بلومبرغ
قفز التداول على سندات لبنان السيادية المتعثرة خلال الأسبوعين الماضيين مع تصعيد إسرائيل حملتها العسكرية ضد "حزب الله".
تأتي هذه الزيادة غير المعتادة في الاهتمام بالسندات المتعثرة نتيجة لرهانات ضعيفة على أن ما سيحدث بعد الحرب سيكون أفضل للمستثمرين من الوضع الراهن.
يشتري المستثمرون هذه الديون معتقدين أن أفضل احتمالات الإصلاح في لبنان تعتمد على إضعاف "حزب الله"، الجماعة المدعومة من إيران التي تتمتع بنفوذ كبير في السياسة اللبنانية.
في حين أن الاستثمار في لبنان الآن قد يكون نوعاً من "التفكير بالتمني"، فإن هذا التداول أيضاً "غير متسق للغاية"، وفقاً لسورين مورتش، مدير المحافظ في "دانسكي بنك" (Danske Bank). ويعني مورتش بذلك أنها رخيصة الثمن. يكلف شراء سندات لبنان المتعثرة المستثمر بنسات قليلة (تُتداول دون قيمتها الاسمية بكثير)، وقد ترتفع الأسعار "إلى حوالي 25 سنتاً إذا أُزيل حزب الله من المشهد وتم التوصل إلى حل من نوع ما" على حد قوله. وقال مورتش: "استثمرنا اعتقاداً منا أن هجوم إسرائيل على حزب الله سيمثل (نقطة التحول)، التي ستحول لبنان إلى بلد لديه بعض الأمل في الازدهار مرة أخرى".
سعر سندات لبنان يبلغ أعلى مستوى في عامين
أدى الرهان على انتكاسات "حزب الله" إلى وصول أسعار السندات اللبنانية إلى أعلى مستوياتها في أكثر من عامين هذا الأسبوع.
ارتفع سعر تسعة من سندات البلاد الدولارية التي تتراوح آجال استحقاقها بين 2026 و2037 لتتداولها السوق بالقرب من 9 سنتات مقابل الدولار، مقارنة بمتوسط بلغ نحو 6.5 سنت في معظم العام الجاري.
وعلى الورق، يترجم ذلك حصول حاملي السندات خلال الشهر الماضي على عائد يقارب 40%، وهو الأعلى في الأسواق الناشئة، رغم أن هذه الأوراق المالية لا تزال متعثرة، دون أن يحدث تقدم يُذكر على صعيد إعادة هيكلة الديون أو تخفيف الأعباء.
وقال حسنين مالك من شركة "تيليمر" (Tellimer) في تقرير يوم الثلاثاء: "أحد التفسيرات الجوهرية المحتملة لهذا الارتفاع في السندات المقومة باليورو هو أن الإضعاف الشديد لحزب الله (سواء كحزب سياسي رسمي أو كـدولة داخل الدولة بحكم الواقع) سيعيد رسم الخريطة السياسية الحزبية في لبنان". وفي حين يجب أن تحدث أمور كثيرة أخرى حتى يصبح ذلك ممكناً، فإن إضعاف حزب الله "قد يسمح بوجود بدائل أكثر تأييداً لسياسات السوق في الحكومة اللبنانية".
فرص بعيدة المدى
مع ذلك، لا يمثل ارتفاع سندات لبنان أهمية تُذكر في حد ذاته باستثناء كونه إشارة إلى فرص بعيدة المدى. فلا تزال السوق معطلة ولا تظهر الدولة المتعثرة أي علامة على تغيير وشيك.
ويطالب المستثمرون بفارق يبلغ 252 نقطة مئوية للاستثمار في سندات لبنان فوق سندات الخزانة الأميركية الآمنة، مما يعني في الواقع أن الغالبية العظمى من المستثمرين يعتبرون السندات اللبنانية بالغة الخطورة.
وكتب برونو جيناري، محلل في شركة " كيه إن جي سيكيوريتز" (KNG Securities) للأوراق المالية، في مذكرة: "كان ارتفاع السندات مدفوعاً بفكرة أن الهجمات الإسرائيلية ستضعف حزب الله وأن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى تسوية لسندات لبنان المتعثرة، إذ يُنظر إلى حزب الله على أنه أحد المعارضين الرئيسيين للإصلاحات المؤيدة للسوق وعقبة رئيسية أمام إعادة هيكلة ديون لبنان".
لبنان أمام أجندة صعبة
منذ أن توقف لبنان عن الوفاء بالتزامات سداد ديونه الدولية في عام 2020، انكمش الناتج الإجمالي المحلي ليصبح جزءاً صغيراً من مستواه السابق، ودفع التضخم المنفلت معظم مواطنيه في دائرة الفقر، وجفت مصادر تمويله الأجنبي.
لم تبدأ حتى الآن الإصلاحات الضرورية لإنهاء هذه الدوامة التي أعقبت أزمة مصرفية وانهيار العملة.
تواجه البلاد الآن جدول أعمال صعب لفترة ما بعد الحرب، والذي يشمل تنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية من شأنها أن تسمح ببداية تدفق الأموال مرة أخرى. مع ذلك، تفتقر البلاد إلى وجود حكومة فعالة، مع تولي حكومة تصريف أعمال للسلطة منذ عام 2022، وفراغ منصب الرئيس بعد عدة محاولات فاشلة لإجراء الانتخابات منذ ذلك الحين.
قال كان نازلي، اقتصادي أول ومدير المحافظ في شركة "نيوبرغر بيرمان يوروب" (Neuberger Berman Europe): "إن البلاد في حالة شلل سياسي منذ فترة. وهناك كثير من أسباب الشك والغموض، ولكن هناك أمل في إحراز تقدم في القضايا التي كان المستثمرون ينتظرونها منذ فترة طويلة إذا تم إضعاف حزب الله وتقوية المؤسسات، أي انتخاب رئيس، تشكيل حكومة جديدة يمكنها الانتقال إلى تمرير إصلاحات صندوق النقد الدولي وبدء محادثات إعادة هيكلة الديون".