بلومبرغ
بدأ تباطؤ نمو الأرباح بمحو قدر من البريق الذي يحيط بعمالقة التكنولوجيا في سوق الأسهم الأميركية، مع استعداد هذه الشركات للإعلان عن نتائجها هذا الأسبوع. يعدّ نجاحها في مخالفة هذا الاتجاه عاملاً مهماً في تحديد ما إذا كان الارتفاع في أسواق الأسهم سيستمر.
يُتوقع أن تحقق أكبر خمس شركات من حيث القيمة السوقية في مؤشر "إس آند بي 500"، وهي "أبل" و"إنفيديا" و"مايكروسوفت" و"ألفابت" و"أمازون"، متوسط نمو في الأرباح بنسبة 19% للربع الثالث، وفقاً لبيانات "بلومبرغ إنتليجنس". على الرغم من أن هذه النسبة تتفوق بشكل كبير على زيادة متوقعة بنسبة 4.3% لمؤشر "إس آند بي 500"، فإنها تمثل أبطأ نمو جماعي لهذه الشركات منذ ستة فصول، حسب البيانات.
علاوة على ذلك، يُتوقع أن يستمر تضييق الفجوة بين عمالقة التكنولوجيا وباقي السوق حتى عام 2025، وهو ما يعني أن نمو الأرباح القوي الذي بلغ نحو 35% في الفصول السابقة سيصبح مجرد ماضٍ بعيد. السؤال المطروح الآن للمستثمرين هو ما تعنيه هذه التطورات لأسهم التكنولوجيا الكبرى، التي شهدت ارتفاعات كبيرة في موجة الصعود الأخيرة، وما إذا كانت قادرة على مواصلة قيادة المؤشرات نحو الصعود؟
يقول أندرو تشوي، مدير المحافظ في "بارناسوس إنفستمنتس" (Parnassus Investments) في سان فرانسيسكو: "المعنويات أكثر اهتزازاً مقارنةً بالفصول السابقة، والعوامل المحركة للسوق الآن تبدو أكثر سلبية". أضاف: "هذا لا يعني أن الارتفاع قد انتهى، لكن هناك فرصاً أخرى، خاصة في ظل النقاشات الدائرة حول تقييمات شركات التكنولوجيا الكبرى، وتباطؤ زخم الأرباح، وحقيقة أن كل قصة باتت تحمل قدراً من الجدل الذي يضغط على المعنويات".
تناوب السوق
خلال معظم العامين الماضيين، كانت شركات التكنولوجيا الكبرى تقود مؤشر "إس آند بي 500" نحو الارتفاع، مدعومة بنمو الأرباح المستمر، ومستثمرين على استعداد لدفع قيم مضاعفة لتلك الأرباح. لكن هذا الاتجاه تغير في الأشهر الأخيرة.
منذ بلوغ الذروة في 10 يوليو الماضي بعد ارتفاع بـ22% منذ بداية العام، تراجع مؤشر "بلومبرغ للعظماء السبعة"، الذي يضم عمالقة مؤشر "إس آند بي" الخمسة بالإضافة إلى "ميتا بلاتفورمز" و"تسلا" بنسبة 2%. يأتي هذا الأداء أقل من كل القطاعات الرئيسية في "إس آند بي 500"، حيث قفزت أسهم قطاعات المرافق والعقارات والمالية والصناعة بأكثر من 10%، بينما حقق المؤشر الأوسع مكاسب بـ3.1% خلال الفترة ذاتها.
كل هذا جعل شركات التكنولوجيا الكبرى في موقف غير معتادة عليه، وهو وضعية "التراجع" في سوق الأسهم. حيث تخضع الآن لتدقيق أكبر، نظراً لارتفاع التقييمات والشكوك حول جدوى إنفاقها الكبير على مشاريع الذكاء الاصطناعي، ومتى ستبدأ هذه الاستثمارات بجني ثمارها.
يقول روس مايفيلد، استراتيجي الاستثمار في شركة "بيرد" (Baird): "قد يستمر تراجع التكنولوجيا عن موقع القيادة حتى نهاية العام، لكن ذلك لا يثنينا عن امتلاكها على المدى الطويل". أضاف: "من الواضح أن تباطؤ نمو الأرباح يمثل مخاطرة، وقد تكون التقييمات مرتفعة بعض الشيء، لكن هذه الشركات ما زالت تحقق الكثير من النمو، وهناك إمكانات كبيرة لتحقيق أرباح مستقبلية في السنوات القادمة".
وفي حين سجلت "تسلا" بالفعل أرباحاً أفضل من المتوقع للربع الثالث وتوقعات إيجابية، فإن موسم أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى يبدأ بجدية هذا الأسبوع، حيث تعلن "ألفابت"، مالكة "جوجل"، عن نتائجها يوم الثلاثاء، تليها "مايكروسوفت" و"ميتا" يوم الأربعاء، و"أبل" و"أمازون" يوم الخميس، بينما من المتوقع أن تصدر نتائج "إنفيديا" في أواخر نوفمبر.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
تواجه الشركات الكبرى التي تعلن أرباحها هذا الأسبوع تحديات خاصة بها. بالنسبة إلى "مايكروسوفت" تواجه تساؤلات حول توقعاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، في حين أظهرت "أبل" علامات مبكرة على ضعف الطلب على أحدث إصدارات هواتفها "أيفون"، رغم أن التفاؤل على المدى البعيد ساهم في رفع قيمة السهم إلى مستوى قياسي الأسبوع الماضي. مستثمرو "أمازون" قلقون من أن الإنفاق الرأسمالي الكبير قد يؤثر على الأرباح، أما "ألفابت" فتواجه عدم اليقين التنظيمي في ظل تحقيق وزارة العدل الأميركية حول شبهات بشأن ممارسات احتكارية.
الذكاء الاصطناعي سيكون محط تركيز كبير للمستثمرين خلال متابعة تقارير الأرباح، خاصةً في ما يتعلق بحجم إنفاق هذه الشركات على البنية التحتية المكلفة. يُتوقع أن تكون "مايكروسوفت" و"ألفابت" و"أمازون" و"ميتا" قد ضخت مجتمعة 56 مليار دولار على النفقات الرأسمالية خلال الربع الثالث، بزيادة قدرها 52% عن الفترة ذاتها من العام الماضي.
ورغم أن المستثمرين عموماً يتقبلون فكرة أن استثمارات هذه الشركات في الذكاء الاصطناعي تمثل مستقبل التكنولوجيا، إلا أن الأدلة على تحقيق ربحية سريعة ما زالت قليلة، خاصةً بالنسبة لشركات مثل "مايكروسوفت" التي دمجت ميزات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها من البرمجيات. خيبت الفجوة بين حجم الإنفاق على الذكاء الاصطناعي والعائدات المتوقعة الآمال خلال موسم أرباح الربع الثاني، مما يثير مخاوف بشأن هوامش الأرباح المستقبلية.
كتب استراتيجيا "بلومبرغ إنتليجنس" جينا مارتن آدامز ومايكل كاسبر في مذكرة بحثية: "بدأت الزيادات في الإيرادات تواجه تراجعاً نتيجة الارتفاع الهائل في الإنفاق الرأسمالي المتعلق بالذكاء الاصطناعي"، وأضافا أن "هذا يعني أن هوامش الربح القصوى ربما أصبحت من الماضي، على الأقل في المدى القريب".
تزامن تراجع أداء شركات التكنولوجيا الكبرى مؤخراً مع انخفاض معنويات المستثمرين المحترفين على "وول ستريت" تجاهها. أقبلت صناديق التحوط على بيع أسهم "العظماء السبعة" خلال الأشهر الماضية، على الرغم من عمليات الشراء المحدودة في أكتوبر، إلا أن صافي مراكز الشراء كنسبة من إجمالي الانكشاف على السوق الأميركية لا يزال عند أدنى مستوياته منذ منتصف عام 2023، وفقاً لبيانات صادرة من قسم الوساطة الرئيسية في "غولدمان ساكس”.
لغز التقييمات
رغم تراجع أسعار أسهم الشركات الكبرى، لا يزال العديد من هذه الشركات يحمل تقييمات أعلى من متوسطاتها التاريخية. على سبيل المثال، يُتداول سهم "أبل" بمعدل 32 ضعفاً من الأرباح المتوقعة لـ12 شهراً قادمة، مقارنة بمتوسط قدره 20 ضعفاً خلال العقد الماضي، وفقاً لبيانات "بلومبرغ". أما "مايكروسوفت"، فتُتداول أسهمها عند معدل 33 ضعفاً، مقارنة بمتوسط يبلغ 25 ضعفاً.
قال كلارك بيلين، المدير التنفيذي للاستثمار في "بيلويذر ويلث" (Bellwether Wealth): "إذا نظرنا إلى قطاع التكنولوجيا، هل من المتوقع أن تنمو الأرباح بما يكفي لمواكبة هذه المعدلات العالية، أم أن بعض الارتفاع الأخير يعكس مخاوف من تفويت الفرص؟" أضاف: "لا يمكن تجاهل تأثير الزخم، لكن في مرحلة ما قد ينتهي الزخم الحالي، ويجب على المتداولين ضبط توقعاتهم خلال موسم الأرباح هذا".
من المؤكد أن المحترفين في "وول ستريت" لا يزالون متفائلين للغاية بشأن شركات التكنولوجيا الكبرى. فقد حصلت أسهم "مايكروسوفت" و"ألفابت" و"إنفيديا" على تصنيفات شراء من حوالي 90% من المحللين الذين يغطونها، بحسب بيانات "بلومبرغ". أما "ألفابت" فحصلت على 83%، و"أبل" على 65%، في حين يبلغ المتوسط لشركات "إس آند بي 500" حوالي 53%.
السبب وراء هذا التفاؤل بسيط إلى حد ما. فبالرغم من المخاوف، لا تزال هذه الشركات تحقق نمواً في الأرباح أعلى من المتوسط، مع انكشافها على الذكاء الاصطناعي، وعوائد رأسمالية قوية، ومخاطر أقل مقارنةً بقطاعات أخرى في سوق الأسهم، وفقاً لتشوي من "بارناسوس".
أضاف: "من الصعب إيجاد شركات رائدة تتمتع بمثل هذا النمو في الأرباح"، وأضاف: "لا يزال هناك الكثير من الأمور الإيجابية التي تجعل هذه الأسهم جذابة".