بلومبرغ
لم تستطع شركة الهواتف النقالة الكولومبية الناشئة "ووم"، المملوكة من قبل كريس بانيستر، تحقيق أرباح ولا إيرادات، ولم تستطع استقطاب عملاء أيضاً.
كل ما تفعله الشركة، هو التصدي، للدعاوى القضائية التي يصوغها عادةً محامو بعض عمالقة صناعة الهاتف المحمول، مثل "أمريكا موفيل" المكسيكية، التي يديرها الملياردير كارلوس سليم، و"تيليفونيكا" الإسبانية.
وما تسعى إليه هذه الشركات جميعاً، بطريقة أو بأخرى، هو منع شركة "ووم" (Wom) التي يديرها بانيستر من استقطاب أي مشترك.
لماذا كل هذه الضجة المثارة حول شركة ناشئة صغيرة يديرها أجنبي يتحدَّث بالكاد كلمة واحدة باللغة الإسبانية؟
"بانيستر"
لقد اعتاد بانيستر، البريطاني صاحب الـ 61 عاماً، وذو الميول الشاذة، الظهور في أماكن بعيدة، وشن حملات دعائية مبالغ فيها للاستيلاء سريعاً على حصة سوقية من شركات الجوال الراسخة. فقد قام بذلك في فيتنام، وأذربيجان، وبولندا، ونيجيريا، والسويد، ومؤخَّراً في تشيلي.
وقد آثار هذا الأمر القلق لدى كبار المديرين التنفيذين في بوغوتا عاصمة كولومبيا، فقد استطاع بانيستر تخصيص 20% كحصة سوقية لشركة "ووم" في غضون خمسة أعوام فقط، بدعم من الرجل نفسه الذي موَّل المشروع الكولومبي، وهو رجل الأعمال الأيسلندي ثور بيورغولفسون. وقد تمَّ أخذ هذه الحصة من نصيب الوحدات التشيلية الخاصة بشركتي "أمريكا موفيل"، و"تيليفونيكا".
ويمكن أن تعاني كولومبيا من بعض الاضطرابات، خاصة أنَّ الشركات التابعة لهاتين الشركتين تهيمن على السوق، الذي تتقاضى فيه شركات المحمول 3.46 دولاراً لكلِّ غيغابايت من البيانات في المتوسط، وهي واحدة من أغلى الأسعار في المنطقة. ويقول بانيستر، إنَّه قادر على التغلُّب على هذا السعر بسهولة.
وقال بانيستر، في مقابلة أجريت معه مؤخَّراً من المقرِّ الرئيسي للشركة في بوغوتا: "كل ما يجب أن أكون عليه هو أن أصبح أفضل قليلاً، وأرخص قليلاً، وأنشئ علامة تجارية يحبها الناس، وسأحصل على حصة نسبتها 25% من السوق كحدٍّ أدنى. الأمر بهذه البساطة".
ثورة في سوق الهواتف الكولومبية
ويطلُّ مبنى "ووم" على طريق سريع مزدحم في منطقة مكاتب من الطبقة الوسطى في شمال المدينة، ويضمُّ غرفة اجتماعات في الطابق الخامس مزينة باللون الأرجواني المميز للشركة.
وقال بانيستر، الذي كان يرتدي قميصاً ضيقاً أبيض اللون، يظهر رسومات الوشم على جسده، إنَّ "ووم" وموظفيها- الذين يطلق عليهم اسم "وومرز"- في طريقهم لإحداث ثورة في سوق الهواتف المحمولة في كولومبيا.
وقال: "نعم، لقد استغرقت وقتاً أطول هنا مقارنة بذلك الذي احتجته في دولتين عملت فيهما. لكنَّنا، بصفتنا (وومرز)، ملتزمون بتحقيق النجاح، وتغيير قواعد الاتصالات الكولومبية".
مواجهة "كارلوس سليم"
ويحظى بانيستر بدعم المالكين الأثرياء للقيام بذلك فقط، فقد تعهدت شركة "نوفاتور بارتنرز إل إل بي"، التابعة لرجل الأعمال بيورغولفسون، بتخصيص مليار دولار لدعم الشركة على مدار الأعوام الخمسة المقبلة.
وهناك مجال للنمو، خاصة أنَّ ملايين الأشخاص لا يزالوا يفتقرون إلى التغطية واسعة النطاق لأجهزة الهواتف المحمولة.
وكل هذا من شأنه وضع "ووم" في "مسار تصادمي" مع شركة "كلارو" التابعة لشركة "أمريكا موفيل" المملوكة لكارلوس سليم، خاصة في المناطق الريفية التي أُنفق فيها الكثير على البنية التحتية، كما قال والي سوين، محلِّل اتصالات أمريكا اللاتينية، ومقرُّه بوغوتا لدى شركة الأبحاث "أوميديا".
وتتمثَّل نقطة الجدل الرئيسية بالنسبة لـ "كلارو" في أنَّه لم يكن من المفترض اعتبار "ووم" شركة ناشئة، الأمر الذي يجعلها مؤهلة للحصول على أسعار مخفَّضة، ومزايا أخرى تهدف إلى زيادة المنافسة.
وكانت شركة "نوفاتور" قد ثبَّتت أقدامها في كولومبيا العام الماضي من خلال شراء حصة أغلبية في "أفانتل"، وهي شركة ثانوية تسيطر على حوالي 2% من السوق.
وفي الوقت الراهن، تواصل "أفانتل" العمل بشكلٍ منفصل عن "ووم"، التي ترفض الادعاء القائل بأنَّ حصة "أفانتل" تعني أنَّها ليست أحد الوافدين الجدد.
وقال سوين، محلل الاتصالات، إنَّ هذه الأمور تشكِّل أساس شكوى طويلة الأمد من قبل شركة "كلارو"، مضيفاً: "لقد بنوا تغطية أوسع نطاقاً في كولومبيا، والجميع يحصل على فوائد دون بذل أي مجهود".
وقد شاركت شركة "كلارو"، التي لديها 32 مليون عميل في البلاد، في الغالبية العظمى من الـ 17 دعوى قضائية التي رُفعت ضد شركة "ووم"، التي طعنت في الوضع القانوني للشركة، إلى جانب العديد من الأمور الأخرى.
وفي العام الماضي، شكَّلت كولومبيا نحو ثلث صافي دخل "أمريكا موفيل"، البالغ 2.2 مليار دولار، بحسب بيانات جمعتها "بلومبرغ".
سوق تنافسي
وقالت شركة الاتصالات المكسيكية "أمريكا موفيل" في بيان رداً على الأسئلة: "سوق الهاتف المحمول الكولومبي ديناميكي وتنافسي للغاية".
وردَّاً على سؤال حول دخول "ووم" إلى كولومبيا في مؤتمر عبر الهاتف عُقد في 10 فبراير، قال الرئيس التنفيذي دانيال حاج: "نحن على استعداد للمنافسة، بما أنَّنا ننافس في أماكن أخرى مع منافسين جدد".
ودعت شركة "تيليفونيكا" الإسبانية، التي تدير العلامة التجارية "موفيستار"، التي تحتل المركز الثاني، شركة "ووم" إلى اتباع قواعد اللعبة، لكنَّ الشركة الكولومبية قالت، إنَّها ترحب بالمنافسة.
ولم تستجب شركة "ميليكوم إنترناشيونال سيلولار إس إيه" التي تدير ثالث أكبر مزوِّد لخدمات الهاتف المحمول، للرسائل التي تطلب التعليق على الأمر.
افتعال الشجار
جرى الإطلاق الرسمي لشركة "ووم" في نوفمبر كلاسيكياً على طريقة بانيستر. فقد انطلقت موسيقى الهيفي ميتال، والألعاب النارية فوق المسرح، وكانت هناك بالونات عملاقة تتخذ شكل أطفال يبكون، التي كان يُنظر إليها باعتبارها العلامات التجارية الحالية.
وقام الموظفون، الذين ارتدوا زياً يشبه حاصد الأرواح، باصطحاب بانيستر، الذي ارتدى سترة وقناعاً على غرار الشخصية الخيالية هانيبال ليكتر، إلى المسرح في ذلك المساء. وكان ذلك الأمر رسالة واضحة، على الأقل من وجهة نظر "ووم"، مفادها: "حان وقت التغلُّب على المنافسين".
وصاح بانيستر بعد تمزيق ملابسه، قائلاً: "لقد أساؤوا معاملة كولومبيا، ونحن سنغيِّر ذلك".
أساليب تسويقية مثيرة
وبرغم تشغيل عمليات "ووم" في كولومبيا وتشيلي بشكل منفصل، إلا أنَّهما يشتركان في عناصر الاستراتيجية التي سمحت لـ "نوفاتور" بتعطيل أسواق الاتصالات الأخرى، وهي أساليب تسويقية استعراضية، وأسعار مخفَّضة في أماكن تكون فيها الخدمة باهظة الثمن والمنافسة محدودة.
هذا ليس نهجاً جديداً بالطبع. فعلى مدى أعوام عديدة، استخدم المشغِّلون الأصغر إعلانات مثيرة للفوز بحصة سوقية حتى في أكثر الدول تقدُّماً.
فقد استطاعت شركة "تي-موبايل أمريكا" صنع اسمها بنفسها من خلال الاستراتيجيات الدعائية الغريبة تحت مظلة الرئيس التنفيذي السابق جون ليجر الذي كان يرتدي سترة جلدية.
ويتبع بانيستر نهجاً مماثلاً، إلى جانب القليل من نهج رجل الأعمال ريتشارد برانسون وتعطشه للمغامرة، فقد تحدَّث عن رحلة القفز بالمظلات، وركوب الدراجة في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية.
انطلاقة "ووم"
جاء بانيستر إلى أمريكا اللاتينية بعد نوع ما من التردد، فهو يُعرف بلياقته البدنية ونشاطه، ويُعرف أيضاً بشارب رمادي اللون، لا يظهر إلا عندما يتناول رشفة من الماء. وكان ينوي أن تكون ميانمار آخر وجهاته الخارجية، فقد اشترى مزرعة خيزران بهدف تصدير المحصول إلى السويد لبناء إطارات الدراجات من منزله العائم.
ثم توصَّل رجل الأعمال بيورغولفسون إلى فكرة افتتاح شركة في تشيلي، وهو الأمر الذي اقتنع به بانيستر بعد زيارته للبلاد، وذلك برغم لغته الإسبانية البسيطة، وقلة خبرته في البلاد. وفي رحلة العودة إلى المنزل، رسم خطة عمل.
في عام 2015، بدأت "ووم" في شقِّ طريقها في سوق تشيلي من خلال شراء أعمال شركة "نكستل"، ثم نمت قاعدة عملائها إلى 4.9 مليون عميل اعتباراً من يونيو من نحو 200 ألف عميل ورثتهم، بحسب البيانات الحكومية.
وأشاد المستثمرون بأرباح الشركة، مما أدَّى إلى ارتفاع السندات المعيارية للوحدة التشيلية بنسبة 46% العام الماضي، وهي أفضل أداء بين ديون الشركات في الأسواق الناشئة بعد الأوراق المالية المتعثِّرة الصادرة عن مشغِّل الهاتف المحمول "ديجيسيل".
وفي ظلِّ هذا السجل الحافل بالنجاح، فإنَّ شركة "ووم" تشكِّل مخاطرة واضحة بالنسبة لروَّاد الصناعة في كولومبيا، بحسب ما قال أرتورو لانغا، المحلل المقيم في مكسيكو سيتي لدى شركة "إيتاو بي بي إيه" التي تغطي "أمريكا موفيل".
ومع ذلك، في ظل المناطق الريفية الشاسعة، التي يترسخ فيها وجود شركة "كلارو" بقوة، قد تثبت البلاد أنَّها تشبه المكسيك أكثر من تشيلي. وفي موطنها الأصلي، تمكَّنت "أمريكا موفيل" من الحفاظ على هيمنتها برغم الضغط الممارس من قبل الأطراف الجديدة، مثل شركة "إيه تي آند تي".
في الوقت الراهن، وفي حين يسافر بانيستر إلى البلاد لافتتاح مكاتب جديدة، فإنَّه يرى أنَّ الأداء المسرحي للشركة يكتسب سمعة سيئة على الأقل. وأشار إلى أنَّ هناك سائق سيارة أجرة في جزيرة سان أندريس في البحر الكاريبي، على بعد 750 ميلاً شمال بوغوتا، تعرَّف عليه مؤخراً بعد انتشار مقطع فيديو لحدث إطلاق الشركة في نوفمبر.
وقال بانيستر: "الجزء المنطقي هو خدمة جيدة بسعر منخفض، ثم ننتقل إلى الجزء العاطفي، الذي يتعلَّق بالتفاعل مع السكان. وهنا يأتي دور العلامة التجارية".