بلومبرغ
انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية بشكل حاد وارتفعت السندات، حيث دفعت جرعة جديدة من البيانات الاقتصادية الضعيفة المتداولين إلى إعادة النظر في ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة جيروم باول حكيماً في تأجيل خفض أسعار الفائدة قبل سبتمبر.
كانت حركة الأسهم يوم الخميس بمثابة حلقة أخرى من التقلبات اليومية الشديدة التي تميزت بالتناوب السريع داخل وخارج فئات الأصول والقطاعات، مع اختيار المستثمرين لسندات الخزانة باعتبارها أحدث تجارة الملاذ الآمن.
شهد مؤشر "ناسداك 100" أكبر انعكاس له في يوم واحد منذ مايو 2022. وفي تداولات ما بعد إغلاق السوق، انخفض صندوق متداول في البورصة بقيمة 276 مليار دولار يتتبع المؤشر، مع تعثر أسهم "إنتل" و"أمازون" بسبب نتائج دون التوقعات، وانخفاض أسهم "أبل".
تتسع التقلبات عبر أسواق الأصول، في الوقت الذي يكافح فيه المستثمرون لتقييم الاقتصاد والأرباح، تزامناً مع تحوّل النظرة من موقف الاحتياطي الفيدرالي الذي اعتبرته الأسواق أمس محفزاً، وصولاً إلى الخوف بشأن آفاق النمو المستقبلي.
انخفضت عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات إلى أقل من 4%، مع قيام متداولي المقايضة الآن بالتسعير الكامل لثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة هذا العام. في الفترة التي سبقت تقرير الوظائف، أظهرت البيانات أن مطالبات البطالة بلغت أعلى مستوى لها منذ عام تقريباً، وتقلص نشاط التصنيع.
الأسواق تقترب من حالة الذعر
قال خوسيه توريس من شركة "إنتر أكتيف بروكيرز" (Interactive Brokers)، إن "الأسواق تقترب من حالة الذعر مع تقارب العديد من العوامل الاقتصادية، مما يدعم الابتعاد عن الأصول الخطرة". وأضاف أن "الرياح المعاكسة للسوق عاصفة للغاية، خاصة بالنظر إلى أن الأسهم يتم تسعيرها على نحو مثالي، في حين أن ما نراه في الاقتصاد هو العكس".
أشار جيروم باول يوم الأربعاء إلى أن المسؤولين في طريقهم لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، ما لم يتوقف تقدم التضخم، مشيراً إلى مخاطر المزيد من ضعف الوظائف.
من المحتمل أن تزيد بيانات التوظيف الشهرية المقرر صدورها يوم الجمعة من حدة النقاش. وتقترب البطالة الآن من إطلاق مؤشر الركود "قاعدة سهم" الذي طورته الخبيرة الاقتصادية السابقة في بنك الاحتياطي الفيدرالي كلوديا سهم، والذي أصاب على مدى نصف القرن الماضي.
بالنسبة لنيل دوتا من رينيسانس ماكرو ريسيرش (Renaissance Macro Research)، فإن "التدهور المستمر" في البيانات الاقتصادية أصبح واضحاً، مضيفاً: "إلى أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، سيتم النظر إلى ما وراء المنحنى".
من جهته، قال كريس سينيك من شركة "وولف ريسرتش" (Wolfe Research): "لقد أطلقت سوق العمل إشارات تحذيرية خلال الأشهر القليلة الماضية"، مضيفاً أن "التاريخ يشير إلى أن باول يسير على خط رفيع للغاية بشأن احتمال الانتظار لفترة طويلة لبدء خفض أسعار الفائدة، قبل فوات الأوان".
وانخفض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 1.4%، كما هبط مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 2.4%، ومؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة بنسبة 3%.
وصل "مقياس الخوف" في وول ستريت - VIX - إلى أعلى مستوى له منذ أبريل، وانخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار ست نقاط أساس إلى 3.97%. وانخفض الجنيه الإسترليني بعد أن خفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة، وأشار إلى مزيد من التخفيضات الحذرة في المستقبل.
خطر على الهبوط الناعم
يرى كريس زاكاريللي من "إندبندنت آدفايزور آليانس" (Independent Advisor Alliance)، أن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان قادراً حتى الآن على تنظيم هبوط ناعم، ولكن هذا قد يكون في خطر إذا تباطأ النمو بسرعة أكبر مما ينبغي، أو ظل التضخم مرتفعاً بشكل عنيد".
من جهتها، قالت كالي كوكس من شركة "ريثولتز ويلث مانجمنت" (Ritholtz Wealth Management)، إن "البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال هزت بعض الأعصاب اليوم"، وتابعت: "أضف ذلك إلى أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي لم يظهر قلقاً بشأن البطالة أمس، ولكن فجأة، بات المستثمرون يعتقدون أن الهبوط الناعم يظهر على أنه انهيار". وأضافت: "لست متأكدة من ذلك، سوق العمل يتباطأ، لكن التباطؤ لا يعني بالضرورة انهياراً".
في "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics)، يقول توماس ريان، إن "المزيد من الانخفاض في التصنيع يزيد من خطر فقدان النمو الأميركي للزخم في الربع الثالث، وسيزيد الانخفاض في مؤشر التوظيف من القلق من أن الأوان قد فات على بنك الاحتياطي الفيدرالي للبدء في تخفيف السياسة".
سُئل باول يوم الأربعاء عن "قاعدة سهم" بعد أن قرر هو وزملاؤه ترك سعر الفائدة القياسي من دون تغيير عند أعلى مستوياته منذ أكثر من عقدين. وقال إن ما "يعتقده صناع السياسات أننا نشهد عودة سوق العمل إلى طبيعتها"، على الرغم من أنه إذا "بدأت في إظهار علامات على أن الأمر أكثر من ذلك، فإننا في وضع جيد للرد".
قال جورج بول من "ساندرز موريس" (Sanders Morris): "هناك سيناريو حيث سيتم النظر إلى خفض سعر الفائدة بشكل سلبي بالنسبة للأسهم، وذلك إذا اقترن مع إعراب مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن قلقه بشأن الاقتصاد"، وأضاف: "على الرغم من أن هذا ليس السيناريو المحتمل، إلا أنه قابل للتصديق".
ترقب لتقرير الوظائف
يتوقع الاقتصاديون اعتدالاً في نمو الوظائف في تقرير التوظيف الحكومي لشهر يوليو المقرر صدوره يوم الجمعة، وأن يظل معدل البطالة ثابتاً عند 4.1%.
أظهر استطلاع أجرته شركة "22 في ريسرتش" (22V Research)، أن 42% من المستثمرين يعتقدون أن رد فعل السوق على بيانات الوظائف يوم الجمعة سيكون "تجنب المخاطرة"، بينما توقع 36% أن تكون ردة الفعل مختلطة أو ضعيفة، في حين توقع 22% أن تكون ردة الفعل "الميل للمخاطرة".
قال دينيس ديبوسشير، مؤسس شركة "22 في ريسرتش" إن "المستثمرين يعطون أكبر قدر من الاهتمام لبيانات الوظائف، ومع ذلك، فإن معدل البطالة يأتي في المرتبة الثانية. استطلاعنا يشير إلى أن يبلغ معدل البطالة 4.2%".
أثار تباطؤ الاقتصاد تكهنات في السوق بأن يكون هناك ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة قبل نهاية العام، وفقاً لفواد رزاقزادة من "سيتي إندكس" و"فوركس دوت كوم".
وقال: "في الواقع، هناك الآن خطر أكبر في أن يكون تقرير الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة غداً دون التوقعات، إذا كانت مؤشرات سوق العمل اليوم دليلاً استرشادياً"، مضيفاً أنه "إذا كان تقرير التوظيف مخيباً للآمال، فإن الدعوات التي تطالب بنك الاحتياطي الفيدرالي بالتحرك سوف ترتفع".
تباطؤ سوق العمل
كان بنك الاحتياطي الفيدرالي واضحاً بشأن حاجته إلى مزيد من الأدلة على ضعف التضخم قبل البدء بخفض الفائدة، لكن تباطؤ سوق العمل قد يدفعه إلى خفض أسعار الفائدة بشكل أبكر، مما يتيح احتمالية التخفيض في نوفمبر، بالإضافة إلى سبتمبر وديسمبر، وفق أوسكار مونوز وجينادي غولدبرغ في "تي دي سيكيوريتيز" (TD Securities).
وأضافا: "لقد انخفضت الأسعار بشكل حاد في الأيام الأخيرة بسبب مزيج من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر تشاؤماً، والبيانات المعتدلة، والمخاطر الجيوسياسية. على هذا النحو، فإن القراءة الأضعف يمكن أن تعزز التحرك نحو خفض أسعار الفائدة، مما يؤدي إلى تفاقم الاتجاه الصعودي".
حصلت صناديق الاستثمار المتداولة ذات الدخل الثابت على مبلغ تاريخي من النقد الشهر الماضي، مع تكدس المستثمرين في سوق السندات استعداداً لبدء دورة خفض أسعار الفائدة الفيدرالية. وشهدت صناديق السندات تدفقات داخلة بلغت حوالي 39 مليار دولار في يوليو، وهو أكبر حجم على الإطلاق، وفقاً لبيانات من شركة "سترات غاس" (Strategas).
بالنسبة لفيل هارتمان من "بي أم أو كابيتال ماركيتس" (BMO Capital Markets)، فإن البيانات لن تكون ذات صلة بالتوقعات الخاصة بتوقيت التخفيض الأول لسعر الفائدة، بقدر ما ستكون ذات صلة باحتمالية أن يلجأ الفيدرالي إلى تغيير سياسة الخفض بربع نقطة مئوية التي تشير إليها توقعاته.
قال هارتمان: "بعبارة أخرى، لن تقود بيانات الوظائف السوق إلى إعادة التفكير بجدية في ما إذا كان خفض سعر الفائدة في سبتمبر مبكراً جداً، ولكنها يمكن أن تؤدي بسهولة إلى تحريف المسار الضمني لأسعار الفائدة في السوق، نحو حملة خفض أكثر دراماتيكية".
الكل يتحدث عن الفيدرالي
يعد بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل موضوعاً ساخناً هذا الأسبوع على طاولة المستثمرين العالميين الذين يحاولون تحديد وقت تخفيض أسعار الفائدة. كما أنه كان على نحو غير معتاد، سمة بارزة في مكالمات الشركات الأميركية التي تجريها مع المستثمرين والمحللين بعد الإعلان عن الأرباح.
كانت عبارة "الاحتياطي الفيدرالي" في طريقها إلى أن تُذكر حوالي 380 مرة في مكالمات الربع الثاني مع المحللين، وفقًا لتحليل "بلومبرغ" لنصوص الشركات المدرجة على مؤشري "إس آند بي 500" و"ستوكس 600". سيكون هذا أعلى رقم على الإطلاق في سجلات قاعدة البيانات منذ عام 2001، إذا استمرت الوتيرة الحالية.
تراجع زخم المخاطرة
ارتفع مؤشر تقلب الأسهم من "بنك أوف أميركا" الشهر الماضي، مما يعكس المعنويات المرتفعة لوول ستريت. وعلى الرغم من أن المقياس لا يزال في المنطقة "المحايدة"، أي ليس عند عتبات "الشراء" أو "البيع" الصريحة، إلا أن المواقف الهبوطية الشديدة تجاه الأسهم لم تعد بمثابة رياح خلفية للاتجاه الصعودي مثل العام الماضي.
ومع ظهور علامات تراجع في زخم المخاطرة في الأسهم الأميركية في يوليو، قلصت العديد من صناديق الاستراتيجية المنهجية القائمة على الخوارزميات تعرضها للأسهم، لكنها قد لا تنتهي من البيع بعد.
قام مستشارو تداول السلع بخفض مراكز أسهمهم إلى أدنى مستوى خلال شهرين في يوليو، وفقاً لـ"بنك أوف أميركا". وعادة ما يستخدم المستشارون مزيجاً من إشارات اتجاه الأسعار والتقلبات لتحديد التخصيص. ومع مواجهة تقدم سوق الأسهم لعقبة، قام مستشارو تداول السلع بتفكيك المراكز أيضاً.
لكن بالنسبة إلى تشينتان كوتيشا، كبير محللي أبحاث مشتقات الأسهم في البنك، فإن المستشارين الذين قاموا بشراء الأسهم الأميركية لفترة طويلة، يجب أن يواصلوا خفض مراكزهم، على الأقل في المدى القريب، حيث يظهر الارتفاع علامات على التوقف.