من المقرَّر أن يتغيَّر مشهد الدخل الثابت مع تسارع جهود الاتحاد الأوروبي لاقتراض تريليون دولار عن طريق بيع السندات الخاصة به. وفي حين أنَّ الحديث عن إنشاء سوق لمنافسة سندات الخزانة الأمريكية مبالغ فيه، فإنَّ التدفق القادم للأوراق المالية سيوفِّر للمستثمرين بديلاً حقيقياً للسندات الألمانية كمعيارٍ للديون في المنطقة.
وسيصدر الاتحاد الأوروبي ما يصل إلى 200 مليار يورو (240 مليار دولار) من السندات كل عام حتى عام 2026 بموجب الخطط المفصَّلة، التي أعلنها الأسبوع الماضي، مع آجال استحقاق تصل إلى 30 عاماً.
ومن المقرَّر أن تكون عملية بيع الديون الأولى، التي تهدف إلى تمويل الإجراءات الطارئة للتخفيف من الانهيار الاقتصادي نتيجة الجائحة، جاهزة بحلول يوليو.
وفي هذا الصدد، من شأن احتمال زيادة العرض أن يقوِّض عادةً قيمة الأوراق المالية الحالية. ولكن منذ أن تمَّت مناقشة انفجار الديون لأوَّل مرة في يوليو، تقلَّصت علاوات العائد المتاحة على سندات الاتحاد الأوروبي الحالية مقارنة بالسندات الألمانية، مع تعزيز الطلب بفعل احتمالية وجود سوق أكبر وأكثر سيولة للأوراق المالية.
"سند مشترك"
الجدير بالذكر أنَّ الديون الألمانية تُحدِّد "المعدَّل الخالي من المخاطر" الذي يتمُّ على أساسه تسعير جميع الأوراق المالية الأخرى المقوَّمة باليورو، بما في ذلك سندات الشركات. وهي الوظيفة نفسها التي تؤديها سندات الخزانة الأمريكية فيما يتعلَّق بالديون الدولارية.
على أنَّ هناك نقصاً في السندات الألمانية، إذ يتوفَّر للمستثمرين أقل من 15٪ من السوق للشراء والبيع، والباقي مقيد بالبنوك المركزية، والمؤسسات السيادية الأخرى، إذ يمتص برنامج التسهيل الكمي للبنك المركزي الأوروبي السيولة من السوق.
ويُشكِّل ذلك مخاطرة في السوق في حال حصل ارتفاع مفاجئ في الطلب على أفضل جودة ائتمانية فقط، كما يمكن أن يحدث في سوق المشتقات عندما تكون هناك حاجة إلى ضمانات إضافية. هذا وتخلق مبيعات ديون الاتحاد الأوروبي المقبلة "سنداً مشتركاً" للاتحاد الأوروبي معترف به، وشهدت المبيعات المشتركة الأولية للديون طلباً هائلاً من المستثمرين، غالباً ما يزيد عن عشرة أضعاف السندات المعروضة.
وفي هذا الصدد، سوف يعمل الاتحاد الأوروبي على زيادة الطلب بشكل أكبر مع
ما يقرب من ثلث سندات الديون الخضراء الجديدة، مما يُبقي أوروبا في طليعة السوق الساخنة للتمويل الصديق للبيئة؛ وهي خطوة ذكية، ليس فقط من أجل كوكب الأرض؛ بل كان المستثمرون الأوروبيون المعرَّضون لضغوط من عملائهم، والمنظِّمون أكثر نشاطاً من نظرائهم في تخصيص رأس المال للأوراق المالية التي يُنظر إليها على أنَّها تلبي المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
سوق السندات الأوروبية تتوسَّع
ومع تحقيق ما لا يقل عن 50 مليار يورو من المبيعات السنوية، من المقرَّر أن يصبح الاتحاد الأوروبي المصدر القياسي للسندات الخضراء في العالم. ومع زيادة الطلب على الأوراق المالية الصديقة للبيئة، سيعزز هذا الدور ظهور الاتحاد كمقترض لا يستهان به.
بطبيعة الحال، فإنَّ سندات الخزانة، التي يبلغ إجمالي قيمتها 21 تريليون دولار، ستستمر في تحديد وتيرة أسواق الدين العالمية. وستحمي السندات الألمانية المستحقَّة البالغة 1.5 تريليون يورو مكانتها كمقترض بارز في أوروبا لفترة من الوقت. ولكن، كما كان الحال مع جميع تدابير التمويل الطارئة للاتحاد الأوروبي في العقد الماضي، من المرجَّح أن يتوسَّع برنامج الاقتراض في الاتحاد الأوروبي بدلاً من أن يتقلَّص.
وسيأتي التحول الحقيقي في أسواق رأس المال عندما تكون هناك سيولة كافية في سندات الاتحاد الأوروبي تسمح لها بأن تكون ليس فقط ضمانات للمشتقات الحالية، ولكن عندما تكون هناك عقود مستقبلية، وعقود خيارات تشير على وجه التحديد إلى ديون الاتحاد الأوروبي. وسيتحقق ذلك عندما يبدأ عرش السندات الألمانية بالتذبذب حقاً.