بلومبرغ
كافحت مؤشرات الأسهم الأميركية لتحديد الاتجاه قبيل بيانات التضخم الأميركية، حيث أدت التطورات الجيوسياسية الأخيرة إلى كبح الرغبة في المخاطرة.
بعد أسبوع واحد فقط من عمليات البيع المكثفة التي هزت التداول في جميع أنحاء العالم، ظل مؤشر "إس آند بي 500" من دون تغيير تقريباً.
ويمتنع العديد من المستثمرين عن القيام برهانات كبيرة مع استمرار معاناة وول ستريت من التقلبات العنيفة التي حدثت يوم الاثنين الماضي، وينتظرون المزيد من الإشارات حول مسار الأسواق وصحة أكبر اقتصاد في العالم. وصلت أسعار النفط إلى 80 دولاراً، وارتفعت السندات بعدما أعربت الولايات المتحدة عن اعتقادها بأن الهجوم الإيراني ضد إسرائيل أمر محتمل بشكل متزايد.
بالنسبة إلى سوليتا مارسيلي، من "يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت" (UBS Global Wealth Management)، فإن هذا هو الوقت المناسب للمستثمرين "لتقييم" مدى تحرك الأسواق الرئيسية.
وأضافت: "لكن التقلبات قد تعود هذا الأسبوع. فإذا كان التضخم منخفضاً للغاية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة المخاوف من أن الولايات المتحدة قد تتجه نحو الركود. أما إذا كان التضخم مرتفعاً للغاية، فقد يشجع ذلك المخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد لا يتمكن من خفض أسعار الفائدة بسرعة كافية لحماية الاقتصاد. ولا تزال المخاطر الجيوسياسية مرتفعة أيضاً".
بقي مؤشر "إس آند بي 500" قريباً من مستوى 5345 نقطة، وانخفضت معظم أسهم المجموعات الرئيسية، على الرغم من ارتفاع أسهم شركات التكنولوجيا والطاقة والمرافق العامة. كان مؤشر الخوف "VIX" مستقراً إلى حد ما عند مستوى 20 نقطة، وذلك بعد ارتفاع غير مسبوق الأسبوع الماضي.
ارتفاع مبرر لمؤشر الخوف
اعترفت شركة "سي بي أو إي غلوبال ماركتس" (Cboe Global Markets Inc) بأن التداول الضعيف في الأسواق الأولية لعب دوراً في التحرك العنيف لمؤشر الخوف يوم الاثنين الماضي، لكنها أشارت إلى أن ارتفاعه كان مبرراً بسبب القلق المتزايد بشأن مخاطر العدوى الناجمة عن انهيار العملة اليابانية والأسهم، مما أدى إلى تفكيك تجارة الفائدة بالين.
قالت كالي كوكس، من شركة "ريثولتز ويلث مانجمنت" (Ritholtz Wealth Management) إنه "عندما يسيطر عدم الارتياح على العالم، يشعر الناس بأنهم أقل ميلاً إلى المخاطرة". وأضافت: "لكن الخوف يمكن أن يكون ديناميكية صحية لسوق تزدهر من خلال إزالة العقبات الصغيرة. وعندما يتبين أن الأخبار السيئة ليست سيئة كما يظن الناس، فإنهم يتراكمون للعودة لسابق عهدهم".
في الأسابيع القليلة الماضية، تحوّل النقاش من ما إذا كان الاقتصاد قد تباطأ بدرجة كافية، إلى مخاوف من أنه قد يكون "علق في الوحل" كما أشار كريس لاركين من "إي ترايد" في "مورغان ستانلي". مضيفاً: "سيبحث المستثمرون عن الأرقام التي تفيد بأن الاقتصاد في مكان جيد".
التركيز على مؤشر أسعار المستهلك
بعد الاضطرابات التي شهدتها الأسبوع الماضي، ستركز الأسواق على مؤشر أسعار المستهلك الأميركي يوم الأربعاء لمعرفة ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سيكون حراً أو مقيداً في إعادة التركيز على سوق العمل وتخفيضات أسعار الفائدة بما يكفي لتأمين "الهبوط الناعم"، وفقاً لكريشنا جوها في "إيفركور" (Evercore).
وأشار إلى أنه "لا داعي للذعر إذا كان مؤشر أسعار المستهلك في الجانب الأكثر سخونة"، لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي تحول إلى التركيز على سوق العمل بشكل أكبر من التضخم، ما يعني اعتماده بشكل أقل على نقاط البيانات، ليصبح أكثر تركيزاً على المستقبل.
وأضاف: "نعتقد أنه إذا ظلت بيانات العمالة القادمة جيدة، فسيبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي في طريقه بشأن التخفيضات".
خلال الاضطرابات الأخيرة، قام المستثمرون بتخفيض مخصصات الأسهم بأكبر وتيرة منذ بداية كورونا، وفق "دوتشيه بنك". وقال ديفيد كوستين، من مجموعة "غولدمان ساكس"، إن تحليل مخاوف النمو السابقة يشير إلى أن ارتباطات الأسهم وتقلباتها "سوف تتراجع تدريجياً إلى وضعها الطبيعي".
وتابع أنه إذا هدأت المخاوف الاقتصادية، "فإن عمليات البيع الأخيرة تمثل فرصة لشراء الأسهم ذات الأساسيات الصحية، بخصومات التقييم".
ضربة مزدوجة
يقول مايكل ويلسون، من "مورغان ستانلي"، إن "الضربة المزدوجة" المتمثلة في عدم اليقين الاقتصادي وإعلانات أرباح ضعيفة من قبل الشركات، من المرجح أن تحد من مكاسب سوق الأسهم.
لفت الخبير الاستراتيجي الذي كان يعتبر من أبرز الأصوات التي راهنت على هبوط الأسهم الأميركية حتى العام الماضي، إلى أنه يتوقع أن يتداول مؤشر "إس آند بي 500" في نطاق يتراوح بين 5000 إلى 5400 نقطة، حيث لا تظهر بيانات الاقتصاد الكلي أي إشارات واضحة على المدى القصير.
نافذة قصيرة
تظل المخاطرة والمكافأة في أسواق الأسهم متباينة خلال أشهر الصيف، على خلفية ضعف النشاط التجاري ومراجعات الأرباح السلبية، وفقاً لاستراتيجيين من "جي بي مورغان تشيس" بقيادة ميسلاف ماتيجكا.
وكتبوا في مذكرة أن "بنك الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ في التخفيض، لكن هذا قد لا يؤدي إلى ارتفاع مستمر في الأسهم، إذ قد تنظر الأسواق إلى التخفيضات على أنها ردة فعل، وخلف المنحنى".
سيكون لدى المستثمرين نافذة قصيرة لشراء الأسهم الأميركية المنخفضة في نهاية هذا الشهر، مع تراجع ضغوط البيع من الصناديق المؤسساتية، بينما تعزز الشركات عمليات إعادة شراء الأسهم، وفق سكوت روبنر من "غولدمان ساكس".
وكتب روبنر في مذكرة للعملاء: "ستكون هذه آخر توقعاتي الهبوطية لأسواق الأسهم لشهر أغسطس، حيث إننا ننهي أسوأ عدم تطابق بين العرض والطلب على الأسهم هذا الشهر".
لا يمكن استبعاد المزيد من الانخفاضات على المدى القريب إذا كانت بيانات النشاط مفاجأة سلبية، لكن يجب على المستثمرين شراء الأسهم عند الانخفاض، لأن الأساسيات لا تزال داعمة للأصول الخطرة، كما يقول الاستراتيجيون في بنك "إتش آس بي سي".
يرى الفريق بقيادة ماكس كيتنر علامات استقرار بعد صدمة تقلب كبيرة، مع عودة التركيز إلى الأساسيات، بعد انقشاع الغبار.
انهيار بسيط
يشير مؤشر واحد على الأقل إلى أن ما حدث الاثنين الماضي في سوق الأسهم، يبدو أشبه بانهيار بسيط، أكثر من كونه نذيراً لأشياء أسوأ في المستقبل.
ومع الأخذ بعين الاعتبار مؤشر الخوف، والفارق المعدل حسب الخيارات على مؤشر "بلومبرغ" لسندات الشركات الأميركية، واستناداً إلى العلاقة طويلة الأمد بين الاثنين، كان من المفترض أن يتوافق إغلاق مؤشر الخوف بالقرب من 39 نقطة قبل أسبوع، مع قراءة بنسبة 3.5% في فروق أسعار سندات الشركات. ومع ذلك فقد أنهيا تداولاتهما على انخفاض كبير بالقرب من 1.32%.
يشير عدم التطابق بين الاثنين إلى أن الانخفاض الأخير كان تقنياً، وليس مؤشراً على كارثة اقتصادية، وفقاً لاستراتيجيي "بلومبرغ إنتليجنس" كريستوفر كاين ومايكل كاسبر. في الواقع، أدت مثل هذه الانقطاعات غير الطبيعية في الماضي إلى عوائد أعلى من المتوسط للأسهم خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة.
يقول توم إيساي، من "ذا سيفين ريبورت" (The Sevens Report)، إنه لا يعتقد أن الأساسيات قد تدهورت بما يكفي لتبرير التخلص أو تقليل المخاطر أو الأسهم، لكنه يريد أيضاً التحذير من تجاهل الارتفاع الأخير في التقلبات.
وأضاف: "غالبية ما قرأته خلال عطلة نهاية الأسبوع، وصف هذه التقلبات الأخيرة بأنها مجرد تراجع نموذجي في سوق تتجه نحو الصعود"، متابعاً: "ولهذا السبب، أواصل الدعوة إلى التعرض للقطاعات الدفاعية، والحد الأدنى من الصناديق المتقلبة".