الأربعاء بوصفه يوماً شديد التقلب، فإن الفترة المحيطة بها بعيدة عن الهدوء".
ما بعد الانتخابات
يتردد المطلعون في الشركات أيضاً في التداول في سوق الأسهم. فقد اشترى 261 رئيساً تنفيذياً فقط أسهماً في شركاتهم في أكتوبر، وهو الأدنى منذ 2017 على الأقل، مما دفع نسبة الشراء إلى البيع إلى ثاني أدنى مستوى منذ ربيع 2021، وفقاً لبيانات جمعتها "واشنطن سيرفيس" (Washington Service).
يجب على المستثمرين الذين يبحثون عن استثمار أكثر أماناً في الأسهم أن يتجاوزوا ضجيج الانتخابات، وفقاً لبعض المحترفين في "وول ستريت".
قالت باهوغونا من "نورثرن ترست": "الانتخابات حدث ذو احتمالية منخفضة، لذا نتوقع تماماً فترة متقلبة خلال الشهر المقبل. لكن في النهاية، ما يدعم سوق الأسهم هو أرباح الشركات الجيدة، والنمو الاقتصادي القوي، وانخفاض التضخم وخفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة".
"نورثرن ترست" توصي بزيادة حيازة الأسهم الأميركية بناءً على متانة الاقتصاد، وتوصي بخفض حيازة السندات للتحوط ضد مخاطر التضخم. كما توصي الشركة بزيادة شراء الأصول الحقيقية، بما في ذلك أسهم شركات البنية التحتية، والموارد الطبيعية والعقارات، لحماية المحافظ من الاضطرابات المستقبلية إذا ظلت سوق العمل متشددة، واستمر النمو الاقتصادي قوياً.
كما ينظر آخرون إلى أرباح الشركات، وخاصة الميزانيات العمومية ذات الجودة العالية، مع بقاء أسعار الفائدة مرتفعة، واستمرار الاحتياطي الفيدرالي في عملية الخفض.
قال برايان مولبيري، مدير محفظة العملاء في "زاكس إنفستمنت مانجمنت" (Zacks Investment Management): "أسعار الفائدة لا تزال في مستوى مقيّد، ومع زيادة احتمالية التقلب حتى نهاية العام، فإن النهج الأكثر تحفظاً هو الخيار الأفضل".
خلاصة الأمر هي أنه في ظل انتخابات لا يظهر فيها مرشح مفضل بشكل واضح، يبقى الخيار الأكثر أماناً للمستثمرين هو التحلي بالصبر. هذا ما توصي به "وول ستريت"، على الأقل في الوقت الحالي.
قال مارك لوشيني، كبير استراتيجيي الاستثمار في "جاني مونتغومري سكوت" (Janney Montgomery Scott): "إذا كان القرار أكثر وضوحاً، لكانت السوق أخذته في الحسبان، ولم يتبقَ الكثير للاستفادة منه". وأضاف: "لكن في موقف يشوبه عدم الوضوح، من الأفضل النظر إلى ما وراء الأفق والوضع في الاعتبار الحالة الاقتصادية الكلية في الفترة الزمنية من ستة أشهر إلى 18 شهراً من الآن، بدلاً من التركيز فقط على نتيجة الانتخابات في ذلك اليوم".