بلومبرغ
بعد مراقبة الصعود المذهل لعملة بتكوين عن بعد، أراد مطور الألعاب، آدم دارت، الحصول على جزء من الأرباح، فقام الاسكتلندي المقيم في سنغافورة، والبالغ من العمر 29 عاماً، بالتواصل مع عدد قليل من البنوك المحلية والعالمية للاستفسار حول إمكانية فتح حسابات استثمارية لتداول العملات المشفرة بتمويل من مكتب إدارة ثروة عائلته.
وجاء الرد على طلبه مدهشاً، حيث قيل له إنه بينما يمكن للمصرفيين الإدلاء بآرائهم الشخصية حول العملات الرقمية، إلا إنه لا يمكنهم تقديم خدمات الاستثمار فيها.
وقال دارت، الذي يساعد والديه في إدارة الشركة التي تستثمر بشكل أساسي في السندات المالية والعملات والأسهم الخاصة: "كان علينا في النهاية نشر استثمار مكتب العائلة عبر "جيميني Gemini"، وهي بورصة أصول رقمية مقرها الولايات المتحدة تعمل في سنغافورة. مضيفاً أن: "ضم عملات البتكوين في المحافظ الاستثمارية يمثل مخاطرة كبيرة للغاية بالنسبة للبنوك، وهذا هو السبب بشكل عام".
ويعتبر دارت، الذي تمتلك عائلته شركة لأشباه الموصلات، مجرد واحد من ملايين المستثمرين الأثرياء الذين يعملون بمفردهم، لأن البنوك تخجل إلى حد كبير من العملات المشفرة.
وعلى بعد آلاف الأميال، يستكشف كريستيان أرمبروستر، مؤسس مكتب "بلو فاميلي Blu Family" في لندن، إنشاء صندوق مخصص لتداول العملات المشفرة بتكلفة محتملة تزيد عن 100 ألف دولار، بعد أن خذلته البنوك الأوروبية.
وقال مستثمر مصرفي سابق، والذي كان يشرف على استثمار نحو 700 مليون دولار مملوكة له ولأسرته وللمستثمرين الأثرياء الآخرين: "قالوا إنه أمر مستحيل - لم يرغبوا في إيداع هذه الأشياء بعهدتهم. يعد ذلك وقت الجدية والعمل بالنسبة للاستثمار في العملات المشفرة. يمكن للجميع أن يتحمسوا لذلك، لكن التنفيذ صعب للغاية".
الاستعداد
بعد رفض العملات الرقمية لسنوات، بدأ بعض عمالقة "وول ستريت"- وليس كلهم- في تقبل الفكرة. من جانبه، قال بنك "جولدمان ساكس" هذا الأسبوع إنه على وشك تقديم أدوات استثمارية لعملة البتكوين وغيرها من الأصول الرقمية لعملاء الثروات الخاصة.
ويخطط "مورجان ستانلي" لإتاحة الاستفادة من ثلاثة صناديق من شأنها أن تمكن العملاء الأثرياء من امتلاك العملات المشفرة، بينما يقوم بنك "نيويورك ميلون كورب New York Mellon Corp." بتطوير منصة للأصول التقليدية والرقمية. ومع ذلك، لا يوفر أي من كبار البنوك الأمريكية حالياً إمكانية الاستفادة من بتكوين ومثيلاتها.
أما في أوروبا، فقد بدأ بنك "جوليوس باير .Julius Baer Group Ltd" في تقديم خدمات التداول والإيداع للعملات المشفرة الرئيسية داخل سويسرا. كما بدأ البنك السويسري الخاص "بوردييه آند سي Bordier & Cie" في تداول الأصول الرقمية عبر منصة تابعة لجهة خارجية. أما في سنغافورة، فقد بدأ بنك "دي بي إس غروب هولدينجز DBS Group Holdings Ltd" مؤخراً تبادلاً رقمياً يسمح للمستثمرين المؤهلين في مصرفه الخاص بالاستثمار في الأصول الرقمية الرئيسية مع توفير خدمات الإيداع لهم.
مخاطر التقلب
رغم ظهور بتكوين قبل أكثر من 11 عاماً، إلا أنه لا يمكن شراء الكثير من الأشياء باستخدامها بالفعل، كما لا يزال العديد من المقرضين حذرين بشأن مخاطر التقلب المرتبطة بالعملة الافتراضية.
ووصف جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورجان تشيس وشركاه"، بتكوين بأنها "شكل من أشكال الاحتيال" في عام 2017، وهدد بطرد أي موظف يتم ضبطه أثناء تداولها، وهي تعليقات قال لاحقاً إنه نادم عليها. وحذر بنك "يو بي إس غروب إيه جي"، أحد أكبر مديري الثروات في العالم، في يناير، مستثمري العملات الرقمية الجدد من أنهم قد يخسرون كل أموالهم.
وقال نظام إسماعيل، مؤسس "إيثيكوم للاستشارات Ethikom Consultancy"، التي تقدم المشورة للشركات بشأن الامتثال، ومقرها سنغافورة: "لدى المقرضين أيضاً مخاوف بشأن الامتثال وإدارة المخاطر، لا سيما فيما يتعلق بمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ومع ذلك، فإن المنظمين في جميع أنحاء العالم يجددون إطار عملهم لتنظيم وسطاء تداول العملات المشفرة كمؤسسات مالية تقليدية".
واكتسبت بتكوين، التي كان ينظر إليها في وقت من الأوقات على أنها حكراً على خبراء التكنولوجيا، قبولاً أوسع بحيث يتوقع العديد من المستثمرين أنها ستحدث ثورة في العالم المالي.
وكانت العملة المشفرة الأكثر شهرة قد سجلت سلسلة من الارتفاعات القياسية في عام 2021، بعد ثلاث سنوات فقط من انهيار سعرها، إثر دعمها من قبل مستثمرين مثل بول تودور جونز وستان دراكينملر وإيلون ماسك.
ووفقاً لبيانات بلومبرغ، تضاعف سعر عملة البتكوين الواحدة هذا العام إلى ما يقرب من 59 ألف دولار، كما ارتفع سعرها بأكثر من 500% منذ بداية عام 2020.
دعم "بتكوين"
ومن جهة أخرى، أصبح بعض المستثمرين الأكثر ثراءً وتطوراً داعمين للبتكوين على المدى الطويل بعد استقلالهم باستثماراتهم. فقد كشف الملياردير المكسيكي ريكاردو ساليناس بلييجو، في نوفمبر، أنه استثمر جزءاً كبيراً من أمواله السائلة في أكبر عملة مشفرة في العالم، وأنه استثمر فيها لأول مرة منذ خمس سنوات من خلال "جراي سكيل إنفستمنتس Grayscale Investments"، عندما كان سعر عملة البيتكوين الواحدة حوالي 800 دولار.
وحالياً، يثير سباق الاستثمار في بتكوين خلال الأشهر القليلة الماضية فضول المستثمرين الأثرياء بطريقة جديدة.
وقال طيب محمد، الشريك المؤسس لمجموعة "أجريوس غروب Agreus Group"، وهي شركة توظيف للمكاتب العائلية، مقرها لندن: "لقد شهدنا ارتفاعاً في الطلب على محترفي الاستثمار، لا سيما أولئك المتخصصون في مجال الأسهم الخاصة والأصول الرقمية". وقال إنه في العام الماضي، قام أحد مكاتب إدارة الثروات لعائلة واحدة، ويتخذ من العاصمة الإنجليزية مقراً له، بتحويل محفظته الاستثمارية التي تبلغ حوالي 2.8 مليار دولار من العقارات إلى فئات الأصول الجديدة بما في ذلك العملات المشفرة.
مليارديرات المتداولين
لقد نقل ازدهار بتكوين أيضاً من يساعدون في تداول الأصول الرقمية إلى مصاف فاحشي الثراء في العالم. فقد أصبح الشريك المؤسس لشركة "كوين بيز جلوبال .Coinbase Global Inc" مليارديراً، على الرغم من اختلاف تقديرات ثروته، مما يؤكد التقلبات الهائلة في أسعار العملات المشفرة. تأسست "كوين بيز" في عام 2012، وهي أكبر بورصة أمريكية للعملات المشفرة، ومن المتوقع أن يتم طرحها للاكتتاب العام هذا الشهر، مما يمثل علامة بارزة أخرى لتحويل العملة المشفرة إلى فئة أصول رئيسية.
وكتب أرمسترونج، 38 عاماً، في رسالة مدرجة في ملفات تسجيل "كوين بيز" لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية: "كان التداول والمضاربة أول حالات الاستخدام الرئيسية التي ظهرت في العملة المشفرة، تماماً مثل اندفاع الأشخاص لشراء أسماء النطاقات في بداية ظهور الإنترنت. لكننا نشهد الآن تطور العملة المشفرة إلى شيء أكثر أهمية".
ومع ذلك، لم يكن الاستثمار سهلاً بالنسبة للوافدين الجدد إلى مجال العملات المشفرة مثل دارت. فعلى الرغم من أنه حضر العديد من الدورات المتقدمة التي تدرس الأسواق المالية والتداول عبر البنوك الخاصة بالعائلة، إلا أنه لم يتم شرح الكثير حول التعامل مع الأصول الرقمية، على حد قوله.
وخصص دارت، الذي انجذب إلى العملات المشفرة بعد أن استثمرت أخته في بتكوين بنجاح في عام 2014، نسبة صغيرة من محفظة عائلته لذلك. ويأمل أن تلحق البنوك الخاصة بركب الاستثمار في العملات المشفرة وتسمح للعملاء بتضمينها في حساباتهم، بدلاً من الاضطرار إلى استخدام البورصات الخارجية.
وقال دارت: "سيكون الأمر أكثر أماناً وأقل صعوبة، مع السماح لنا بتحقيق رؤية أكثر شمولية لإجمالي تخصيص الأصول داخل محافظنا".