ضلل أحد أكثر المؤشرات التي تحظى بالمتابعة في سوق الأسهم الأميركية، وكان لسنوات مؤشراً موثوقاً به بالنسبة للعوائد المستقبلية، المستثمرين على مدى السنوات الأخيرة. يعود هذا التضليل إلى النمو الاستثنائي لأرباح شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "أبل" و"ألفابت". لكن توجد طريقة لتحديث هذا المقياس للسوق مع تفاقم مخاوف بشأن توقعات مرتفعة ونمو الأسعار.
أشير هنا إلى مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق (CAPE). تحاول نسبة مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق الإجابة على سؤال رئيسي يتمثل في أنه عندما يشتري مستثمرون سهماً، فإنهم يحصلون بالأساس على حصة في أرباح الشركة، فكم يدفعون مقابل هذه الأرباح؟ عادة ما يُطبق مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق هذا السؤال على مؤشر واسع، على غرار مؤشر "إس آند بي 500"، عن طريق حساب سعر المؤشر إلى متوسط الأرباح المتراكم للسهم الواحد على مدى 10 سنوات، بعد احتساب أثر عامل التضخم.
خطأ باهظ التكلفة
على سبيل المثال، أغلق مؤشر "إس آند بي 500" عند مستوى 5319 نقطة في الخميس الماضي، وكان متوسط أرباحه على مدى 10 سنوات بعد احتساب التضخم 168 دولاراً للسهم الواحد، وفق بيانات "بلومبرغ"، ما يشكل مكرر ربحية يبلغ 32 ضعفاً.
يعد هذا الرقم مرتفعاً، حيث يقارب ضعف المتوسط طويل الأجل منذ عام 1881، في ثالث أعلى مستوى تاريخي، ولا يتجاوزه إلا في ذروة فقاعة الإنترنت أواخر تسعينيات القرن الماضي وأوائل العقد الحالي.
بالنسبة للخبراء المهتمين بمكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق، فإنها إشارة مقلقة لعوائد أسهم مخيبة للآمال في المستقبل، لأن مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق المرتفع يرتبط تاريخياً بتحقيق عوائد مستقبلية أقل والعكس صحيح.
لكن متوسط مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق ارتفع بلا هوادة منذ 2010 مسجلاً 28 ضعفاً، ويقترب من مستواه الحالي متجاوزاً متوسطه طويل الأجل البالغ 17 بفارق كبير. وعلى الرغم من ذلك، استمر ارتفاع مؤشر "إس آند بي 500".
حقق المؤشر عائداً 13.8% سنوياً حتى يوليو الماضي، بما فيها الأرباح، وهي واحدة من أفضل الفترات لمدة 15 سنة على الإطلاق. وقع المستثمرون الذين قلصوا استثماراتهم في الأسهم خشية ارتفاع مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق في خطأ باهظ التكلفة.
لفهم سبب حدوث المشكلة، من المفيد معرفة سبب نجاح مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق في المقام الأول. تستند فكرة مكرر الربحية هذا إلى مبدأ بسيط حيث إنه كلما دفع المستثمرون مبلغاً أقل مقابل الأرباح، زادت العوائد المتوقعة. لكن الأرباح يمكن أن تكون متقلبة، وإذا لم يتم التعامل معها بحذر، فإن مكرر الربحية يمكن أن يسفر عن تأثير عكسي تماماً لما يسعى وراءه المستثمرون.
فترات الازدهار
خلال فترات الازدهار الاقتصادي، تميل الأرباح إلى النمو بصورة أسرع من المعتاد، ما يصعد بالأرباح مؤقتاً، وبالتالي ينخفض مكرر الربحية.
على العكس من ذلك، غالباً ما تنهار الأرباح خلال فترات الأزمات، ما يتسبب في صعود مكرر الربحية. نتيجة لذلك، فإن استخدام الأرباح الحالية لحساب مكرر الربحية المعدلة سيؤدي إلى إرسال إشارة خاطئة للمستثمرين، مفادها أن الأسهم رخيصة في ذروة الازدهار ومرتفعة الثمن في أوج التراجع.
شهدنا هذه الإشارة الخاطئة تتجلى في الفترة التي سبقت الأزمة المالية خلال 2008 وما أعقبها. لن يساعدنا كثيراً اللجوء لتقديرات المحللين للأرباح خلال الـ 12 شهراً التالية عوضاً عن ذلك؛ لأنها تعتمد غالباً على النتائج الأخيرة.
هنا يأتي دور نسبة مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق، التي تستخدم متوسط الأرباح على مدى 10 سنوات لتقليل تأثير التقلبات الدورية للأرباح. والنتيجة هي الحصول على أرباح أقل ومكرر ربحية أعلى عندما ترتفع الأرباح خلال فترات الازدهار، وجني أرباح أعلى ومكرر ربحية أقل عندما تنهار الأرباح خلال فترات الأزمات، وهي الإشارة التي يبحث عنها المستثمرون.
إبان الأزمة المالية، ارتفع مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق إلى 28 ضعفاً في ذروة السوق خلال 2007؛ لأن متوسط الأرباح على مدى 10 سنوات كان أقل بمقدار الثلث من الأرباح الحالية.
انخفض المعدل إلى 13 ضعفاً خلال أدنى مستوى للسوق في 2009، وذلك لأن الأرباح على مدى 10 سنوات كانت أكثر من 7 أضعاف الأرباح الحالية. استطاع المستثمرون الذين استخدموا مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق لتجاوز الأزمة اتخاذ الاتجاه الصحيح بصفة عامة في كلا الحالتين. وهكذا تم حل المشكلة.
نقطة ضعف
على الرغم من ذلك، فإن قوة مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق يمكن أن تكون أيضاً نقطة ضعف. يفترض المعدل ضمنياً أن دورات الصعود والهبوط تستمر لمدة عشر سنوات تقريباً. لكن إذا استمرت الدورة لفترة أطول من ذلك، فإن استخدام متوسط متعدد السنوات للأرباح ربما يكون مضللاً.
هذا بالضبط ما حدث منذ الأزمة المالية. بغض النظر عن تراجع قصير الأجل للأرباح خلال وباء كورونا، لم تشهد الولايات المتحدة الأميركية تراجعاً مستمراً لمدة طويلة في الأرباح منذ 15سنة. بينما تواصل الأرباح انتعاشها، ستبقى الأرباح الحالية أعلى بصورة ملحوظة من المتوسط المتداول على مدى عدة سنوات، مما يؤدي إلى ارتفاع مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق حتى مع ارتفاع السوق بجانب الأرباح. يقل بكثير متوسط الأرباح المتراكم على مدى 10 سنوات لمكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق لمؤشر "آس آند بي 500" البالغ 168 دولاراً للسهم، عن أحدث أرباح تشغيلية سنوية للمؤشر والتي بلغت 228 دولاراً للسهم.
من المرجح أن يتقلص هذا الفارق خلال دورة الهبوط المتقبلة للأرباح، لكن قد يستغرق الأمر وقتاً أطول مما يتوقعه المستثمرون. يعزا ذلك إلى أن بعض الشركات أقل عرضة للتأثر من غيرها، وسيطرت الشركات الأقوى على مؤشرات السوق الواسعة. يهيمن حالياً عدد قليل من شركات التكنولوجيا الكبرى ذات الأرباح المستقرة بصورة غير عادية على مؤشر "إس آند بي 500"، وهي "أبل" و"مايكروسوفت"و"أمازون" و"ألفابت" و"ميتا بلاتفورمز" وربما بدرجة أقل شركة "إنفيديا". تشكل هذه الشركات مجتمعة ثلث وزن المؤشر تقريباً، ما يوفر توازناً قوياً مقابل الشركات الأصغر حجماً ذات النتائج الأكثر تقلباً.
إعادة التوازن
حتى إذا تباطأ نمو شركات التكنولوجيا الكبرى، كما أتوقع، فقد يستغرق الأمر عدة سنوات حتى يتقلص وزنها في مؤشر "إس آند بي 500". في الوقت نفسه، من المرجح أن تستمر هذه الشركات في تحقيق الأرباح. ربما يساعد ذلك في منع حدوث تراجع شديد وممتد لمدة طويلة لأرباح السوق الواسعة، بما يسمح للأرباح الحالية بالعودة إلى المستوى المتساوي مع متوسطها المتراكم، في عملية إعادة توازن تسفر غالباً عن انهيار السوق، وتثبت صحة مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق.
لكن توجد طريقة لتعديل مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق للحفاظ على أفضل خصائصه، ومنح المستثمرين تحوطاً ضد دورات صعود السوق المطولة. بدلاً من استخدام متوسط الأرباح المتراكم على مدى 10 سنوات، يمكن للمستثمرين استخدام متوسط 8 سنوات بدلاً منه يتكون من 5 سنوات من الأرباح التاريخية و3 سنوات من التقديرات المستقبلية.
هذا النهج المزدوج سيؤدي إلى تقليص الأرباح، ولكنه أقل ارتباطاً بالماضي البعيد. لا ألجأ هنا لاحتساب أثر التضخم لأن الأرباح التاريخية أكثر حداثة، ويبدو استخدام 3 سنوات من التقديرات المستقبلية معقولاً لأنه من الصعب التنبؤ بما هو أبعد من ذلك.
المعدل الناتج -دعونا نسميه مكرر الربحية المتوازن- يقدم الإشارات نفسها لتحديد اتجاهات مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق، ولكنه يعكس بصورة أفضل النتائج المالية الحالية للشركات، ما يزيل بعض التقييمات المتطرفة لمكرر الربحية هذا، والتي يمكن أن تنشأ خلال فترات انتعاش الأرباح.
تحتفظ "بلومبرغ" بتقديرات محللين لأرباح مؤشر "إس آند بي 500" تعود لعام 1990، لذلك قارنت مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق بمكرر الربحية المتوازن الخاص بي خلال الفترة من 1995 إلى 2021، وهي فترة اختبار تشمل دورتي صعود وهبوط كبيرتين إبان انهيار فقاعة الإنترنت والأزمة المالية.
تقلبات أقل
كان متوسط مكرر الربحية المتوازن أقل كثيراً من متوسط مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق، وكذلك كانت تبايناته أقل، ما يعني أنه كان أقل تقلباً.
رغم ذلك، كانت إشارة تحديد الاتجاه لمكرر الربحية المتوازن جيدة بالقدر نفسه، وفي بعض الحالات أفضل. كان خلال كل من انهيار فقاعة الإنترنت والأزمة المالية أعلى من متوسط المعدل قبل الحدث، وأقل من هذا المتوسط بعده، وهو ما لم يكن صحيحاً دائماً بالنسبة لمكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق.
أكبر فارق هو أن مكرر الربحية المتوازن كان سيصبح دليلاً استرشادياً أفضل منذ الأزمة المالية، مع متوسط 18 ضعفاً حتى 2021، مقابل 26 ضعفاً لمكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق الأكثر إثارة للقلق.
لكن حتى مكرر الربحية المتوازن يبدو مرتفعاً بصورة مفرطة في الوقت الراهن. يتضمن المعدل أرباحاً للسهم تبلغ 221 دولاراً، ما يعد أقل قليلاً فقط من أحدث أرباح تشغيلية على أساس سنوي لمؤشر "إس آند بي 500". رغم ذلك، يتداول السوق عند 24 ضعفاً، وهو أعلى بمقدار 20% من متوسط مكرر الربحية المتوازن خلال فترة الاختبار الخاصة بي. لذلك، حتى دون حدوث تراجع لمدة طويلة للأرباح، يوجد مجال لانكماش التقييمات.
ستثبت في نهاية الأمر صحة مكرر الربحية المعدل وفق دورات السوق. لكن درس السنوات الـ15 الماضية يتمثل في أنه لا ينبغي أن يكون هو الدليل الاسترشادي الوحيد للمستثمرين، وربما لا يكون حتى الدليل الأفضل لهم.