بلومبرغ
ضربت نوبة متجددة من التقلبات الأسواق المالية الأميركية، حيث أثار الحديث الأخير عن الركود الاقتصادي الأميركي، الذي يُنظر إليه في الغالب على أنه سابق لأوانه، تحذيرات من أن صعود الأسهم الكبير خلال هذا العام قد تمادى أكثر من اللازم.
ومن نيويورك إلى لندن وطوكيو، انهارت مؤشرات الأسهم. وفي الوقت الذي بدأت فيه الأسواق تحتفل بإشارات من بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن بداية خفض سعر الفائدة، تعرضت لعاصفة كاملة من البيانات الاقتصادية الضعيفة، وأرباح الشركات المخيبة للآمال، ومراكز ممتدة، واتجاهات موسمية ضعيفة.
وفي حين قلص مؤشر "إس آند بي 500" بعض خسائره، فقد عانى من أكبر انخفاض منذ حوالي عامين، وسط حجم تداول قوي. شهد مؤشر "ناسداك 100" للتكنولوجيا أسوأ بداية شهر له منذ عام 2008. وسجل "مقياس الخوف" في وول ستريت -VIX- في وقت ما من الجلسة، أعلى ارتفاع، وفق بيانات تتبعه منذ عام 1990.
فقدت سندات الخزانة بعض الزخم بعد الارتفاع الذي دفع عوائد السندات لأجل عامين -والتي تُعتبر حساسة للسياسة النقدية- إلى أقل من السندات لأجل 10 سنوات للمرة الأولى منذ عامين.
الاقتصاد ليس في أزمة.. ولكن
يراهن المتداولون على أن الاقتصاد على وشك التدهور بسرعة كبيرة، بحيث سيحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى البدء في تخفيف السياسة النقدية بقوة.
وكانت إعادة التسعير حادة للغاية، لدرجة أن سوق المقايضة حددت في وقت سابق فرصة بنسبة 60% لخفض سعر الفائدة بشكل طارئ من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال الأسبوع المقبل. انحسرت هذه الاحتمالات في وقت لاحق.
قال كالي كوكس من شركة "ريثولتز ويلث مانجمنت" (Ritholtz Wealth Management) إن "الاقتصاد ليس في أزمة، على الأقل حتى الآن". وأضاف: "من العدل أن نقول إننا في منطقة الخطر. إن بنك الاحتياطي الفيدرالي معرض لخطر خسارة بعض قدراته إذا لم يعترف بشكل أفضل بالتصدعات في سوق العمل. لم يتم كسر أي شيء بعد، لكنه ينكسر، ويخاطر بنك الاحتياطي الفيدرالي بالانزلاق وراء المنحنى".
في "إل بي إل فاينانشيال" (LPL Financial)، قالت كوينسي كروسبي إنه بعد هذا الارتفاع القوي، أصبحت التقييمات والميول والمراكز ممتدة.
وأضافت أن "ما تشهده الأسواق هو تفكيك هذا الوضع الصعودي. راقب علامات استسلام بنك الاحتياطي الفيدرالي، والأدلة المؤقتة على نمو الاقتصاد، والاختبار الناجح للمتوسط المتحرك لمدة 200 يوم على مؤشر إس آند بي 500، بحثاً عن علامات على الوصول للقاع".
تراجع قيمة "سوفت بنك"
خسر مؤشر "إس آند بي 500" نحو 3%، مواصلاً تعثره بنسبة 8.5% من ذروته. لم تتغير عوائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات بشكل طفيف عند 3.78%.
انخفض الدولار، في وقت ارتفع مقياس المخاطر المتصورة في أسواق ائتمان الشركات الأميركية، حيث أدى الاضطراب فعلياً إلى إيقاف مبيعات السندات في ما كان من المتوقع أن يكون من بين أكثر أيام العام ازدحاماً. وهبط سعر بتكوين بحوالي 10%.
وصلت موجة البيع إلى ذروتها في اليابان، حيث سارع المتداولون إلى تفكيك صفقات الشراء بالاقتراض الشهيرة، مما أدى إلى ارتفاع الين بنسبة 2%، وتسبب في انخفاض مؤشر "توبكس" بنسبة 12%، وإنهاء اليوم على أكبر انخفاض متواصل لمدة ثلاثة أيام منذ 1959. وقد محت هذه الانخفاضات نحو 15 مليار دولار من قيمة "سوفت بنك غروب" يوم الإثنين.
حذر بشأن الأسهم
أدى انخفاض الأسهم الأميركية إلى إثبات فرضية بعض المراهنين البارزين على الانخفاض، الذين زادوا من حدة التحذيرات بشأن المخاطر الناجمة عن التباطؤ الاقتصادي.
وقال ميسلاف ماتيجكا، من بنك "جيه بي مورغان تشيس"، إن الأسهم من المقرر أن تظل تحت ضغط من ضعف النشاط التجاري، وانخفاض عائدات السندات، وتدهور توقعات الأرباح. وحذر مايكل ويلسون، من بنك "مورغان ستانلي"، من مكافأة المخاطرة "غير المواتية".
وكتب ماتيجكا: "لا يبدو هذا بمثابة دعم للتعافي المأمول". وأضاف: "نحن نبقى حذرين بشأن الأسهم، ونتوقع وصول مرحلة أن الأخبار السيئة ستكون سيئة".
وقال إد يارديني، المخضرم في السوق، إن عمليات بيع الأسهم الحالية تحمل بعض التشابه مع انهيار عام 1987، عندما تجنب الاقتصاد الانكماش، على الرغم من مخاوف المستثمرين في ذلك الوقت.
وأشار يارديني لتلفزيون "بلومبرغ" إلى أن "هذا يذكرنا حتى الآن بعام 1987" (الإثنين الأسود)، مضيفاً: "لقد حدث انهيار في سوق الأوراق المالية -حدث كل ذلك في يوم واحد- وكان المعنى الضمني هو أننا كنا في حالة ركود أو على وشك الوقوع فيه. وهذا لم يحدث على الإطلاق. كان الأمر يتعلق في الواقع بالأمور الداخلية للسوق".
ترى سيما شاه من شركة "برينسيبال أسيت مانجمنت" (Principal Asset Management) أنه من المرجح أن تكون المخاوف من الضعف الاقتصادي مبالغاً فيها، ولكن عمق السرد السلبي يشير الآن إلى أن التحول الوشيك في السوق غير مرجح. يحتاج التعافي المستدام للسوق إلى محفز، أو على الأرجح مزيج من المحفزات، بما في ذلك استقرار الين الياباني، وأرقام الأرباح القوية، وإصدارات البيانات القوية.
قال ماكسويل غريناكوف، من بنك "يو بي إس إنفستمنت بنك" (UBS Investment Bank) إن "الأمر معقد، عودة كلمة التناوب تعرقل ظروف التجارة المثالية". وأضاف: "على غرار ما شهدناه خلال تناوب الشركات الصغيرة قبل بضعة أسابيع، تفاقمت درجة التحركات بشكل واضح بسبب التموضع الممتد. الفرق اليوم هو أن هناك دعماً أساسياً لمستويات مرتفعة من علاوات المخاطر، من منظور كلي ومنظور الأرباح".
إمكانية تحقيق عوائد أعلى
بعد النصف الأول القوي للغاية، أصبحت السوق ممتدة على المدى القصير، وكانت عتبة المفاجآت الإيجابية مرتفعة للغاية، ولم تتأثر إلا بالقليل من الأخبار السيئة، وفق كيث ليرنر من شركة "ترويست أدفايزور سيرفيسيز" (Truist Advisory Services).
وقال ليرنر إنه من منظور سوق الأسهم، "لم تتغير حالتنا الأساسية. لا يزال عملنا يشير إلى أن السوق الصاعدة تستحق فائدة الشك. ومع ذلك، كنا نتوقع بيئة أكثر تقلباً في النصف الأخير من شهري يوليو وأغسطس، نظراً للانتعاش الحاد من أبريل، والمعنويات الممتدة، وحقيقة أننا ندخل فترة أضعف موسمياً من السنة التقويمية.
علاوة على ذلك، بعد فترات النصف الأول القوية، شهدنا تاريخياً تراجعاً نموذجياً بنسبة 9% في مرحلة ما، على رغم أن الأسواق لا تزال تميل إلى الإغلاق على ارتفاع بحلول نهاية العام.
والجدير بالذكر أنه على مدار الأربعين عاماً الماضية، بلغ متوسط التراجع الأقصى لمؤشر "إس آند بي 500" نحو 14%. على الرغم من ذلك، لا تزال الأسهم تظهر متوسط عائد (غير مركب) بنسبة 13%، وارتفعت في 33 من أصل 40 سنة من تلك السنوات، أو 83% من الوقت، كما قال ليرنر.
قال ليرنر: "على الرغم من أن عمليات التراجع تكون دائماً غير مريحة وعادةً ما تكون مصحوبة بأخبار سيئة، إلا أنها هي سعر الدخول إلى سوق الأسهم"، مضيفاً: "هذا ما يوفر إمكانية تحقيق عوائد أعلى على المدى الطويل، مقارنة بمعظم فئات الأصول الأخرى".
شعور بأن الفيدرالي تأخر
عندما وجه المستثمرون أنظارهم إلى شهر أغسطس، ربما قلبوا السردية المرتبطة بالاقتصاد في الوقت ذاته، وفق جون لينش من شركة "كوميركا ويلث مانجمنت" (Comerica Wealth Management).
وأضاف: "لقد مر أقل من أسبوعين منذ صدور تقرير الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني الذي جاء بشكل مفاجئ في الاتجاه الصعودي، مع تحرك أسواق الأسهم بالقرب من مستويات قياسية، ومع ذلك هناك شعور متزايد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد انتظر طويلاً لخفض أسعار الفائدة، وهو الآن وراء المنحنى".
وتابع: "على الرغم من أننا لم نقتنع بالكامل بالسردية الجديدة، فإن الشيء الوحيد الذي يبدو مؤكداً هو أن هناك المزيد من التقلبات في المستقبل".
يجب على المستثمرين التحوط من تعرضهم للمخاطر حتى لو كانوا يمتلكون أصولاً عالية الجودة، حيث تواصل الأسهم الأميركية خسائرها، وفق توني باسكوارييلو من مجموعة "غولدمان ساكس" في مذكرة.
كتب باسكوارييلو: "هناك أوقات لاستخدام الوقود، وهناك أوقات لاستخدام المكابح، أنا أميل إلى تقليل التعرض وتعديل المراكز". وأضاف أنه من الصعب الاعتقاد بأن شهر أغسطس سيكون أحد تلك الأشهر التي يجب على المستثمرين أن يحتفظوا بمحافظ مخاطرها مرتفعة.
قامت الصناديق المنهجية بتفريغ أكثر من 130 مليار دولار من رهانات الأسهم العالمية في الأسابيع الأخيرة. والآن يُحتمل أن تصل مبيعات هؤلاء اللاعبين الذين يتبعون الاتجاه، إلى مستوى جديد تماماً مع ارتفاع التقلبات.
ستتخلص الاستراتيجيات التي تركز على تكافؤ المخاطر واستهداف الحجم والاتجاه التالي، من 70 مليار دولار إلى 80 مليار دولار من الأسهم يوم الإثنين، مع ما لا يقل عن 90 مليار دولار إضافية للتصفية خلال الجلسات الأربع المقبلة، وفقاً لتقديرات فريق التداول في "مورغان ستانلي".
الأسواق تتقدم على الفيدرالي
بالنسبة لمايكل غابن من "بنك أوف أميركا كورب"، فإن الأسواق تتقدم على بنك الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى.
وأضاف أن "البيانات الواردة أثارت مخاوف من أن الاقتصاد الأميركي قد وصل إلى (مطب هوائي). وقد أصبح خفض أسعار الفائدة في سبتمبر بمثابة قفل افتراضي، لكننا لا نعتقد أن الاقتصاد يحتاج إلى تخفيضات قوية تشابه ما يحصل في حالات الركود".
شهدت أسواق الأسهم في شهر يوليو واحدة من أشد التقلبات منذ سنوات، مع ارتفاع أسهم القيمة والشركات الصغيرة، وبيع أسهم شركات التكنولوجيا الضخمة. والسؤال الرئيسي الذي يطرحه المستثمرون هو ما إذا كانت هذه الخطوة ستستمر أم ستتلاشى على غرار الدورات السابقة، وفق جيف شولز من "كلير بريدج إنفستمنت" (ClearBridge Investments).
وقال: "في حين أن الخوف من النمو يمكن أن يؤدي إلى تراجع هذا التناوب، فإننا نتوقع في نهاية المطاف انتعاش النمو الاقتصادي الذي ينبغي أن يفضل أسهم القيمة والشركات الصغيرة والدورية". وأضاف: "نادراً ما تتحرك الأسهم القيادية في خط مستقيم، ونعتقد أن المدى القريب (الأشهر القليلة المقبلة) قد يشهد تذبذباً لصالح هذه الأسهم في ما يتعلق بتصور الأمان إذا تراجع الاقتصاد بشكل أكبر. وفي نهاية المطاف، نعتقد أن الهبوط السلس سيحدث".
مع تكثيف عمليات البيع في الأسهم العالمية يوم الإثنين، قال مكتب التداول في بنك "جيه بي مورغان تشيس" إن التناوب من قطاع التكنولوجيا ربما "تم في الغالب"، وأن السوق "تقترب" من فرصة تكتيكية للشراء عند الانخفاض.
تباطأ شراء الأسهم من قبل مستثمري التجزئة بسرعة، وانخفضت مراكز التداول من قبل مستشاري تداول السلع الذين يتبعون الاتجاه بشكل كبير عبر مناطق الأسهم، وكانت صناديق التحوط بائعة صافية للأسهم الأميركية، حسبما كتب فريق التداول في بنك "جيه بي مورغان" في مذكرة يوم الإثنين للعملاء.
كتب جون شليجل، رئيس القسم: "بشكل عام، نعتقد أننا نقترب من فرصة تكتيكية للشراء عند القاع"، مضيفاً: "ومع ذلك، فإن حصولنا على ارتداد قوي أم لا، يمكن أن يعتمد على البيانات الكلية المستقبلية".
من جهته، أشار بول نولتي من شركة "مورفي آند سيلفست ويلث مانجمنت" (Murphy & Sylvest Wealth Management) إلى أن المستثمرين سيركزون "على أي أحاديث من مختلف محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي".
وأضاف أن "نشوة الربع الأول سرعان ما أصبحت ذكرى بعيدة، حيث إن البيانات الاقتصادية الأضعف ترفع الأصوات المطالبة بخفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي قريباً، وربما قبل اجتماعهم التالي. نحن في المراحل الأولى من أيام الصيف الشديدة، والأمور تسخن في وول ستريت".