بلومبرغ
قضى العالم نحو ستة أيام وسبع ساعات لإسدال الستار على دقائق الدراما التي كشفت ضعف التجارة العالمية، وأسرت العالم، لكنَّ الأمر قد يستغرق وقتاً أطول لمعرفة كيفية تجنُّب حدوث هذا مرة أخرى.
وفي الساعة الثالثة من بعد ظهر الإثنين الماضي بالتوقيت المحلي للقاهرة، تمَّ إبعاد سفينة "إيفر غيفن" عن ضفة رملية في قناة السويس بواسطة زوارق قامت بدفعها وسحبها كي يتمَّ تحريرها. وأخيراً، ومع تهليل عشرات من أفراد الطاقم الذين عملوا على محاولة إعادة تعويمها والشعور بالراحة الذي طغى على السلطات المصرية، تحرَّرت سفينة الحاويات الضخمة من القرن الحادي والعشرين التي علقت في هذا الممر المائي الذي تمَّ افتتاحه لأوَّل مرة عام 1869. وبدأت حوالي 400 سفينة كانت محتجزة خلفها بالتحرُّك في ذلك المساء.
وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر صحفي يوم أمس الثلاثاء، وإلى جانبه أسامة ربيع الرئيس التنفيذي لهيئة قناة السويس، وقال: "إنَّه برغم صعوبة الوضع الذي واجهناه، وقف المصريون إلى جانب قيادتهم وبلدهم، وتحمَّلوا الأزمات، وأظهروا فرحتهم"
ومع ذلك، فقد بدأت تداعيات هذا الحادث في مثل هذا الشريان الحيوي للاقتصاد العالمي للتو، إذ تعمل شركات التأمين بالفعل على حساب التكلفة، وتحديد من الذي سيكون في مأزق، لكنَّ التركيز الحقيقي سيتحوَّل بسرعة إلى الخطأ الذي حدث.
ستكون هناك أسئلة حول السرعة، وما إذا كان على "إيفر غيفن" استخدام القاطرات، وما إذا كان عليها ألا تتحدَّى الرياح في هذه الرحلة على الإطلاق، كذلك سيقوم المحقِّقون المصريون، بقيادة لجنة هيئة القناة، بتحليل تسجيلات قمرة قيادة السفينة، بما في ذلك المحادثات بين الطاقم.
ضمان عدم التكرار
و قال أسامة ربيع، إنَّ سرعة الرياح تجاوزت 40 ميلاً في الساعة عندما قرَّرت "إيفر غيفن" قبول التحدي وتنفيذ الرحلة في 23 مارس. وإن كانت القناة شهدت الكثير من الرياح، وسوء الأحوال الجوية من قبل، كما واجهت الناقلات ما هو أسوأ دون أن تعلق في المجرى.
ونأى ربيع بمصر عن المسؤولية، وألقى باللوم على الرياح، و "الأخطاء البشرية والتقنية" المحتملة، برغم أنَّه وعد بإجراء تحقيق كامل فيما حدث. وقال أيضاً، إنَّ الهيئة ستنظر فيما إذا كانت بحاجة إلى قاطرات جديدة ذات قدرات أفضل.
وقال بيتر بيردوفسكي، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "بوسكاليز" (Boskalis)، التي تملك شركة خبراء الإنقاذ "إس إم آي تي" (SMIT) التي يقع مقرّها في هولندا، للإذاعة الهولندية: "يجب أن تعرف هيئة قناة السويس كيفية وقوع هذا الحادث، وما الإجراءات اللازمة لمنع تكرار ذلك".
و قالت الشركة التي تدير السفينة، "برنارد شولت شيبمانجمنت" (Bernhard Schulte Shipmanagement)، إنَّ التحقيقات الأولية تشير إلى أنَّ الحادث كان بسبب الرياح. وقال متحدِّث باسم الشركة في 27 مارس، إنَّه يجري القيام بتحقيق شامل، وسيتضمَّن مقابلات مع المرشدين على متن السفينة، وجميع أفراد غرفة القيادة، وأفراد الطاقم الآخرين.
تفاصيل فنية
الأمر المؤكَّد حالياً، هو أنَّ سفينة "إيفر غيفن" التي يبلغ طولها 400 متر كانت محشورة بقوة في ضفة القناة، وكان الوقت قد حان للاتصال بـ"إس إم آي تي". كما أظهرت اللقطات التلفزيونية أنَّ القاطرات لم تكن قادرة على زحزحة السفينة، وبدأت شركة خدمات الملاحة "إس إم آي تي" بوضع خطَّة، وفقاً لأشخاص مطَّلعين على الموقف.
و بعد تكليفهم من قبل الشركة اليابانية "شوي كيسن كايشا ليمتد" (Shoei Kisen Kaisha Ltd) مالكة "إيفر غيفن"، في 24 مارس، تمَّ حجز تذاكر طائرة لنقل الموظفين إلى مصر من هولندا، و كانت هناك تقارير إعلامية تفيد أنَّ السفينة قد أعيد تعويمها، لكنَّ فريق "إس إم آي تي" كانت لديه بيانات حول مكان وجود السفينة، وكان يعلم أنَّها ستحتاج إلى المزيد، على حدِّ قول أشخاص مطَّلعين.
و كانت المشكلة تكمن في موقع القاطرات المصرية، فقد نشرت سلطات قناة السويس القاطرات إلى الجانب الشمالي من سفينة "إيفر غيفن"، وكانت تقوم بالقطر من هناك، لكن بسبب الوضعية التي استقرت بها السفينة في جدار القناة، كان السحب أو الدفع من هذا الاتجاه غير فعال.
و قال المتحدِّث باسم "بوكاليس مارتن شوتفاير" (Boskalis Martijn Schuttevaer) في 24 مارس: "إن كنت ترغب في سحب سفينة متجهة شمالاً من جانبها، فعليك سحبها من الجانب الجنوبي". وأرسلت الشركة عدداً من قوارب السحب، بما في ذلك القاطرات الثقيلة وغيرها من المعدَّات، إلى الجانب الجنوبي، على حدِّ تعبيره.
و في الوقت الذي كان فيه الضغط مستمراً لفتح أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم، وكانت جميع وسائل الإعلام والعالم بأسره تتابع ما يجري، كان هناك أيضاً موعد المد والجزر، وفي حال لو كانت العملية تخطَّت أعلى موجة مد تحدث في أسابيع، فإنَّ ذلك كان سيعني في المقابل قضاء أيام في تفريغ الحاويات.
وقال الرئيس السيسي، إنَّه طلب من ربيع رئيس هيئة قناة السويس الاستعداد للأسوأ. وقال السيسي يوم الثلاثاء: "سألته ما هو أصعب سيناريو، فقال لي، إنَّه تفريغ الحاويات. قلت، لنكن مستعدين، مهما كانت التكلفة علينا أن نكون مستعدين في أزمة مثل هذه ".
مهمة صعبة
و بحلول 26 مارس، كان الأشخاص المطَّلعون على جهود الإنقاذ يتوقَّعون أن يستغرق الأمر حتى يوم الأربعاء على الأقل لإخراج السفينة. و كانت هيئة القناة تقوم بالتجريف باستخدام حفَّارة شفط، وقطع تلقَّب بـ"مشهور"، و تقوم بشكل أساسي بإخراج الطين والرمل تحت الماء، وشفطه وإخراجه عبر خط أنابيب.
كانت هناك بعض محاولات إعادة التعويم، لكن لم تتحرَّك السفينة في أيٍّ منها، وكان ذلك مصدر قلق لطاقم الإنقاذ. و في وقت مبكر من صباح يوم الإثنين بدأ الإنجاز عندما تحرَّكت السفينة جزئياً، وبدأت في الدوران، وواصلت الحفَّارات تجريف الرمال من القوس.
و حدث ما حدث، و استطاع بيردوفسكي، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "بوسكاليس"، أن يرى مباشرة على الرادار أنَّ السفينة تمَّ تعويمها. وقال للإذاعة الهولندية يوم الإثنين، إنَّه تلا ذلك "10 دقائق من التوتر". وقال، إنَّه كان لا يزال من المحتمل أن ينجرف القارب بعد ذلك، ويعلق على الجانب الآخر.
أما بالنسبة لطاقم العمل المصري، فقد كان الارتياح أكثر وضوحاً. فإن فشلت الخطة؛ كان الطاقم سيواجه التحدي التالي، وهو البدء في تفريغ 1000 حاوية، وفقاً لمحمد بهاء، العضو المنتدب لشركة "إيفر غرين لاين" (Evergreen Line) في مصر، وهي الشركة التي تشغِّل السفينة.
وقال: "كانت اللحظة الحاسمة أمس عند الساعة الثالثة بعد الظهر، شعرت بالارتياح لأنَّني كنت قلقاً للغاية بشأن الاضطرار إلى اللجوء إلى تخفيف وزن السفينة، و قالت "إس إم آي تي"، إنَّه إن لم تنجح تجربة إعادة التعويم، فيجب علينا تخفيف وزن السفينة، ولن تكون هذه مهمة سهلة ".
متابعة رئاسية
كان الرئيس السيسي قد قال، إنَّ سمعة البلاد على المحكِّ، وكان يتصل بانتظام خلال كل يوم للحصول على التحديثات، وكذلك كبار المسؤولين الآخرين. ويقال، إنَّه قال لربيع: "مصر أمانة في عنقك".
و قال إيان رالبي، الرئيس التنفيذي لشركة "آي.آر. كونسيليوم" (I.R. Consilium)، وهي شركة استشارات قانونية وأمنية بحرية تعمل مع الحكومات: "نحن بحاجة إلى النظر في مجموعة كاملة من الاحتمالات لهذه الحالة."